بعد مرور عامين على انقلاب الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية والعملية الانتقالية ومخرجات الحوار الوطني، شهدت اليمن تحولات كبيرة شملت جوانب مختلفة، وأعادت صياغة المشهد السياسي اليمني بشكل مختلف تماماً عن مرحلة ما قبل الانقلاب وعملية “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية.
ونتيجة لهذه التحولات، يمكن القول إن اليمن بدأت مرحلة جديدة من تاريخها، على الصعيد السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي، وكل ذلك يمثل امتداداً لثورة 2011 الشعبية السلمية، ويسهم في تحقيق أهدافها، بصرف النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها الحرب الحالية، ذلك أن الحلول كلها ستؤول إلى نفس النتيجة، سواء تم الحسم العسكري ضد الانقلاب أو استئناف العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني أو غير ذلك، أما نجاح الانقلاب، وسيطرة الانقلابيين على كل البلاد، فذلك أمر مستحيل، ولن يقبل به الشعب اليمني أو دول الجوار.
تحولات عسكرية
لعل أبرز التحولات التي شهدتها اليمن بعد مرور عامين من الانقلاب تلك المتعلقة بالتحولات العسكرية، التي ستسهم في إعادة هيكلة الجيش، باعتبار ذلك من أهم مطالب ثورة 2011 الشعبية السلمية.
يمثل الاختلال الذي كان قائماً في بنية الجيش اليمني أبرز الأسباب التي أثرت على الحياة السياسية اليمنية برمتها، ذلك أن المخلوع علي صالح أسس جيشاً عائلياً بامتياز أطلق عليه “الحرس الجمهوري”، وسبق له أن لوح بورقة الجيش ضد معارضيه خلال مرحلة الحراك السياسي والشعبي الذي سبق ثورة 2011، كما أنه استخدم الجيش للتأثير على نتائج الانتخابات في الدوائر العصية عليه من خلال الدفع بمجاميع كبيرة من الجنود للتصويت لصالحه أو لصالح حزبه في هذه الدائرة أو تلك، واستخدم الجيش في عام 2011 لقمع شباب الثورة، ثم استخدمه أخيراً للانقلاب على السلطة الشرعية وتسهيل سيطرة ميليشيات الحوثيين على العاصمة صنعاء.
وبعد عملية “عاصفة الحزم”، وما أحدثته من تدمير هائل لمخازن السلاح التابعة للجيش الموالي للمخلوع علي صالح، وبالتالي إضعافه، مقابل ظهور مقاومة شعبية فاعلة، وتأسيس جيش وطني من مختلف المحافظات، يكون الخلل الذي ظل قائماً في الجيش اليمني لسنوات عديدة قد تلاشى، ففي الوقت الحالي هناك حالة من التوازن بين الجيش الوطني والجيش العائلي، ولعل المرحلة المقبلة كفيلة بإنهاك الجيش العائلي، وتذويب ما تبقى منه في الجيش الوطني في مرحلة ما بعد إنهاء الانقلاب.
وهناك مفارقة ملفتة عند المقارنة بين الحالة الميليشاوية وحالة الجيش في البلاد في مرحلة ما بعد الانقلاب و”عاصفة الحزم”، ففي حين أقدمت السلطات الشرعية على ضم أفراد المقاومة الشعبية إلى الجيش الوطني، يلاحظ أن الجيش العائلي يتحول تدريجياً إلى ميليشيات تابعة للحوثيين، وهذا يعكس الخلل القائم في بنيته القبلية والمذهبية.
تحولات سياسية
التحولات السياسية التي شهدتها اليمن بعد الانقلاب شملت بلورة تحالفات سياسية جديدة على أنقاض تحالفات قديمة، وصعود قوى جديدة وفاعلة، وبعض التحالفات المذكورة عابرة للحدود، وتتأثر بالتحولات المتعلقة بتحالفات القوى الإقليمية أو افتراقها.
فبخصوص تحالفات نظام المخلوع علي صالح، فقد مرت بهزات عنيفة منذ ثورة عام 2011، ثم بعد مرحلة الانقلاب وعملية “عاصفة الحزم”، حيث انقلب كثير من حلفائه القبليين والسياسيين ضده، لكنه عوض ذلك بتحالفه مع عدو الأمس، جماعة الحوثيين، وصنع منهم قوة عسكرية وهمية من خلال الجيش الموالي له، واتخذهم ستاراً للتغطية على جرائمه المختلفة، ساعده على ذلك التجانس المذهبي والاجتماعي بين عناصر الجيش الموالي له وعناصر ميليشيات الحوثيين.
أما أحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل اللقاء المشترك، ورغم أنه لم يتم الإعلان بعد عن انتهاء هذا التحالف أو تفككه، لكن الواضح أن عملية الفرز السياسي في مرحلة ما بعد الانقلاب ستزيح من هذا التكتل الأحزاب السلالية والمذهبية (حزب الحق، وحزب اتحاد القوى الشعبية) كونها موالية للحوثيين والمخلوع صالح، ومؤيدة للانقلاب، وسيبقى التحالف هشاً بين بقية الأحزاب، ما لم تعاد عملية صياغته بشكل جديد، وتنضم إليه أحزاب أخرى جديدة تأسست بعد العام 2011.
وفي الحقيقة، لم تتضح بعد خريطة التحولات السياسية، خاصة ما يتعلق بالتحالفات وافتراقها، ومآلات الحراك الانفصالي في الجنوب، فهذه التحولات ما زالت مضطربة، ولن تستقر إلا بعد توقف الحرب، خاصة وأنها واقعة تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية تزداد كل يوم تعقيداً.
التحولات الثقافية والاجتماعية
ترتبط التحولات الثقافية والاجتماعية بالتحولات السياسية والعسكرية، خاصة فيما يتعلق بالفرز العنصري والمذهبي الذي كرسته جماعة الحوثيين، وفكرة الإمامة أو الولاية وحصرها في من يدعون الانتساب إلى آل البيت.
من الناحية الثقافية، يزداد الوعي الشعبي يوماً بعد يوم بخطورة فكرة حصر الولاية في آل البيت، وهذا الوعي سينجم عنه اتجاه مضاد لهذه الفكرة وكل من يؤمنون بها، الأمر الذي سيرسخ فكرة أن الديمقراطية هي الحل الأمثل لأزمة السلطة، ولهذا، فإن أي صراع قادم تفتعله الهاشمية السياسية (أو الزيدية السياسية) سيتم التعامل معه على هذا الأساس، وسيولد ذلك التفافاً شعبياً حول الديمقراطية، وهو ما يعني أن فكرة حصره الولاية في آل البيت في اليمن لا يمكن لها أن تنجح أبداً.
ومن الناحية الاجتماعية، ورداً على الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الهاشمية السياسية (أو الزيدية السياسية) في حق اليمنيين، لا يمكن أن ينساها اليمنيون، وستجد هذه الفئة نفسها مكروهة ومبغوضة ومعزولة اجتماعياً، وسيؤثر ذلك على دورها السياسي مستقبلاً، ما يعني أن مشروعها العنصري والطائفي لن يجد بيئة تقبل به بعد كل الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب.
مستقبل غامض
ورغم كل التحولات التي شهدتها اليمن في مرحلة ما بعد الانقلاب، والتي تبدو في ظاهرها إيجابية، لكن الغموض يكتنف مستقبل هذه التحولات، نتيجة العديد من العوامل الداخلية والخارجية، فتسارع الأحداث وتقلب التحالفات السياسية، وظهور تحالفات عابرة للدول والأيديولوجيات، كل ذلك يزيد من اضطراب هذه التحولات، ويزيد من غموض الحالة.