مثّل اقتراب شهر رمضان الكريم، بالنسبة لليمنيين، وعلى غير العادة، مناسبة لاستشعار فدح التداعيات التي فرضها انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح على الشرعية والحرب على الشعب، الأمر الذي تسبب في انحسار غير مسبوق لمظاهر الاحتفاء التقليدية، التي طالما مثلت جزءاً من المراسم المسبقة لاستقبال الشهر الكريم في البلاد.
وتراجع التهافت الشعبي على اقتناء مستلزمات شهر رمضان لاعتبارات تتعلق بالافتقاد للحد الأدنى من الإمكانات المالية اللازمة لتوفير الاحتياجات الأساسية وبخاصة المواد التموينية والغذائية، التي ارتفعت أسعارها كنتاج لانهيار القيمة الشرائية للريال اليمني وحالة الحصار التي فرضها الانقلابيون ومنعهم وصول شحنات الأغذية والمواد التموينية من ميناء الحديدة إلى العاصمة صنعاء والمدن الأخرى.
وأكد الخبير الاقتصادي اليمني مروان أحمد قاسم مغلس في تصريح لجريده «الخليج» الاماراتيه أن الميليشيا الانقلابية منعت العديد من السفن التي تحمل شحنات من الأغذية سواء المستوردة من تجار محليين أو القادمة كمساعدات إنسانية من إفراغ حمولتها في ميناء الحاويات، مشيراً إلى أن عدداً محدوداً من هذه السفن تم السماح لها بذلك لكن شحنات الأغذية اختفت بعد تفريغها جراء نهب الميليشيات لها.
ولفت إلى أن الميليشيا الانقلابية تفرض حصاراً جائراً وتمنع بشكل متعمد وصول المواد التموينية والإغاثية إلى سكان الحديدة والمناطق المنضوية في إطار إقليم «تهامة» والمدن الأخرى وهو ما تسبب في تداعيات إنسانية وصحية كارثية من قبيل تفشي أعراض المجاعة في الكثير من المناطق وارتفاع أعداد السكان الذين يعانون من نقص حاد في الغذاء.
ولجأ الحوثيون إلى ابتكار ما يسمي ب«البطاقة السلعية» لاحتواء تصاعد حالة السخط والغضب مع اقتراب شهر رمضان، في أوساط موظفي المؤسسات الحكومية جراء انقطاع الرواتب، منذ سبعة شهور لتتحول المواد التموينية بديلاً عن الراتب المفتقد في مقايضة أثارت ولاتزال أجواء مشحونة بمظاهر الاحتقان العام.
واعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في علم الاجتماع الدكتور عبد الرحمن أحمد المقرمي في تصريح ل«الخليج» أن الحوثيين لا يدركون أن إجمالي تعداد الموظفين في المؤسسات الحكومية ليس في صنعاء وحدها بل في كافة المحافظات لا يزيد على 30 بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد، الأمر الذي يجعل من «البطاقة السلعية»، التي ابتكرها الحوثيون لاحتواء الغضب الشعبي مجرد تسوية نسبية لمشكلة توفير مواد تموينية يستلزمها شهر رمضان لجزء بسيط من السكان.
وكشف الناشط الاجتماعي المناهض لسلطة الأمر الواقع في العاصمة صنعاء عبد العزيز أحمد القاضي في تصريح ل«الخليج» عن ممارسة الحوثيين أسلوب الوعيد والتهديد لإجبار تجار المواد التموينية ومالكي «المولات» المتخصصة في بيع المواد الغذائية والتموينية على اعتماد «البطاقة السلعية» واستقبال جموع الموظفين لاستلام مستلزمات شهر رمضان من المواد الغذائية، مقابل تعهدات مؤجلة قطعتها الميليشيا بالتسديد المالي اللاحق لهؤلاء التجار، فور الحصول على موارد مالية كافية.
اقتراب حلول شهر رمضان في ظل أوضاع معيشية كارثية دفع العديد من سكان المدن الخاضعة لسلطة الميليشيا الانقلابية إلى النزوح القسري والاضطراري والتوجه إلى المحافظات المحررة، التي بدأت تستعيد قدرتها على إنتاج مظاهر الحياة العامة، بعيداً عن الخوف والشعور بوطأة التسليم بسلطة أمر واقع انقلابية تحولت إلى مجرد عصابة تمتهن السلب والنهب وفرض المزيد من التعقيدات على مفردات الحياة الاجتماعية والمعيشية. –