وقد عُرفت في السياسة الحرب بالوكالة، وهي ما يقوم به النظام الإيراني في العقود الأربعة الماضية، عندما أسس لكيانات ومجموعات في دول عدة، كالعراق وأفغانستان واليمن وسوريا ولبنان والعراق، ورغم مجاهرة حسن نصرالله باعتماده وحزبه على التمويل الإيراني، فإنه لم يعرف عنه أن تبنى عملية إرهابية قامت بها إيران للتغطية عليها، بينما فعلها الحوثيون بشكل فظ بل ووقح، بعد أن تبنوا عمليتي استهداف معامل النفط شرقي السعودية.
عندما كان الحوثيين يستهدفون الأراضي السعودية بالصواريخ البالستية، خلال سنوات الحرب، كان ذلك بصواريخ حصلوا عليها، بعد إسقاطهم العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وعمل الخبراء الإيرانيون على تطوير بعضها لتصل إلى مسافات أبعد، تلك الصواريخ لم تكن الوحيدة، فلقد أثبت تقرير خبراء الأمم المتحدة لعام 2018 أن الحوثيين حصلوا على صواريخ بالستية، من خلال تهريبها كقطع وأجزاء، ثم يعاد تركيبها في الداخل اليمني.
الطائرات من دون طيار، ظهرت في اليمن بشكل لافت، منذ حادثة استهداف القيادات العسكرية الجنوبية في قاعدة العند الجوية (يناير 2019)، وكانت تلك الحادثة، عبارة عن بوابة فتحت لموجة واسعة من الهجمات، التي اعتمدت على الطائرات المسيّرة، وبالعودة لحادثة قاعدة العند وهي بالمناسبة تظل الوحيدة التي تم توثيقها بمقاطع واضحة منذ لحظة تحليقها حتى انفجارها فوق المنصة الرئيسية، تظل مسألة أولى طُرحت منذ تلك الحادثة، لم تجد إجابة مقنعة عن عدم رصد الطائرة المسّير،ة وتعامل الدفاعات الجوية معها، خاصة أن الموقع المستهدف، يعد أهم قاعدة عسكرية في نطاق المناطق الجنوبية المحررة، ذلك التساؤل تم ترحيله مع عديد الأسئلة التي تكررت والحوثيون يعلنون في كل مرة تبنيهم استهداف مطار أبها جنوبي السعودية، وكان ملاحظاً عدم التعامل الدولي مع العمليات الإرهابية الحوثية بشكل صارم، رغم أن الاستهدافات كانت تطال بشكل متكرر المطارات المدنية السعودية.
ويعد استهداف خط أنابيب النفط في الدوادمي وعفيف (خط شرق غرب) حادثة أخرى، جاءت كمؤشر تصاعدي، وأن الواقعية مازالت سيدة الموقف السياسي والعسكري، على اعتبار أن معظم الهجمات تأتي في سياق حرب (عض الأصابع) بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، غير أن هناك نقلة لافتة حدثت في هذه الحرب، بإسقاط إيران طائرة مسيّرة للأسطول الأميركي في الخليج العربي، الأميركيون تعاملوا مع الحادثة، على أنها محاولة إيرانية لجرهم لمواجهة عسكرية، تريدها إيران للخروج من مأزق العقوبات الاقتصادية، التي أصابتها بأضرار كبيرة، وظل حتى التوظيف السياسي متروكاً للأوروبيين، الذين مازالوا يقاتلون من أجل شعرة معاوية، التي يخشون أن تقطع في الاتفاق النووي، الذي يأملون منه أن يكون رافداً لاقتصادهم.
الحوثيون لم يجدوا في العالم أحداً يصدق ادعاءاتهم، بأنهم من يقف خلف الهجوم على معامل أرامكو في بقيق وخريص غير المحور (القطري والتركي والإيراني) كمحور اتضحت أجنداته وأهدافه الرئيسية، عبر تفتيت الدولة الوطنية العربية، هذا المحور الذي وجد في تبني الحوثيين فرصة للتوظيف السياسي وكذلك الإعلامي، في سياق تصفية حساباتهم مع السعوديين، من دون تقدير للموقف السياسي والاقتصادي، الذي يبدو فيه الحوثيون مجرد أداة رخيصة، في سياق صراع له أبعاده التي تتجاوز الشرق الأوسط، بالتهديد بضرب المصالح الدولية باستهداف النفط ،كواحد من أهم مصادر الطاقة في العالم.
تقنياً لا يمكن أن يفعلها الحوثيون، حتى وإن ادعوا أنهم فاعلوها، وأنهم من صنع الأدخنة الملتهبة في معامل أرامكو، وسياسياً لا معنى لكل ما تحاول مليشيات الحوثي أن تفعله منذ انقلابها في 2014 بارتكازها أنها تخوض حرباً مع السعودية، في محاولة بائسة للهروب من واقعية أن هذه الحرب المثارة، تبقى صراعاً يمنياً خالصاً، وأن تدخل التحالف جاء بطلب له شرعيته القانونية، سواء يمنياً أو دولياً من خلال سلسلة قرارات أممية بدأت عام 2011 بوضع اليمن تحت الفصل السابع وفرض الوصاية الدولية عليه.
يحاول الحوثيون تحمل المسؤولية نيابة عن الإيرانيين، وهذا هو السلوك الإيراني منذ نشأت الخمينية في العالم، فطالما تحملت الأذرع الإيرانية تبعات الهجمات الإرهابية، لحماية النظام الإيراني من المساءلة الدولية، على سلوكه الطائش واعتماده على نشر الفوضى، بهدف التوسع في المنطقة العربية، تظل محاولات الحوثيين محشورة في محور الشر الإيراني والقطري والتركي، ولن تتجاوز الاستهلاك الإعلامي، وعلى النظام الإيراني مواجهة ما سيأتي من عواقب قد تصل إلى مضاعفة العقوبات الدولية التي سبقت الاتفاق النووي.