تخوض الحكومة اليمنية حراكا دبلوماسيا في مسعى لتدويل انتهاكات دولة الإمارات في اليمن وارتكابها سلسلة من الجرائم الإنسانية بالإضافة إلى دعم تشكيلات مسلحة خارج سلطة الدولة تدعو لتقسيم البلاد وتنفيذ اجندات “أبو ظبي” وآخرها الانقلاب على الحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب اليمن).
ويأتي الحراك الدبلوماسي بعد أن تقدمت وزارة الخارجية اليمنية إلى مجلس الأمن الدولي في 29 أغسطس/آب الفائت بطلب رسمي بشأن قصف طائرات إماراتية مواقع للجيش الوطني في عدن وأبين، جنوبي البلاد، ما أسفر عن سقوط 300 قتيل وجريح من العسكريين والمدنيين، وفقا لإحصائية وزارة الدفاع.
وقال نائب وزير الخارجية عبد الله الحضرمي – في تغريدة على تويتر- أواخر أغسطس إن “الحكومة اليمنية طلبت رسميا من مجلس الأمن عقد جلسة حول القصف السافر الذي قامت به دولة الامارات ضد قوات الجمهورية اليمنية المسلحة وهي تمارس حقها الدستوري في مواجهة المليشيات المتمردة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا”.
وأقرت الإمارات حينها بشن ضربات جوية وزعمت في بيان رسمي لوزارة الخارجية أنها استهدفت مجاميع مسلحة وصفتهم بـ “الإرهابين” كانوا يخططون لمهاجمة قوات التحالف في مطار عدن”.
ومنذ مطلع 2016 تسيطر الإمارات على جنوب اليمن من خلال المليشيات التي تمدها بالمال والعتاد، وتدير تلك المليشيات تحت مسميات “الحزام الأمني” و”النخبة” واندمجت تلك التشكيلات المسلحة تحت ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي أعلن تأسيسه عام 2017 وتسعى للانفصال وإعادة تشكيل دولة مستقلة في الجنوب.
وتتهم الرئاسة اليمنية، دولة الإمارات بالسعي لتقسيم البلاد عبر دعمها للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقال الرئيس عبدربه منصور هادي في كلمة متلفزة أواخر أغسطس /آب الفائت إن الإمارات استغلت الظروف الحالية التي يمر بها اليمن لتسلط هذه المليشيات (قوات المجلس الانتقالي) ضد مؤسسات الدولة الشرعية، سعيا لتنفيذ أجندتها في تقسيم اليمن.
وأمام مساعي الحكومة اليمنية الدبلوماسية ضد دولة الإمارات، تبرز العديد من التساؤلات حول مدى تأثير تلك الجهود لدعم موقفها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لقاءات مكثفة
ومنذ أواخر أغسطس/آب الفائت، دأبت الخارجية اليمينة إلى عقد لقاءات مكثفة مع عددا من السفراء والدبلوماسيين لبحث تمرد ميليشيا ما يسمى بالمجلس الانتقالي، وتبعات الاستهداف الاماراتي السافر لقوات الجيش الوطني، وأجرى نائب وزير الخارجية، محمد الحضرمي، لقاءات مع سفراء روسيا وبريطانيا وألمانيا وأمريكا ونيوزيلندا وفرنسا لدى اليمن إلى جانب وزارة خارجية السويد ونائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي.
كما قام سفراء اليمن في إندونيسيا، وفرنسا، وباكستان بعقد لقاءات مع مسؤولين في خارجية تلك الدول. في حين غاب دور سفراء اليمن لدى عددا من الدول خاصة الدائمة العضوية بمجلس الأمن، وهو الدور الذي يعتبره مراقبون بأنه محل تشكيك وتواطؤ مع الإمارات التي تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي.
ويبدو النشاط الدبلوماسي هذه المرة مختلفا على ما كان عليه سابقا، وفق رؤية المحلل السياسي الدكتور نبيل الشرجبي، والذي يرى “أن التحركات حالياً بدت أكثر ولو أنه كان يجب أن تكون مدروسة بشكل أفضل من ذلك”.
وقال الشرجبي في حديث لـ “يمن شباب نت” إنه كان يجب على الحكومة الشرعية أن توضع خطة التحرك الدبلوماسي في اتجاه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وكذا باقي الدول الاعضاء العشرة المتواجدين حاليا في مجلس الأمن ثم اعضاء الدول رؤساء اللجان الهامة في الامم المتحدة وكذا المجموعات الاقليمية في الامم المتحدة سواء كانت افريقية أو امريكية او آسيوية وإسلامية.
وأضاف “أن هناك تحسن نوعي في الاداء الدبلوماسي والشعبي يمكن لنا أن نبني عليه خطوات أكثر نجاحا”.
شلل في عمل السفارات
السفارات اليمنية في عدد من الدول الأوربية مازالت متأثرة بحالة الركود الذي تعاني منه الحكومة الشرعية ككل، وخلال سنوات الحرب الماضية بقيت أنشطتها محدودة وغير مؤثرة بشكل كبير، ولم يصل صوت اليمنيين بشكل جيد إلى الأروقة الدولية او حتى الشعوب الحرة.
وخلال الاحتياجات الأخيرة في عدد من الدول كانت عبارة عن مبادرات تلقائية من قبل الجاليات اليمنية في بعيداً عن السفارات اليمنية التي بدت مشلولة وغير قادرة على التحرك بما يوازي الاحداث التي تعيشها البلاد، وخاصة تلك الممارسات والجرائم البشعة ضد اليمنيين والحكومة من قبل الإمارات.
وقال الباحث اليمني عدنان هاشم “لا يوجد حراك دبلوماسي للشرعية يمكن أن يكون مرضياً”، معللاً ذلك بأن السفارات لاتزال “تعيش حالة من التيّه وغياب التفاعل”.
ويري هاشم في حديث لـ”يمن شباب نت” أن أي تحرك لدبلوماسية المغتربين والمقيمين في الخارج أمام سفارات الإمارات ومقرات الهيئات الأممية سيكون “مؤثر بدرجة كبيرة وعالية في الأوساط الدولية” لافتا “عن لحكومة تحتاج إلى تنشيط أوسع لدبلوماسيتها” مشيراً إلى أن عمل الخارجية من الرياض “مرهق”.
ويشدد هاشم على ضرورة قيام السفارات بدورها تجاه القضية الوطنية الجامعة، إضافة إلى التحرك في مجلس الأمن والأمم المتحدة. مستدركاً بالقول: “تخشى الإمارات تشويه سمعتها وليس هناك من خيار عدا الضغط في نقطة الضعف هذه ليعلم المجتمع الدولي مع أي دولة يتحالف في الخليج”.
معركة مُعقدة
لا شك ان الحكومة تخوض معركة معقدة ومتشابكة وبقدرات وكادر ليس بالقدر الكافي الذي يمكن أن يكون موازي لعلاقات “أبو ظبي”، التي استطاعت شراء ولاءات ومصالح اقتصادية في دول العالم، غير ان الحقوق تنتزع ولو بعد حين، وتحركات الحكومة الأخيرة هي بداية لمشوار طويل لمعاقبة الامارات على كل ما ارتكبته من جرائم.
في ذات السياق، يرى المحلل السياسي ياسين التميمي أن المعركة الدبلوماسية التي تخوضها الحكومة الشرعية ضد أبو ظبي “معقدة وصعبة”؛ خصوصاً وأن السلطة الشرعية تواجه في هذه المرحلة “انقلابا ثانيا تحت إشراف التحالف وبدعم كامل من أسلحة التحالف وفي ظل تخادم واضح من الامارات والسعودية”.
ويقول التميمي حديث لـ” يمن شباب نت” إن الحملة الدبلوماسية في طبيعتها “تتطلب شجاعة واقدام من قبل السلك الدبلوماسي.
وأضاف “للأسف الشديد هناك إشكالية مرتبطة بأداء هذا السلك الدبلوماسي وبرموزه خصوصا الذين يتحكمون بالقرار الدبلوماسي في عواصم رئيسية مثل: واشنطن ولندن وبرلين وباريس هؤلاء أظهروا قصورا واضحا وربما تخادما حتى مع الأجندة للانفصاليين”.
حراك شعبي والكتروني
بالتوازي مع الحراك الدبلوماسي للحكومة الشرعية، شهدت عددا من العواصم والمدن الأوربية والآسيوية تحركات شعبية يقودها اليمنيين في المهجر للضغط على الإمارات وتنديدا بانتهاكاتها، التظاهرات والاحتجاجات التي نفذها أبناء الجاليات اليمنية – الأسبوع الفائت – شملت مدن: إسطنبول وكوالالمبور، وإسلام آباد، وجاكرتا وولاية كاليفورنيا.
كما احتشد العشرات من أبناء الجالية اليمنية، أمس الجمعة، أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي للمطالبة بمحاكمة الإمارات بتهمة ارتكاب جرائم حرب في اليمن، وطالب المتظاهرون، بطرد الإمارات من التحالف وتقديم قادتها إلى المحاكمات بتهم ارتكاب جرائم حرب ودعم الإرهاب.
على ذات الصعيد، تظاهر العشرات في مدينة تعز (جنوبي غرب اليمن) يوم الجمعة، دعماً للحكومة الشرعية ورفضا للتواجد الإماراتي في البلاد. المتظاهرون طالبوا الحكومة الشرعية برفض الحوار مع الانتقالي الجنوبي، مؤكدين على ضرورة وأهمية التمسك بالثوابت الوطنية.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى حراكاً الكترونياً احتجاجا على انتهاكات أبو ظبي الأخيرة في اليمن. وخلال الثلاثة الأيام الماضية أنتشر هاشتاج: #مقاطعه_الطيران_الاماراتي، و #مقاطعه_المنتجات_الاماراتيه عبر مواقع التواصل في اليمن وعدد من الدول العربية وحظي على تفاعلا واسعا.
وطالب المتفاعلون مع الحملة الالكترونية بتعميمها على جميع الدول العربية المتضررة من تدخل دولة الإمارات في شؤونها.
وقال المحلل السياسي، نبيل الشرجبي “من الضروري ربط التحرك الدبلوماسي بالحراك الشعبي وخاصة في الدول الغربية، وأن تكون تلك التحركات ليس صوب سفارات اليمن بل صوب سفارات الامارات في الدول التي يتحرك فيها اليمنيين”.
وبحسب “الشرجبي”، فإن نجاح التحرك الدبلوماسي للحكومة مرتبط بالجانب الإعلامي الذي يسعى الى فرض مقاطعة للمنتجات أو الخدمات الإماراتية. ولفت “لو ركزنا على مقاطعة الطيران الإماراتي فيجب أن نعرف اولا أي من الدول أو الشعوب تستخدم طيران الامارات اكثر وهنا يجب ان نتوجه لتلك الفئات وهو ما قد يؤتى ثماره”.