هذا التجدد والألق مهما كانت الظروف ينبثق من عظمة المناسبة واهميتها وكونها نبراساً مرشداً للأجيال المتعاقبة إلى الطريق الصحيح، وتبصيرهم بعظمة التضحيات التي قدمها اليمنيون على دروب الخلاص من براثن كهنوت وطغيان نظام الإمامة الرجعي المتخلف وجبروت المستعمر الغاصب، لكي نستلهم من ذلك ونحن في غمرة معركتنا المصيرية ضد من تآمروا على الثورة والوحدة والنظام الجمهوري، ان نجاح الثورة وانجاز الاستقلال كان ثمنه دماء آلاف الشهداء من خيرة ابناء اليمن الذين قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل ان يحيا شعبهم حراً كريماً، وها نحن ماضون على ذات الدرب بعزم لا يلين وارادة لن تنكسر للحفاظ على مكتسباتنا وعدم القبول بالعودة الى غياهب التخلف في عهود الإمامة الكهنوتية البائدة.
لقد كان انتصار ثورتي سبتمبر واكتوبر بخروج آخر جندي بريطاني، والقضاء النهائي على آخر فلول بقايا التخلف الإمامي، ونيل الاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر وترسيخ النظام الجمهوري في ملحمة الـ 70 يوماً هو بمثابة تجسيد لواحدية النضال الوطني، وفي هذا تكمن أهمية الاحتفاء بأعياد ثوراتنا التي تستمد معانيها اليوم وتكتسب دلالاتها أكثر من أي وقت مضى، كونها تأتي في ظل ظروف ندافع فيها عن حلمنا وتضحيات شهدائنا للحفاظ على النظام الجمهوري، ودفن اخر اذناب الإمامة المتخلفة، التي يجب ان يعي من يحاول استعادتها ان ذلك في حكم الاستحالة المطلقة.
ورغم مرور خمسة عقود على ذلك اليوم المجيد 30 نوفمبر، الا ان هذه المناسبة المتجددة هي تعبير مكثف لروح شعب حضاري عريق لا يقبل الظلم ولا الضيم والقهر الذي قاومه على مر التاريخ، وانتصر بإرادة جبارة على الامامة والاستعمار، والآن ينتصر من جديد على من سولت لهم انفسهم، واغراهم الدعم الايراني بالمال والسلاح، ان بمقدرتهم هزيمة هذا الشعب الأبي الثائر.
ودون شك فان الانتصارات المحققة على مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية، وداعميها في ايران، وكل مشاريع التآمر ضد اليمن ارضا وانسانا، سيكون مصيرها مزبلة التاريخ، فالشعب الذي انتصر على أعتى نظام متخلف واقوى جبروت استعماري عرفه التاريخ، هو من يقرر حاضره ومستقبله ولا يمكن ان تفرض عليه املاءات بقوة السلاح وخرافات واوهام الحق الالهي، فأزمنة الإمامة والاستعمار ولَّت بغير رجعة، واصبحت عهودها تاريخاً بائساً وكئيباً ومأساوياً ومقيتاً يستحيل العودة إليه، وكل من يحاول القيام بذلك فإن حاله كمن يحرث في بحر ويحصد هشيماً ويمسك سراباً ويقبض الريح.
ان هؤلاء الشرذمة الشاذة يعيشون وهماً كبيراً بعد ما يقارب ستة عقود من عمر الثورة اليمنية، وعليهم ان يثوبوا الى رشدهم ويستيقظوا من سبات أوهامهم ليدركوا اننا على عتبات اكمال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.. وان الشعب الذي صنع انتصارات الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 اكتوبر بالاستقلال وترسيخ النظام الجمهوري هو اكثر يقظة ووعي وقدرة على مواجهة كل من يحاول النيل من انجازات ومكاسب ثورته وفي مقدمتها الوحدة والنظام الجمهوري.
ويمكن القول بثقة، انه منذ اسقاط النظام العائلي عام 2011م، وما تبع ذلك من آمال عريضة ببناء يمن جديد رسمت ملامحه في مؤتمر الحوار الوطني وبإجماع وتأييد غير مسبوق محليا وخارجيا، وانبثاق تحالف الشر بين الحوثي وصالح اواخر عام 2014م، للانقلاب على السلطة الشرعية، وانتفاضة اليمنيين ضد مشروعهم الطائفي السلالي، وبدعم من التحالف العربي بقيادة السعودية، والثمن الباهظ الذي دفعناه ولا نزال، كل ذلك سيتحول الى محفزات لانطلاقة جديدة صوب المستقبل واليمن الاتحادي الجديد.
وواجب علينا في هذه المناسبة الغالية التوجه بالتحية والعرفان الى أولئك الابطال الشجعان من كل اليمن الذين رفعوا راية النضال على دروب الحرية والاستقلال والوحدة، وفي مقدمتهم الشهداء الأبرار وكل رموز الاستقلال وصناع هذا الانجاز العظيم، والتحية و الإجلال لمن يسيرون اليوم على خطاهم ويقتدون بتضحياتهم لمواجهة تحالف الشر الانقلابي، وباتوا قاب قوسين او ادنى من دفن اوهامهم ومشروعهم الدخيل الى الابد ودون رجعة، فلهم الخلود والعزة.
كما ان التحية موصولة ومستحقة لدول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية ، على ما بذلوه ويبذلونه دعما لعمقهم العربي والحضاري واسنادا له للخروج من محنته، والمشاركة الفاعلة في معركة اليمن المصيرية والوجودية التي تهم امن واستقرار المنطقة والخليج بل والعالم اجمع.