أنتج اللبنانيون خلال ثلاثة أسابيع، قوة ضغط بديلة على السلطة، فُقدت منذ سنوات عندما اعتمدت القوى السياسية نظاماً تشاركياً في الحكم ألغى المعارضة في داخله، أو قلّصها على أقل تقدير إلى مستويات ضئيلة جداً. وكانت الذريعة دائماً تعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي، وتقليص المناوشات بين أركان الحكم بشكل يمكّن من تسهيل إصدار القوانين وإنتاج المبادرات.
غير أن المقاربة التشاركية التي تمثّلت في الحكومات الائتلافية، ألغت عملياً المعارضة داخل «النظام السياسي»، فما عاد هناك بالتالي تصدٍّ لمقترحات يعارضها اللبنانيون، ولم تعبر تلك القوى السياسية في مشروع إصلاحي جدي يُسهِم في الحد من التدهور المالي والاقتصادي، أو يُسهِم في تخفيض معدلات البطالة. وعليه، أخذ الشارع على عاتقه هذه المهمة، وخرج اللبنانيون بوجه السلطة لتحقيق أمرين: أولهما إنقاذ لبنان نفسه ومستقبله من انهيار تتضاعف مؤشراته، والثاني يتمثل في توجيه رسالة للسلطة بأنها غير فاعلة، بل هي عاجزة عن محاكاة طموحاته، وأن الفساد المستشري في البلاد آن الأوان لتحجيمه.
والمفارقة، أن الشعب نقل النقاش حول القضايا المصيرية، التي تهم مستقبله، من المؤسسات إلى الشارع، الذي بات ميداناً بديلاً عن مؤسسة لم تُنشأ كما يقضي «اتفاق الطائف»، وهي مجلس الشيوخ، المفترض أن تُحصر صلاحياته في بت القضايا المصيرية.
في عام 2008، وإثر «أحداث 7 مايو (أيار)»، بدأت المقترحات بين أركان السلطة اللبنانية لتكريس مفهوم التوافق وتأليف الحكومات الائتلافية. ونُفذت بالفعل في حكومة الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة الثانية، وتلتها في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى بعد الانتخابات النيابية في 2009، قبل أن تُكسر القاعدة في حكومة الرئيس الأسبق نجيب ميقاتي عام 2011، لتُستأنف القاعدة في حكومة الرئيس تمام سلام في 2014. وانسحب التكتيك على حكومتي الرئيس سعد الحريري الأولى بعد الانتخابات الرئاسية في 2016، وبعد الانتخابات النيابية في 2018، حين تكرّس بعد التسوية الرئاسية بغرض تسهيل الحكم، عبر تمثيل كل فريق في الحكومة على قدر حجمه في البرلمان، وذلك بهدف تسهيل إقرار القرارات التي تتخذها الحكومة في البرلمان، على ضوء الاتفاقات المُسبقة.
هذا النمط من طريقة الحكم، في البرلمان والحكومة، يُنظر إليه على أنه ألغى واحدة من أبرز ميزات النظام الديمقراطي القائم على وجود أكثرية تحكم، وأقلية تعارض من داخل «النظام». فقوة المعارضة بعد التسوية الرئاسية، لم ترتقِ إلى مستوى تشكيل قوة ضغط، وتمثلت في نواب حزب «الكتائب اللبنانية» ونواب آخرين يُعتبرون أفراداً لا تكتلات. ولاحقاً، انضم حزب «القوات اللبنانية» الذي مارس معارضة داخل الحكومة، وداخل البرلمان، قبل أن تتّسع أخيراً المعارضة إلى أحزاب أخرى، مثل «الحزب التقدمي الاشتراكي» الذي سجّل اعتراضات على بعض الملفات، من غير أن يخرج من الحكومة.
والحال أن إلغاء هذه الفوارق عبر نمط التسويات المتبع، خلق هوّة بين الشعب والسلطة. وحقاً، يشعر اللبناني الآن بأن صوته لا يصل إلى أركان الحكم، بل تُمعِن السلطة في نسج تسويات ينظر إليها الشعب على أنها غير إصلاحية، وغير شفافة، تكتنفها شبهات بالفساد. وبالتالي، خرج الشعب في أول مظاهرة مطلبية عامة وواسعة منذ عام 1992 إلى الشارع، مطالباً بإقصاء أركان السلطة عن الحكم، وليس للمطالبة بحقوقه، كما كانت الأمور إبان التحركات المحدودة في السنوات والأشهر الماضية. واللافت هو دخول جمعيات ومنظمات مجتمع مدني على خط الضغط على السلطة، بديلاً عن الأحزاب التي تمثلت في السلطة ضمن الاستراتيجية التشاركية، وهو أمر لم يكن مألوفاً إلى حد كبير في تجربة الحكم السابقة في لبنان.
احتجاج لا معارضة
القانونيون لا يوافقون على هذا الاستنتاج الذي لا ينكره السياسيون، بالنظر إلى أنهم يقاربون المسألة من زاوية دستورية؛ فالباحث في القانون الدستوري، الدكتور شفيق المصري، لا يرى أن التحركات الاحتجاجية يصح فيها وصف المعارضة، قائلاً إنه «من الناحية القانونية، المعارضة مرتبطة بميكانيزم النظام، من داخله، بينما الحراك يتم من خارج النظام، ولا يرتبط بآليات حركته القانونية». ويوضح الدكتور المصري في حديث لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «إنهم محتجون، لا يشكلون معارضة دستورية، وحتى لو اختفت المعارضة ضمن الإطار التشاركي، فهؤلاء لا يشكّلون معارضة، بل انتفاضة شعبية تطالب بإعادة تكوين الآلية الانتخابية والدستورية». ويرى المصري أن «الثورات إما تطالب بتغييرات حسب الدستور، لتغيير قواعد النظام وآلياته، أو تنسف الثورة النظام بأكمله، كما في الثورة الفرنسية، لكنهم في التسمية القانونية لا يمكن أن يكونوا معارضة».
من ناحية ثانية، يحصر المصري حديثه في الشأن القانوني والتسميات القانونية، مشيراً إلى أن «الاتهام الموجه لمجلس النواب بأنه ينتحل صفة، اتهام خاطئ»، موضحاً: «ذلك أن النواب حصلوا على تصويت شرعي أوصلهم إلى القبة البرلمانية. وحتى لو خسروا ثقة الناخبين، فإنهم ما زالوا كذلك حتى يتم التغيير ضمن ميكانيزم النظام عبر تصويت شرعي وانتخابات مبكرة… والمشكلة أن الحراك يتحدث في الإطار الشعبي، لكن هذا الأمر لا يصح في الحديث عن الآليات الدستورية».
الشعب يتلقف المبادرة
الواقع أن الشارع تحوّل إلى «ميدان ضغط» أسقط الضريبة المقترحة على اتصالات «الواتساب» بعد اقتراحها من قبل مجلس الوزراء لتكون ضمن الموازنة الجديدة، وواصل الضغط الذي أدى إلى استقالة الحكومة، وهو الآن لا يبدو مكتفياً قبل تحقيق مطالبه بتحسين البلد وإنقاذه من الانهيار الاقتصادي، والماضي. وبينما يرى البعض أن التسوية الرئاسية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري هي الدافع لإنتاج «الستاتيكو» (الأمر الواقع) في طريقة الحكم، لا يرى النائب السابق فادي كرم، أمين سر كتلة «الجمهورية القوية» (كتلة حزب «القوات اللبنانية»)، في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن هذه التسوية مسؤولة عن التفاهمات، إذ قال كرم: «تعاهدنا في لبنان أن تكون الحكومات حكومات وحدة وطنية، ائتلافية أو وطنية شاملة، وتم اعتماده لتجنّب المواجهات خارج الحكومة وعلى الأرض من أجل حفظ الاستقرار». وأردف: «لكن عندما تبين أن الأطراف التي تشكل الأكثرية الحالية لا تصغي إلى الأطراف الأخرى التي عقدت التسوية معها، أصبحت الحكومة متفجّرة». وتابع كرم: «ما نشهده اليوم على الأرض كان يحدث في الحكومة، لأن السلطة الحالية لا تريد الإصغاء لصوت الحق والتنبيهات من الداخل والخارج للحفاظ على استقرار لبنان الاجتماعي والسياسي والأمني». واستطرد أن «السلطة مستمرة بنفوذها وقبضتها على السلطة لممارسة كل أنواع التسلط، ورفض السماح لأي معارضة في البرلمان والحكومة بالتأثير على قراراتها»، مشدداً على أن «القوة بالنسبة لها تتمثل في التسلط وحكم القوي واحتكار إمكانيات الدولة ونفوذها».
حسب رأي كرم، هذا الواقع في مقاربة الأمور «أدى لانفجار في الوضع الاجتماعي والإنساني بلبنان»، مشيراً إلى أن «ملاحظات حزب القوات اللبنانية كان تهدف إلى تجنّب تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ونبّهنا للأمر عبر العامين السابقين». وللعلم، فإن وزراء القوات استقالوا في الفترة الأخيرة اعتراضاً على «الإدارة الفاشلة والفاسدة للدولة»، وحين عجز الأفرقاء عن إيجاد حلول ولم يتفاهموا على طريقة إنقاذية فورية. ووفق كلام كرم «اليوم، الشعب يقوم بدوره، حفاظاً على كرامته ودفاعاً عن سيادته ووضعه الاجتماعي. الشعب يرى أن الأمور تذهب إلى الأسوأ، فتحمل مسؤوليته، علماً بأن هذا الشعب عوّدنا على أن يكون حياً ويدافع عن حريته السياسية والاقتصادية والفكرية».
أزمة نظام
على صعيد متصل، لا يخفي السياسيون والمراقبون أن النظام اللبناني ككل يعاني من «أزمة نظام»، ترجع إلى أن نمط الحكم في لبنان يختلف عن المعمول به في الأنظمة البرلمانية لناحية تداول السلطة كمعارضة وموالاة. وهو وضع ينحسر لصالح الاتفاقات والتسويات بين الأفرقاء. ويرجع آخرون هذا القصور في طريقة الحكم إلى الإحجام عن تطبيق «اتفاق الطائف» بالكامل.
الدكتور شفيق المصري يشرح هذا القصور بالقول إن «(اتفاق الطائف) تبنّى الدستور، وحصل تبنٍّ للدستور القائم، وجرى التعديل على أساسه، وأصبح هو الدستور النافذ»، لافتاً إلى أنه «في الوقت نفسه، ثمة بنود في اتفاق الطائف لم تدخل في الدستور، إضافة إلى أن هناك بنوداً لم تُطبّق، ومنها إنشاء مجلس الشيوخ». ويتابع: «كان من المفترض أن ينفذ الدستور ما اعتمد في الطائف، ومن بينها إنشاء مجلس الشيوخ وتحقيق الإنماء المتوازن واللامركزية. وبالتالي، يطالب الحراك الآن بتطبيق الدستور كما ورد في الطائف، وتنفيذ ما قصّرت به السلطة وما انحرفت بتطبيقه، منها المال المنهوب وتغلغل الفساد، وانعدام الشفافية والصلاحيات التي مُنحت للبعض خلافاً للدستور».
وفعلاً، نصّت المادة 22 من الدستور بعد إنشائها بموجب القانون الدستوري الصادر في 21 سبتمبر (أيلول) 1990 على ما يلي: «مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدَث مجلس للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية». ويعمل مجلس الشيوخ هذا على تمثيل الطوائف اللبنانية بشكل عادلٍ، مقابل جعل مجلس النواب وطنياً لا طائفياً، وهذا أمر يجب أن يؤخذ بالاعتبار عند بحث تشكيله.
ويستدل بعض المشرّعين في تحديد «القضايا المصيرية» إلى المادة 65 الفقرة 5 تحت عنوان المواضيع الأساسية التي تحتاج لموافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء وهي: تعديل الدستور، وإعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، والحرب والسلم، والتعبئة العامة، والاتفاقات والمعاهدات الدولية، والموازنة العامة للدولة، والخطط الإنمائية الشاملة وطويلة المدى، وتعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، وإعادة النظر في التقسيم الإداري، وحلّ مجلس النواب، وقانون الانتخابات، وقانون الجنسية، وقوانين الأحوال الشخصية، وإقالة الوزراء.
غير أن هذه المادة الدستورية التي تتحدث عن إنشاء مجلس الشيوخ، تبدو مُبهمة، ولم يتم إنجاز حتى الآن قانون لتشكيله ليتسنّى التعرف إلى القضايا المصيرية التي يبحث بها، وطريقة تصويته، وحجم تمثيله، وما إذا كان سيصبح بتصويته مستقلاً عن مجلس النواب، وما إذا كان مجلس النوّاب سيفتقد إلى «الكوتا» الطائفية (المناصفة بين المسلمين والمسيحيين) علماً بأنه سيتضمن تمثيلاً لجميع الطوائف.
وفي حين لا يزال شكل مجلس الشيوخ بمثابة طرح مبكّر، يقترح مشرّعون إنشاء مجلس الشيوخ بالتزامن مع إلغاء الطائفية السياسية في البلاد، على أن يبدأ البحث بالشكل من تشكيل الهيئة المختصة بتشكيله.
حكومة التكنوقراط: مطالب وتحديات
من جانب آخر، تتعدد مطالب المحتجين في الشارع وتتنوّع بين داعٍ لإسقاط النظام، وآخر لترميمه وتحسينه، وثالث يطالب السلطة بتوفير الخدمات وتحسين المعيشة ومنع الانهيار المالي والاقتصادي. لكن جميع هؤلاء، يطالبون الآن بتشكيل «حكومة حيادية» تدير الأزمة وتقود لبنان إلى خارج منطقة خطر الانهيار. وتتنوّع صفات هذه الحكومة بين حكومة غير سياسية، وأخرى غير حزبية، وأخرى حكومة اختصاصيين (تكنوقراط) لإنقاذ البلاد.
غير أن الأروقة السياسية لا تبدو مرحّبة بتشكيل هذا النوع من الحكومات، متذرّعة بأن هذه الحكومة ستكون عاجزة عن إنتاج مشروعات قوانين يصار إلى التصويت على إقرارها في البرلمان، وستكون عرضة للنقض، ما يعرقل الحكم وإقرار القوانين الإنقاذية.
ويضم أمين سر كتلة «الجمهورية القوية» فادي كرم صوته إلى صوت الناس في المطالبة بهذا الشكل من الحكومة، معتبراً أن الذريعة التي يتذرّع بها البعض لمواجهة حكومة حيادية «هي خدعة، لأن ما نطرحه كقوات منذ شهرين وأكثر يطرحه الناس الآن. ولا سبيل لإنقاذ البلاد إلا بحكومة تكنوقراط حيادية لا دور سياسياً لها، تسحب كل ملفات النفوذ من يد جماعة السلطة، وتضعها بخدمة الشعب»، قائلاً إن الأطراف السياسية «لا تناسبها هذه المسألة لأنهم يستمرون بالتسلُّط على الشعب من خلال مؤسساته، ويتصرفون على أنها ملكهم للاستمرار بالتسلط».
ويتابع شارحاً: «إذا اتفقوا على إنقاذ الوضع يعني أنهم يحرّرون السلطة التنفيذية الجديدة من كل القيود السياسية لإنقاذ البلد»، قبل أن يشدد على أن الحكومة الحيادية «يجب أن تأتي بقناعة من السياسيين، ويستمر الشعب اللبناني بالرقابة عليها».
وبينما يذهب آخرون إلى اعتبار حكومة غير سياسية، تعني تقليص حصة السنة في الحكم من خلال سحب امتياز منها، كون رئيس الحكومة هو من الطائفة الإسلامية السنّية، فإن كرم يؤكد أن هذا الأمر غير صحيح. ويؤكد أن «السلطة التنفيذية جامعة وشاملة ولا تمثل أي فريق محدّد، ولكن رئيسها من الطائفة السنّية، لأن نظامنا الطائفي يوزّع الرئاسات بين الطوائف»، مضيفاً: «فليكن رجل سنّي محترم على رأس الحكومة، يكون ممثلاً فعلياً للبنانيين، وهذا الأمر يجب ألا يتوقف على رئاسة الحكومة فقط، بل الإدارة الكاملة للحكومة، ويعاونه وزراء أكفاء».
ضبابية تلفّ المرحلة
> تبدو المرحلة ضبابية حتى الآن، إذ لم تسفر اتصالات الأقطاب على شكل واحد لحكومة ترضي الشارع، ولا تلقى معارضة من «التيار الوطني الحر» (تيار رئيس الجمهورية).
ولا تبدو التقديرات حول المرحلة المقبلة وردية، إذ يرى أمين سر «كتلة الجمهورية القوية» الدكتور فادي كرم أن السلطة «متشبثة وعنيدة، وتسخّف من قيمة التحركات»، معتبراً أن هذا التعامل مع الاحتجاجات «خطير، وإذا استمر سيؤدي حتماً إلى انهيار كامل اقتصادي ومالي، ونصبح دولة غير معترف بها من قبل المؤسسات المالية التي تدعم لبنان». وهو يدعو إلى الاستماع للشعب وتشكيل حكومة حيادية بعيدة عن السياسة كي نبدأ بإنقاذ البلاد. ويضيف: «ثقتي كبيرة باللبناني المنتشر والمقيم في الأراضي اللبنانية، لأنه يمتلك قدرات»، جازماً بأنه «في حال الاستماع إلى مطالب الشعب، سنرى تحسناً بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي».
ثورة… بأشكال جديدة
> حافظ اللبنانيون على سلمية الاحتجاجات منذ 23 يوماً، وابتدعوا نمطاً جديداً للثورة يستطيع جذب الناس، والتأثير على السلطة، بمشاركة فئات منظمة وغير مسيّرة في الوقت نفسه من قبل أي طرف سياسي. وفي حين كانت الثورات في السابق تنتهج الغضب الثوري شكلاً وحيداً للثورة على السلطة، تلاها الشكل الحزبي الذي يقف في مقدمة المسيرات لتسيير المتظاهرين وتوجيههم وإلزامهم بشعاراتهم، استطاعت الثورة الصمود، ثائرة في الوقت نفسه على الأشكال التقليدية.
أبرز ما في الحراك أنه قادر على استقطاب الناس، وحصد الالتفاف حول مطالبه، بعدما ألغى الجانب الاستفزازي الذي تمثل في وقت سابق بقطع الطرقات، ما يهدده بالصدام مع آخرين من الشعب.
ولعل الآليات التي دفعت الثورة للابتكار، هي التي ثبتت وجودها، مثل التدرّج من حرق الإطارات إلى الغناء والتمسك بسلميتها. وبعدها أنتجت الثورة أشكالاً جديدة، مثل الهتافات ضد الزعامات، والأغاني، والرقص، وصولاً إلى نشاطات فنية واعتصامات ومبادرة «شبك الأيادي» من الشمال إلى الجنوب على طول الخط الساحلي التي شارك فيها عشرات الآلاف.
وكانت الخطوة التالية الانتقال إلى الاعتصامات أمام إدارات حكومية حساسة، بموازاة تنظيم مسيرات للطلاب في المناطق، ومسيرات للسيدات فقط، ومبادرة قرع الطناجر والأواني المنزلية في ساعات محددة مساء، أو إشعال المصابيح وإطفائها، كاعتراض على انقطاع الكهرباء.
البرلمان يستعد لاستئناف التشريع
> يستأنف مجلس النواب اللبناني الأسبوع المقبل مهامه التشريعية، بعد 3 أسابيع من التحركات الاحتجاجية التي عمّت لبنان، تنسجم مع جزء مما طلبه المتظاهرون في الشارع، إذ أطلق رئيس مجلس النواب نبيه برّي خطة تشريعية تبدأ يوم الثلاثاء المقبل بجلسة تشريعية يتضمّن جدول أعمالها مجموعة من المشروعات واقتراحات القوانين الإصلاحية، في مقدمها «قانون مكافحة الفساد»، وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، والعفو العام، وقانون ضمان الشيخوخة.
واللافت أن قسماً كبيراً من هذه التشريعات التي يطالب المتظاهرون بها، وردت في وقت سابق في الورقة الإصلاحية التي قدمها الرئيس المستقيل سعد الحريري. ويطالب برّي، من جهته، بالتحوّل نحو «دولة مدنية» وإلغاء الطائفية السياسية، فيما تقدمت كتلته النيابية باقتراح قانون عصري للانتخابات يعتمد نظام التصويت النسبي على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة.