شكلت اتفاقية ستوكهولم التي تم التوقيع عليها في 13 ديسمبر 2018، بصيص أمل لملايين اليمنيين، خاصة في محافظة الحديدة الذين هم على وشك مواجهة المجاعة، إلا أن هذه الآمال ما لبثت حتى انخفضت بشكلٍ مؤسف.
ورغم مرور عام على توقيع الاتفاق بين الحكومة اليمنية ومليشيا الحوثي الانقلابية إلا أنه لم يشفع لإحداث أي تقدم جوهري على طريق التنفيذ الكامل لبنود الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في العاصمة السويدية.
ومنذ الإعلان عن اتفاق ستوكهولم، دأبت مليشيا الحوثي على إفشال جميع بنود الاتفاق عبر سلسلة من الخروقات ورفضها الالتزام بتعهداتها، ابتداء من تسليم موانئ الحديدة والانسحاب من المدينة، والمراوغة للتنصل من التزاماتها فيما يتعلق بملف الأسرى والمختطفين في سجونها، وأفشلت تفاهمات الأردن التي أعقبت اتفاق السويد.
وعلى مدى الأشهر الماضية لم يحرز الاتفاق أي تقدم، باستثناء تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لوضع آلية تنفيذية لوقف إطلاق النار وتنفيذ بقية بنود الاتفاق، بينما تعقدت الأوضاع في الحديدة، أكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ديسمبر العام الماضي.
مع تزايد الاتهامات الحكومية للحوثيين بالمراوغة وعدم الالتزام بتنفيذ أي من بنود الاتفاق، إلا أن سلوك الحوثي المراوغ والمتعنت في الحديدة ترك آثاراً كارثية وفاقم من الأوضاع الإنسانية في أوساط المدنيين، فخلال شهر واحد فقط ارتكبت مليشيا الحوثي الانقلابية 883 خرقاً لوقف اطلاق النار في محافظة الحديدة منذ بدء سريانه في 18 ديسمبر 2018، وحتى 30 يناير الماضي، وأدت هذه الخروقات الى مقتل 60 مدنياً، بينهم 18 طفلاً، و14 امرأة، وإصابة 389 آخرين بنيران المليشيا الانقلابية.
آلاف الخروقات
ارتكبت مليشيا الحوثي أبشع الجرائم والمجازر الوحشية بحق المدنيين، حيث تعددت وسائل الإجرام وتنوعت أساليب الخروق والانتهاكات بحق المدنيين منذ اللحظات الأولى لدخول الهدنة الأممية حيز التنفيذ وحتى اللحظة الراهنة.
حيث كشف محافظ الحديدة الحسن طاهر أن خروقات المليشيا الانقلابية منذ توقيع اتفاق ستوكهولم، في ديسمبر الماضي، حتى منتصف أكتوبر المنصرم، وصلت إلى أكثر من 11.000 ألف خرق.
فيما قال العقيد وضاح الدبيش، الناطق الرسمي باسم عمليات الساحل الغربي، لوكالة «شينخوا»: إن خروقات المليشيا الحوثية التي تم رصدها منذ تفعيل آلية التهدئة وتعزيز وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة، وفقاً لاتفاق ستوكهولم، بلغت 16.516 خرقاً.
وأضاف الدبيش: أن الخروقات في الفترة من 10 سبتمبر حتى 7 نوفمبر 2019، بلغت 2535 خرقاً، من بينها انتهاكات لحقوق الإنسان بحق المواطنين المدنيين، ترقى إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، منها 410 محاولات تسلل فاشلة، و492 هجوم حرب مكتملة الأركان، و271 قصف منازل مواطنين ومنشآت مدنية، وحفر 126 خندقاً ونفقاً، بينما تمثلت الخروقات الأخرى في استحداث مواقع جديدة والتحشيد وإعادة التمركز والاستطلاع الجوي عبر الطيران المسير والاعتقالات والتجنيد الإجباري للأطفال.
مجازر ضد المدنيين
أوضح تقرير نشره المركز الإعلامي لـ«ألوية العمالقة» أن خروق المليشيا الحوثية في الحديدة منذ بدء الهدنة الأممية القائمة بموجب اتفاق «ستوكهولم» تجاوزت أكثر من 2400 قتيل وجريح من المدنيين منذ سريانها في 18 ديسمبر الماضي.
وذكر التقرير أن المليشيا «قامت باستهداف وقصف المدن والأحياء السكنية ومنازل المواطنين في الحديدة بمختلف القذائف المدفعية والأسلحة المتوسطة والثقيلة، ولم تقتصر جرائم المليشيا على ذلك بل عمدت إلى الاستهداف المباشر للمواطنين وزرع حقول الألغام المنتظمة والعشوائية والعبوات الناسفة في الطرقات العامة والفرعية ومزارع المواطنين، وهو ما تسبب في سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى المدنيين في مختلف مديريات محافظة الحديدة».
كما تسببت تلك الخروقات التي ارتكبتها مليشيا الحوثي الانقلابية بتدمير كلي وجزئي لـ446 منزلاً ومنشأة حكومية وخاصة اضافة الى المدارس ودور العبادة.
واستعرض التقرير مناطق سقوط القتلى والجرحى من المواطنين الذين سقطوا خلال فترة الهدنة الأممية في مناطق متفرقة منها: التحيتا، الجبلية، الحيمة، المتينة، حيس، الخوخة، الغويرق، المغرس، الجاح، الدريهمي، الطائف، الجريبة، الحالي، الحوك، منظر، والمسنا، مؤكدا سقوط سبعة قتلى و88 جريحاً في مختلف مناطق ومديريات محافظة الحديدة في الأسبوع الأول للهدنة من الفئات العمرية المختلفة (النساء والرجال والأطفال).
قتل وتهجير وألغام
بعد 6 أشهر فقط من توقيع اتفاق ستوكهولم، وتحديداً في الـ11 من يونيو 2019، قال المجلس النرويجي للاجئين، إن 1750 مدنياً قتلوا في اليمن، منذ إبرام اتفاق ستوكهولم، وإن آلاف المواطنين أُجبِروا على الفرار من منازلهم، رغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منذ 6 أشهر.
وأوضح المجلس، في بيان له، أن 255 ألف يمني أُجْبِروا على الفرار من منازلهم، بينما فقد 26.000 ألف شخص منازلهم، إضافة إلى مقتل وجرح أكثر من 20 شخصاً -معظمهم من الأطفال- بسبب الألغام الأرضية، مقارنة بما كان عليه قبل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
وأكدت المصادر أن معظم الضحايا من النساء والأطفال، ومن بينهم 5 جنود حاولوا إسعاف أسرة انفجر بها لغم حوثي، فانفجر بهم لغم ثان، فيما تم رصد 4 حالات وفاة داخل سجون الحوثيين، جراء التعذيب أو الإهمال الطبي، وحالة وفاة واحدة لسجين خرج من سجن حوثي بحالة صحية متدهورة.
قتل الطفولة
بحسب تقرير منظمة انقذوا الطفولة، فإن هناك 33 طفلاً بين قتيل وجريح كل شهر في الحديدة في الفترة بين يناير وأكتوبر 2019م.. كما لجأت مليشيا الحوثي في الآونة الأخيرة إلى تجنيد الأطفال والدفع بهم إلى مواقعهم العسكرية الأمامية في الحديدة دروعاً بشرية.
ونقلت وكالة «شينخوا» الصينية، عن العقيد وضاح الدبيش أن نحو 232 مدنيا قتلوا، وجرح 2311 آخرين في محافظة الحديدة، نتيجة خروقات ارتكبها مسلحو مليشيا الحوثي منذ سريان الهدنة بموجب اتفاق ستوكهولم قبل نحو عام.
رصد تفصيلي
في مستهل العام 2019م واصلت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران سلسلة جرائمها الوحشية بحق المدنيين، ورفعت من وتيرة انتهاكاتها على امتداد مناطق ومديريات محافظة الحديدة خاصة في جنوبها، وبشكل يومي.
ففي شهر يناير 2019م أوقعت المليشيا أعداداً كبيرة من المدنيين ضحايا سقطوا جراء عمليات القصف والاستهداف وانفجار الألغام والعبوات الحوثية، حيث قتل 25 مدنياً، وجرح 224 أخرين، معظمهم من النساء والأطفال. وفي شهر فبراير قتل 23 مدنياً، وجرح 199 أخرين.
فيما قتل في شهر مارس 20 مدنياً، وجرح 166 أخرين، وبلغ عدد القتلى من المدنيين في شهر أبريل 16 قتيلاً، وجرح 153 أخرين.
وارتفع عدد القتلى المدنيين في شهر مايو جراء استمرار انتهاكات مليشيا الحوثيين وسقط على أثرها 18 قتيلاً، و179 جريحاً.. فيما بلغ عدد القتلى من المدنيين في شهر يونيو 17 قتيلاً، و190 جريحاً.
وبينما رفعت المليشيا من وتيرة انتهاكاتها ضد المدنيين في شهر يوليو الى 18 قتيلاً، و200 جريح. كما قتل 14 مدنياً، وجرح 198 أخرين في أغسطس، ليرتفع العدد خلال شهر سبتمبر إلى 23 قتيلاً مدنياً، وجرح 197 آخرين.. وفي أكتوبر قتل 21 مدنياً، وجرح 212 أخرين. فيما بلغت جرائم المليشيا في شهر نوفمبر 15 قتيلاً مدنياً، وجرج 146 آخرين.
انحياز أممي
انحياز الأمم المتحدة للمليشيا بات واضحاً وجلياً، ويؤكده ترحيبها بمسرحية الانسحاب الأحادي الذي تحدث عنه الحوثيون، وعدم تعاملها مع خروقاتها المستمرة ومماطلتها في تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق ستوكهولم.
ويؤكد الواقع أن الخروقات المتكررة لاتفاق ستوكهولم من قبل مليشيا الحوثي، والانتهاكات الاجرامية التي تمارسها، جعلت الاتفاق يعاني من موت سريري، بانتظار الإعلان النهائي عن موته.