حذر الخبراء الاقتصاديون من تفاقم الإجراءات الحوثية من معاناة اليمنيين وساهمت في تعميق حالة الانهيار المتسارعة في العملة اليمنية، جراء منع الحوثيين التعامل بالعملة النقدية الجديدة الصادرة عن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن والشروع في سحبها من الأسواق ومحال الصرافة.
ونوه الخبراء من نتائج الإجراءات الحوثية على الاقتصاد اليمني الهش وانعكاساتها على الوضع الإنساني والمعيشي المتردي في اليمن الذي تصنفه المنظمات الدولية بأنه الأسوأ في العالم، حيث تشير التقارير إلى أن حوالي عشرة ملايين يمني يقفون على شفير المجاعة، في حين يعاني ربع سكان اليمن على أقل تقدير من أعراض سوء التغذية الحاد والأطفال على وجه الخصوص.
وتشير تقارير اقتصادية دولية إلى أن حوالي 20 مليون نسمة (أي 76 بالمئة من السكان) يعانون من الانعدام الغذائي الحاد وفقا لأحدث تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
ويقدر التحليل أن 15.9 مليون نسمة (53 بالمئة من السكان) يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بالرغم من استمرار المساعدات الغذائية الإنسانية، بما في ذلك ما يقرب من 5 ملايين شخص على حافة المجاعة في فئة المستوى الرابع في التصنيف الدولي، كما تعتبر اليمن ضمن أكثر ثلاث دول في العالم تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد في العالم.
وتؤكد العديد من التقارير تسارع حدة الانهيار في قيمة العملة اليمنية بعد مرور خمس سنوات من الحرب التي تسببت في حالة من الفوضى الاقتصادية وتسببت آثارها الكارثية في تفكيك مؤسسات الدولة النقدية، في ظل رصيد متزايد من تاريخ سوء الإدارة وتردي الخدمات المصرفية.
وبلغت ذروتها في أعقاب تكريس حالة الازدواج في السلطات المالية والتعارض في صلاحياتها، الأمر الذي ألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصاد اليمني، وضاعف من الضغوط على القطاع الخاص الذي يواجه كيانين مصرفيين في مناطق الشرعية ومناطق الحوثيين، إضافة إلى مواجهة التداعيات المباشرة لخسارة العملة الوطنية ما يوازي 143 بالمئة من قيمتها خلال الخمس السنوات الماضية، وما نتج عنه من موجات متتالية من أزمات توفير العملة المحلية والأجنبية، في ظل غياب شبه كلي للسياسة النقدية القادرة على إدارة القطاع المصرفي وفقا لمتطلبات السوق وما يتطلبه بلد يعاني من الحرب.
ويرجع أبوبكر سالم باعبيد رئيس الغرفة التجارية والاقتصادية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن في تصريح لـ“العرب” أسباب ما يصفه بالكارثة الاقتصادية إلى القرارات العشوائية وغير المدروسة التي يصدرها الحوثيون في صنعاء لتحقيق أهداف وغايات سياسية، الأمر الذي تسبب في اتساع رقعة الصراع حول القطاع المصرفي نتيجة الازدواج الحاصل في إدارة البنك المركزي اليمني بين صنعاء وعدن وإصدار قرارات تؤدي إلى فرض المزيد من القيود على النشاط الاقتصادي.
ويصف باعبيد القرار الأخير للبنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين والمتعلق بمنع تداول الإصدار النقدي الجديد الصادر عن البنك المركزي في عدن والبدء بإجراءات استبدال تلك العملة بأخرى إلكترونية بأنها خطوة غير مدروسة وتؤدي إلى تعميق حالة المعاناة وتنعكس بشكل مباشر على الوضع المعيشي في بلد مثل اليمن يستورد كل احتياجاته تقريبا من الغذاء والدواء من الخارج بنسبة تتجاوز 90 بالمئة وبتكلفة تصل إلى 2.5 مليار دولار سنويا.
ويلفت رئيس الغرفة التجارية بعدن إلى أن قرارات من هذا النوع تهدد الأمن الغذائي لليمنيين وتمس احتياجاتهم الضرورية للغداء والدواء، كما أنها تمس حياتهم المعيشية في حال تمت قراءة هذه الإجراءات من منظور اقتصادي ومالي بحت، بالنظر إلى أن العملة الوطنية القديمة باتت غير كافية لتلبية احتياجات القطاع التجاري لمبادلتها بالدولار والعملات الصعبة الأخرى من أجل الاستيراد.
ويرى باعبيد أن القطاع التجاري اليمني بحاجة ماسة للحدّ الأدنى من الاستقرار النقدي الذي يعد شرطا أساسيا لاستقرار المعاملات والتبادلات التجارية في اليمن، وفي التعاملات كذلك مع الأسواق الخارجية حيث إن اضطراب وتذبذب سعر العملة ينعكس بصورة مباشرة على حالة الاستقرار في المنظومة الاقتصادية نتيجة المخاوف المحتملة من خسارة المتعاملين بهذه العملة لقيمتها النقدية الحقيقية، إلى جانب الآثار المتوقعة لتضخم أسعار السلع وما ينتج عنها من اختلال اقتصادي تصل آثاره إلى حياة المواطنين.
ويؤكد خبراء أن كل الخيارات الماثلة جرّاء الشروع في تطبيق قرار منع التعامل مع الفئات الجديدة من الإصدار النقدي الجديد الذي اتخذ مؤخرا مكلفة ومن الصعب تطبيقها، لاسيما في ظل الافتقار إلى مقومات التحول إلى العملة الإلكترونية وأساليب الدفع والشراء الإلكترونية في اليمن، وقد سبق وتم اتخاذ خطوات مشابهة في السابق لم يحالفها النجاح، ناهيك عن أنه يمهد الطريق نحو سيناريوهات أكثر خطورة تتمثل في الشروع بإيجاد عملتين متمايزتي القيمة في إطار البلد الواحد مع ما يمثله ذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد اليمني، وينذر بخلق وضع سياسي أكثر تعقيدا.
ويحذر رجل الأعمال اليمني خالد عبدالواحد من آثار وتداعيات مثل هذه القرارات على القطاع المصرفي اليمني، وفي مقدمة ذلك نشوء سوق سوداء لتبادل وبيع العملات المحلية من فئات الإصدار النقدي الجديد، وهو ما يتسبب في خسارة المواطنين لقيمة مدخراتهم الأساسية من العملة الوطنية في ظاهرة غير مسبوقة في أي بلد.
وأشار عبدالواحد إلى أن قرار منع تداول العملات في مناطق سيطرة الحوثيين سيتسبب في زيادة مستوى التفاوت في سعر الريال مقابل الدولار والعملات الصعبة الأخرى في كل من صنعاء وعدن وهو ما يتيح للمضاربين الاستفادة من هذا الوضع وبالتالي انتعاش السوق الموازية “السوق السوداء” التي كانت قد تراجعت إلى حد ما عقب تدخلات البنك المركزي اليمني في عدن وبيع الدولار للتجار من أجل الاستيراد للمواد الأساسية والمشتقات النفطية.
ورصدت ورقة تقدير موقف صادرة عن عدد من الخبراء ورجال المال والأعمال اليمنيين حول قرار عدم التعامل مع الإصدار النقدي الجديد وتداعياته على الشأن الاقتصادي في اليمن عددا من المخاطر المحتملة لمثل هذا القرار ومن بينها دفع المواطنين إلى شراء العملة الأجنبية للحفاظ على مدخراتهم تحسبا للمخاوف من بقاء فئات الإصدار النقدي الجديد بأيديهم مع ما يمثله ذلك من خطورة على سعر الريال اليمني مقابل الدولار والعملات الصعبة الأخرى حيث تفتقر اليمن للعملة الصعبة جراء انحسار مصادر النقد الأجنبي منذ بدء الحرب التي يشهدها اليمن.
وارتفاع كلفة التحويلات للأموال سواء داخل اليمن أو خارجه وبالتالي فقدان جزء كبير من الأموال سوف يستفيد منه المضاربون بالعملة.