إن المتأمل في تاريخ الحضارة السبئية الحميرية يجد أنها لم تبلغ ما بلغت إلا حين توفرت لها العوامل الثلاثة، ولذا وصف الله الحضارة اليمنية بقوله تعالى: (وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم). كما وصفت اليمن ببلاد العرب السعيدة ولم توصف أي بلاد بهذا الوصف، وقال المؤرخ اليوناني”اغاثر سيدس”: “كان في سبأ كل ما يجلب السعادة لبني آدم”.. وقد وصف الجيش اليمني في تلك الحقبة كما في الآية القرآنية: ((قالوا نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد)). وقال المؤرخ المسعودي وهو يصف الحضارة التي يتمتع بها قوم سبأ (ولهم من قوة الشوكة واجتماع الكلمة بحيث لا يعاندهم ملك إلا قصموه، ولا جيش جبار إلا هزموه).. ونفهم من هذا انه كان لسبأ جيش قوي حافظ على تلك الحضارة من أي اعتداء خارجي إضافة إلى حماية مصالحها التجارية في البر والبحر.
نقوش الحرب
وقد وجدت نقوش مسندية على مدخل معبد أوام محرم بلقيس في مأرب والتي تعتبر مادة خصبة لمعرفة فن الحرب في اليمن القديم، حيث يمكن لنا من معرفة تشكيلات الجيش وفيالقه، واسلحته، واساليبه في القتال.. الخ، فقد كانت الدولة الحميرية وهي تواجه الاخطار المحيطة بها تعمل على تعزيز قوتها العسكرية لتغدو دولة حربية تستطيع الدفاع عن سيادتها ومصالحها الأمر الذي مكنها من فرض استقرار سياسي واقتصادي في المنطقة برمتها وفي اطار اهتمامها بتطوير قوتها الدفاعية شيدت الدولة الحميرية الحصون والقلاع لحماية المدن والموانئ البحرية وطرق القوافل، وقد أشار الشاعر امرؤ القيس إلى المصانع والحصون فقال:
ألم يخبرك ان الدهر غول
ختور العهد يلتهم الرجالا
أزال عن المصانع ذو رياش
وقد ملك السهولة والجبالا
والمصنعة تعني القلعة والحصن من معاني اسم مدينة صنعاء أي المدينة القوية الحصينة وقال شاعر آخر
ومصنعة بذي ريدان أخرى
اقاموها ببنيان وثيق
الشاهد من هذا أن الجيش اليمني بلغ من القوة بحيث أنه استطاع أن يهزم جيش روما ففي العام 24 ق.م أمر أغسطس حاكم روما نائبه في مصر “ايليوس جاليوس” أن يقود حملة لاحتلال اليمن فقاد حملة قوامها عشرة الف، كان الهدف من الحملة السيطرة على طرق التجارة التي يحتكرها اليمنيون ولكن اليمنيون استخدموا في الدفاع عن بلدهم سياسة الأرض المحروقة فاحرقوا الأخضر واليابس وردموا ابار المياه ونصبوا الكمائن للقوات الغازية فلقي الجيش الغازي حتفه على اطراف مدينة مارب وفر من بقي من الجيش الرومي مع قائدهم جاليوس واعدم في مصر..
ذلك هو ما دونه التاريخ عن الحضارة اليمنية وقوة جيشها فهل يعيد التاريخ نفسه ويتمكن اليمنيون من بناء جيش قوي يحمي المكاسب والمنجزات ويستعيد مجد الماضي .. قال جمال الدين الافغاني: “لا تاريخ لقوم إذا لم يقم منهم من يحيى رجال تاريخهم فيعمل عملهم وينسج على منوالهم”.
إن عظمة حضارة اليمن وماضيها الزاهر كانت من تصميم ابنائها الذين تفاعلوا مع الزمن وكونوا حضارة كانت مركز اشعاع لسا ئر الحضارات ولهذا فالوعي بالتاريخ يجعلنا اكثر تمسكاً بهويتنا الوطنية، فنحن إنما نستلهم امجاد الماضي لننطلق في بناء المستقبل فمن لا ماضي له لاحاضر له.
فالتاريخ هو القسطاس الذي يصدر حكمه العادل فيضع اي شعب في الصدارة أو في الاعقاب ونحن كجيش وطني يجب علينا ان نطبق المقولة العسكرية “الجيش للحرب والاعمار ” ولسان حالنا يقول: وإني وان كنت الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل ُ.
ونحن نستقبل عام جديد فلنجدد العزم على استكمال بناء مؤسسة الوطن الدفاعية من أجل ان يصدق فينا قول الشاعر:
إنا وأن كرمت اوائلنا
لسنا على الاحسان نتكل
نني كما كانت أوائلنا تبني
ونفعل مثلما فعلوا
*نائب الناطق الرسمي للقوات المسلحة