افتتاحية “26 سبتمبر”
بقلم الفريق الركن/ محمد علي المقدشي وزير الدفاع
مثّلت ثورة سبتمبر المجيدة أهم حدث في تاريخ اليمن المعاصر، وكانت تحولاً جذرياً وجوهرياً في حياة اليمنيين، إذ طوت عقوداً مؤلمة ومُظلمة من القهر والفقر والتخلف والإذلال، وكانت فاتحة للانتقال نحو آفاق الحرية والعيش الكريم واستعادة الهوية اليمنية وإعادة الاعتبار للإرث الحضاري الضارب في أعماق التاريخ والجغرافيا.
أرادت الإمامة إبقاء شعبنا خارج مسار الزمن وحرمانه من حقه في النمو والتطور ليظل يرزح تحت جحيم الترويع والتجويع والإذلال والإهانة؛ لكن الأحرار والضباط الشرفاء كتبوا بدمائهم الزكية وبسالتهم البطولية فجراً يمنياً جديداً حين أشعلوا نور الثورة ضد الطغيان في عام ٤٨ و٥٥م؛ وصنعوا بشجاعة نادرة البدايات الأولى؛ لتتوج الثورة بالانتصار المجيد في الـ٢٦ من سبتمبر ٦٢م باقتلاع جذور الإمامة والاستعباد في شمال الوطن، وتهيئة الظروف لهدم قلاع الاستعمار من جنوب الوطن في الـ١٤ من أكتوبر ٦٧م، فكانت الثورة ناجزة واكتملت الأهداف بتحرير اليمن الكبير والانطلاق نحو مستقبل مشرق ما كان له أن يتحقق بدون هبة جميع أبناء الوطن ومن مختلف مناطقه، متجاوزين قيود الجغرافيا والهويات الصغيرة ليصنعوا أسطورة تاريخية عنوانها الإخاء والوفاء والتلاحم والولاء للوطن قلّ أن يشهد الإنسان لها مثيلاً.
من وحي تلك الأهداف السامية والتضحيات الخالدة يقف اليوم شعبنا العظيم بعزيمة وإصرار في وجه مخلفات الماضي والمحاولات الارتدادية للانقلاب على الثورة والجمهورية وأوهام العودة للوراء، مُستلهماً روحه الثورية وموروثه النضالي من تضحيات الآباء الأبرار؛ مُتمسكاً بمكتسباته وخياراته، يخوض معركة الوجود والمصير الواحد، ويرفض التفريط بالأمانة والعهد، ملتفاً حول قيادته الشرعية ومؤسساته الدستورية، مصطفاً إلى جانب قواته المسلحة لاستعادة دولته وكرامته، ومضحياً بالغالي والنفيس، مقدماً سيولاً من الدماء الطاهرة وقوافل الشهداء في سبيل مواجهة مليشيات التمرد والانقلاب والتصدي لمشاريع التمزيق والتفريق ونتوءات الفوضى والعبث.
إن احتشاد أجيال سبتمبر في فعاليات هذه الذكرى يؤكد عظمة هذه الثورة التي تسري في دمائهم وهم يقفون إجلالاً وإكباراً لنشيد الوطن وعيونهم تذرف بالدمع تعبيراً عن المحبة والولاء ، ويحملون علم الجمهورية على أكتافهم وفي قلوبهم.
نحيي اليوم هذه الذكرى العظيمة وأبطال قواتنا المسلحة يصنعون تاريخاً جديداً ويخوضون معركة الفداء في مختلف ربوع الوطن، ويمضون بثبات وصبر نحو استكمال تحقيق الأهداف المنشودة وتلبية تطلعات وآمال شعبنا في مستقبل رغدٍ وواعد، ويسيرون على درب شهداء سبتمبر وأكتوبر، مستندين إلى الإرادة الشعبية الصلبة ودعم ورعاية القيادة الشرعية ممثلة بفخامة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن المشير الركن/ عبدربه منصور هادي، وإسناد الأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية.
ولقد قطعنا على أنفسنا عهداً ووعداً بمواصلة النضال حتى تحقيق كامل الأهداف السبتمبرية، وفي مقدمتها هدف بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة والدفاع عن سيادة الوطن وسلامة أراضيه، وقد استطعنا تحقيق الكثير في معركة إعادة بناء مؤسسة الوطن الدفاعية وفق أسس وعقيدة وطنية سليمة بعيداً عن الولاءات والمحسوبية وأخطاء الماضي. وفي ظروف استثنائية مثل التي نعيشها قد تُصاحب هذه المعركة الشاقة بعض القصور وتقع بعض الأخطاء، لكننا نقوم بمعالجتها ومراجعتها، من واقع إيماننا الثابت بأن هذه المؤسسة هي صمام الأمان للوطن والرهان الضامن لاستقرار وأمن اليمن والمنطقة؛ وهي المعول عليها محاربة الإرهاب والعنف والتطرف ومواجهة الأخطار والتهديدات.
تتزامن هذه الذكرى مع الانتصارات المتحققة في مختلف الجبهات لدحر المليشيا الحوثية المتمردة التي انقلبت على الثوابت والإجماع الوطني، وأرادت تحويل بلادنا إلى بؤرة شر لتهديد دول الجوار تنفيذاً للأطماع الإيرانية التخريبية.
وإن معركتنا اليوم تتطلب توحيد الجهود نحو الأهداف الأساسية وتناسي الخلافات وعدم الالتفات للمعارك الهامشية والنظر للأمام والمضي نحو البناء.
وإننا على ثقة أكثر من أي وقت مضى بأن شعبنا وقواته المسلحة سيتجاوز التعقيدات ويتعافى من الجراحات والأوجاع وسيكتب له النصر المؤزر.