“إذا أردت السلام فاستعد للحرب”، يقول مثل شعبي لاتيني اعتمدته البحرية البريطانية شعاراً لها، لكن المبعوث الأممي البريطاني مارتن غريفيث يرفض الاعتراف بصحة هذه العبارة، ويبتكر كل يومٍ مبرراتٍ زائفة للدفاع عن اتفاق ستوكهولم الذي ضغط- مسنودا بدولته وقوى عظمى- على الحكومة الشرعية للقبول بتوقيعه بهدف اغتيال السلام الذي يقاتل الجيش الوطني في سبيل تحقيقه لليمنيين.
وبعد عام من توقيعه تأكد لليمنيين جميعا هدف الأمم المتحدة من وراء ايقاف معركة تحرير الحديدة، وتكشفت دلالات استمرارها في التغاضي عن خروقات المليشيا الانقلابية وانتهاكاتها، وهو ما يؤكده مسؤولون ومحللون وكتاب استطلعت «26سبتمبر» آراءهم.. فإلى نص الاستطلاع:
بداية يقول وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل: “الحكومة اليمنية متمسكة بخيار السلام، وتسعى للوصول إلى حل قائم على المرجعيات الثلاثة، ولذلك ترحب الحكومة بأي جهود تصب في هذا الإطار، وتتفاعل وتستجيب من أجل تحقيق السلام للشعب اليمني”.
صمتٌ مخزٍ
وحول اتفاق استكهولم وسكوت الأمم المتحدة عن خروقات المليشيا الحوثية يقول فضائل: “استمرار الأمم المتحدة في التعامل بهذه العقلية الهلامية، ودون تحديد الطرف المعرقل للاتفاق الواضح، والذي لا يقبل التأويل، يؤدي إلى المماطلة في التنفيذ، والمثل العربي يقول: من أمن العقاب أساء الأدب. ولهذا نرى المليشيا الحوثي تماطل في تنفيذ الاتفاق واثقة بالصمت الأممي، وإدارة الأمم المتحدة الفاشلة للازمة، وعدم العمل على حلها، وإنهاء الانقلاب”.
وأضاف: “المليشيا الحوثية مستمرة في خرق الاتفاق، وارتكاب الانتهاكات، وهناك أكثر من ألف شهيد وجريح من المدنيين منذ بدء الهدنة في ديسمبر 2018م، في ظل عدم تنفيذ أي بند من بنود الاتفاق على أرض الواقع وسط صمت مخز وتغاض أممي مخجل”.
واختتم وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل حديثه لـ”26سبتمبر” بالقول: “الأمم المتحدة مطالبة بالضغط على المليشيا الحوثية لتنفيذ اتفاق استكهولم، ولا يمكن الذهاب لأي مفاوضات قادمة دون تنفيذه، ونؤكد هنا أن الحكومة الشرعية متمسكة بخيار السلام القائم على المرجعيات الثلاث”.
إنقاذ المليشيا
وكيل وزارة الإعلام صالح الحميدي قال: “للأسف! المبعوث الأممي مارتن غريفيث يتعاطى بشكل كبير جدا مع الحوثيين، ويعمل دائما على منع سقوطهم في جبهات مختلفة، وكلما استطاعت قوات الجيش الوطني تضييق الخناق عليهم تقدم غريفيث بمبادرة لا غرض منها غير الإبقاء على الانقلابيين”. مضيفاً: “الأمم المتحدة لم تحقق أي إنجاز في الملف اليمني، وبالتالي هي تحاول من خلال تجزئة الملف اليمني عمل ما يشبه الإنجاز الذي يكفل لها البقاء في اليمن”.
وأوضح الحميدي لـ”26سبتمبر”: “منذ أن غادر ولد الشيخ واليمن ليست بحاجة إلى مبعوث أممي بقدر ما هو مهم وهو البحث عن الشريك الحقيقي الذي يستطيع الجلوس مع الحكومة على طاولة واحدة، ويكون قادرا على الوفاء بالتزاماته، أو ما سيتم التوقيع عليه، أما الحوثيون فمنذ اجتياحهم للعاصمة صنعاء وهم يتملصون من تنفيذ أي اتفاق يوقعونه”.
وعن سر تمسك الأمم المتحدة باتفاق استكهولم رغم فشله يقول الحميدي: “غريفيث كان منذ البداية يعلم أن الحوثيين لن ينفذوا شيئا، لكنه لم يكتف بتجزئة الملف اليمني، بل جزأ المجزأ، ففي الحديدة جزأت الأمم المتحدة الاتفاق إلى جزئيات بسيطة جدا، ومع هذا كله فشل الاتفاق بسبب سوء تقدير وعدم قدرة غريفث على إدارة المشاورات، ونطالب بتغييره لتستره وتماهيه مع المليشيا الحوثية، ولعدم تحديده من يعرقل تنفيذ الاتفاق”.
وأضاف: “الحكومة الشرعية لن تقبل الذهاب إلى أي مفاوضات جديدة قبل تطبيق اتفاق استكهولم، وما يروج له المبعوث الأممي ليس إلا تسويقا له شخصيا”.
تسجيل موقف
الصحفي وعضو نقابة الصحفيين نبيل الأسيدي قال من جهته أن “الهدف من الاتفاق كان رغبة المبعوث الأممي بتسجيل موقف والدفع نحو خوض مفاوضات سلام، دون أي رؤى او تصورات للحل”.
وأضاف: “الحرب في اليمن موضوع له أبعاد إقليمية ودولية، والأمم المتحدة جزء من هذه الأبعاد، وتنفذ أجندة القوى الدولية والقوى الفاعلة الدولية كانت رافضة لدخول الحديدة، إما لمصالح مع الحوثيين، أو لديها حسابات في إطار توازن القوى في الصراع الحاصل في المنطقة ربما، فالمجتمع الدولي يبدو أنه يرغب في بقاء الحوثيين، ولذا لا يهتم بمصالح اليمنيين واحتياجاتهم”.
ويرى الأسيدي أن دور المبعوث الأممي لم يكن إلا تنفيذا لأجندة وأهداف قوى عظمى، حيث قال: “الفكرة ليست بالمبعوث أو الأمم المتحدة، وإنما هي بالأهداف المطلوب منه تنفيذها من قبل القوى الدولية، والجانب المالي أيضا مؤثر في استمرار الصراع”.
واختتم الأسيدي حديثه لـ”26سبتمبر” بالقول: “تمسك الأمم المتحدة باتفاق استكهولم هو أشبه بتمسكها بالقرار الدولي الذي أصدره مجلس الأمن، وهو محاولة للضغط للدخول في مفاوضات جديدة، لكن ما يبدو في الأفق هو أن الأمور تسير باتفاقات تجري من تحت الطاولة أكثر من الاتفاقات الدولية المعلنة”.
خلط الأوراق
ممثل الوقفة الاحتجاجية المطالبة بتنفيذ اتفاق الحديدة أو السماح للجيش الوطني بتحريرها عبدالرحمن رزيق قال: “ما أرادت الأمم المتحدة تحقيقه هو إطالة أمد الحرب، والمبعوث الأممي لم يدين أو يستنكر أي خرق أو يقوم بإبلاغ مجلس الامن، ودليل على ذلك آخر استهداف مركز أطباء بلا حدود بالمخا لم يعلق عليه مجلس الامن والتزم الصمت”.
وأضاف رزيق لـ”26سبتمبر”: “أرادت الامم المتحدة ايضاً جمع مزيد من الأخطاء من جانب دول التحالف لخلط الأوراق، وتوسيع دائرة الصراع بين الأطراف كما يجري الآن في المحافظات الجنوبية”.
ويرى رزيق أن “الحكومة الشرعية والتحالف سيتمسكون بالاتفاق؛ لأن التحالف والشرعية لم يتفقوا فيما بينهم، هناك طرف رافض للاتفاق، وطرف متمسك به، وإذا لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف فسوف يستمر هذا العبث وقد تتوسع دائرة الصراع”. إلا أنه لم يفقد أمله، حيث أضاف: “لكن مازال الأمل موجودا في الحكومة الشرعية ودول التحالف أن يتفقوا على رفض اتفاقية ستوكهولم، ونأمل أن يتم استئناف العملية العسكرية لتحرير الحديدة وبقيه محافظات الجمهورية؛ لأن اتفاقيه ستوكهولم لم تكن إلا لصالح المليشيا الانقلابية لجمع الحشود والتخندق وزرع الألغام والعبوات الناسفة”.
وعن إمكانية الذهاب إلى مفاوضات جديدة قال رزيق: “هذا ما نخشاه فعلا أن الشرعية والتحالف يكون لهم اتفاقيات جديدة سوف يكون كارثة حقيقية على الوطن، ولكن لا أظن أن هناك أي اتفاقيات؛ لأن كل الاتفاقيات السابقة باءت بالفشل الذريع، ولم ينفذ منها أي بند من البنود”.
تستر غريفيث
من جانبه يرى المدير التنفيذي لمنظمة سام للحقوق والحريات توفيق الحميدي أن إيقاف معركة تحرير الحديدة كان بغرض تحقيق رغبة دولية في استمرار الحرب لمصالح سياسية واقتصادية، مضيفاُ: “الحديث عن محاولة تأمين طرق التجارة، وضمان عدم تدهور الوضع الإنساني؛ هي مبررات غير واقعية وغير صحيحة، فمعركة الحديدة هي نصف المعركة مع مليشيا الحوثي، فالحديدة نافذة للتهريب ورئة مالية يتنفس من خلالها اقتصاد الحرب الانقلابي”.
ويؤكد الحميدي: “منذ عام من اتفاقية استكهولم والحوثي يمارس هوايته في نكث العهود، وعدم الالتزام بالاتفاقيات، ولن يلتزم، وهو يدرك أن غريفيث حريص على استكهولم كمنجز وحيد طوال مسيرته، فبرغم أن بنود استكهولم ذهبت مع الريح، بما فيها ملف المعتقلين والأسرى، وظهور تمرد الحوثي وخرقه اتفاقية الحديدة بما في ذلك التضييق على رجال الأمم المتحدة العسكريين المراقبين، لكنهم سوف يغضون الطرف لأجل إنجازهم المزعوم، ولوجود مصالح أخرى”.
وشدد المدير التنفيذي لمنظمة سام في ختام حديثه لـ”26سبتمبر” على أن: “الدخول في اتفاق جديد دون تنفيذ الاتفاق السابق نوع من العبث، وسيعمل على تآكل ما تبقي من شرعية منقوصة، تستمد شرعيتها الحالية من النضال لاستعادة الدولة والشرعية الشعبية بدون ذلك، وكما حدث مع الانتقالي، معناها مزيد من التآكل لصالح التمرد والانقلاب”.
تبادل المختطفين
الصحفي والناشط حسين الصوفي تحدث من جهته عن مفاوضات استكهولم مؤكدا أن ما نتج عنها لم يكن إلا اتفاقاً مسلوقا دون مناقشة مستفيضة لبنوده، حيث قال في حديثه لـ”26سبتمبر”: “المفاوضات وبحسب تواصلنا مع الوفد المفاوض كانت لثمانية أيام؛ ستة منها استهلكت في مناقشة عملية تبادل المختطفين، ولم يتم مناقشة أي ملف باستفاضة على الإطلاق، وإنما تم إضافة بند الحديدة أثناء التوقيع، ولكن للأسف الشديد فوجئنا أن المبعوث الأممي منذ اللحظة الأولى بدأ يعمل على ملف الحديدة، أوقع الشرعية في فخ، وهذا نتيجة أن المفاوضة السياسية لدى الشرعية لم تكن بحجم المسؤولية لمنع استدراجهم إلى ملف الحديدة، وكان الأصل أن يتم الوقوف مع المبعوث الأممي أو غيره لإجباره على تنفيذ أول بند في الاتفاق وهو بند تبادل المختطفين”.
وأضاف الصوفي: “اتفاق استكهولم أكذوبة كبرى يسعى المبعوث الأممي للترويج على أنها خاصة بملف الحديدة، ولم يتم نقاش ملف الحديدة ولا تعز في المشاورات، وإنما كان اتفاقا خاصا بملف التبادل الذي غيبه المبعوث الأممي، وغيبته كل الاتفاقات”.
وعن إيقاف معركة الحديدة قال الصوفي: “المفاوضات هدفت فعلا لإيقاف معركة الحديدة، كما كانت المفاوضات الأولى في 2016م لإيقاف معركة نهم بعد تقدم الجيش الوطني إلى مداخل العاصمة صنعاء، وهذا ما يجب على الشرعية أن تتنبه له، وأيضا تجنب الاتفاقات التي تحاول تجزئة القضية اليمنية، والأصل على الشرعية أن تقف عند المرجعيات الثلاث لمنع ما تريده الأمم المتحدة وبعض القوى التي تريد إغراق اليمن في الفوضى”.
نتيجة عابثة
أما الكاتب والمحلل السياسي عارف أبو حاتم فقال لـ”26سبتمبر”: “بعد مرور عام على اتفاق استكهولم لم يتم تنفيذ أي شيء منه، ومنذ اللحظة الأولى كنت أعترض عليه، وكنت أرى فيه أن أخطر ما فعله غريفيث هو عمله على تجزئة الملف اليمني، حين يكون لدينا اتفاق خاص بشأن الحديدة، غداً سيكون لدينا اتفاق بشأن تعز، ثم اتفاق للضالع، ثم اتفاق لمأرب وهكذا لنلاحظ ما حدث بالضبط، تم انتزاع ملف الحديدة من الملف اليمني، ثم انتزاع ملف المساعدات من ملف الحديدة، ثم انتزاع الألغام من ملف المساعدات، ثم إعادة الانتشار، ثم المرحلة الأولى من إعادة الانتشار، وهكذا تجزئة المجزأ في كل مرة، ووصلنا إلى نتيجة عابثة”.
وأضاف أبو حاتم: “أتذكر تماماً أنه في يونيو 2018م جاء المشؤوم غريفث إلى الرياض لمقابلة الرئيس هادي وأقنعه أن سيقوم بإقناع الحوثيين بالانسحاب سلميا مقابل إيقاف معركة تحرير الحديدة، وكانت يومها قناة العربية تبث من صالة مطار الحديدة وقوات الجيش الوطني على مرمى حجر من المدينة، ونجح في اقناع الرئيس هادي أنه سيقنع الحوثيين بالانسحاب، وها نحن سنة ونصف ولم يتم أي شيء”.
وواصل قائلا: “إيقاف معركة تحرير الحديدة كارثة، حيث أعاد الحوثيين ترتيباتهم العسكرية وأعادوا تموضعهم، وبنوا الحواجز، واستخذوا المدنيين دروعا بشرية، تم خنق المدينة وحفر الخنادق حتى أصبح تحرير الحديدة هو المستحيل بعينه؛ لأن التكلفة البشرية ستكون هائلة”.
وأضاف أبو حاتم: “هذا ما حدث للشرعية، لكن ما حدث للأمم المتحدة هو انها أهينت، الجنرال كاميرت الذي قدم استقالته بعد اختلافه مع غريفيث قال: بأن غريفيث كان يريده أن يكون أداة للعملية السياسية ومطواعا لها، كان إذا أراد الخروج من الجانب الحوثي إلى الجانب الحكومي على بعد ثلاث كيلومتر منه يذهب أولا إلى عدن عبر البحر، ثم يذهب من عدن لملاقاة الجانب الحكومي على بعد ثلاثة كيلو متر من نقطة انطلاقه في تعسف واضح، أصبح الجانبان لا يلتقيان إلا على متن سفينة وسط البحر، سفينة مستأجرة بمئات الآلاف الدولارات، غريفيث عبث بنا وبقضيتنا وعبث بسمعتنا كيمنيين نجتمع أكثر مما نفترق، وعبث بالأمم المتحدة نفسها، موازنة غريفيث للعام 2018م بلغت 57 مليون دولار، رجل عبث بالسياسة، وعبث بالمال، وعبث باليمن”.
إعلان وفاة الاتفاق
وحول التمسك الأممي باتفاق استكهولم قال أبو حاتم: “في تقديري أن زيارة وزير الخارجية البريطاني جيرمي هينت إلى عدن، ومن هناك أعلن أنه يجب تسليم الحديدة إلى طرف ثالث، أعتقد أنه إعلان بوفاة اتفاق استكهولم وتشييعا له”. موضحاً: “بريطانيا هي من تشرف على الملف اليمني، وهي من تشرف على المفاوضات، وهي من تتولى الملف اليمني في مجلس الأمن، وغريفيث نفسه بريطاني وموظف رفيع في الخارجية البريطانية، وأعتقد أن بيدهم كل شيء، وأرى أن اتفاق استكهولم قتل ولم يعد من الأجدى الحديث عنه والبحث عن تطبيقه، وإنما البحث عن اتفاق آخر”.
وعن الذهاب لمفاوضات جديدة قال الكاتب والمحلل السياسي عارف أبو حاتم لـ”26سبتمبر”: “دخلت الشرعية في اتفاق آخر أو لم تدخل، وافقت أم لم توافق، تم التسويق لاتفاق أو لم يتم، في اعتقادي أن أي اتفاق لا ينص في بنده الأول على تسليم السلاح من المليشيا الحوثية هو اتفاق فاشل، الحوثيون قالوها بوضوح تام في مشاورات الكويت ومشاورات جنيف ومشاورات بيال بسوسيرا: “تسليم سلاحنا لكم يعني تسليم رقابنا، لن نسلم السلاح!”، وبالتالي كل عملية تفاوض لا تعني إلا المماطلة، وأنا أعتقد أن الحل العسكري كان هو الأقرب والأقل كلفة إن تم الذهاب إليه”.
الحل العسكري أجدى
وأوضح قائلاً: “لو أن غريفيث لم يتدخل في يونيو 2018م، وتم تحرير الحديدة سنكون قد أكملنا ثلثي المهمة، لن يكون تحرير صنعاء إلا محصلة، عبد الناصر حين جاء لمساعدة الجمهوريين في اليمن بدأ بالساحل قبل الجبل، وبالتالي كان يجب تحرير الحديدة، ومن هناك سيتم خنق المليشيا الحوثية، أبو مسلم الزعكري رحمة الله عليه أيام حرب دماج استطاع أن يخنق الحوثيين بالكامل بمجرد أن قطع منطقة حجور عليهم”.