سبتمبر نت
كان التوحد الأول في القرن الثالث الميلادي بقيادة الملك الحميري «شمر يهرعش» الذي حمل اللقب الطويل «ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت»، واستمرت لثلاثة عقود، وفي العهد الإسلامي قسمت اليمن إلى عدة مخاليف تراوحت أعدادها بين الاثنين والأربعة، ثم أصبحت ولاية واحدة مع نهاية العهد «الأموي»، وبداية العهد «العباسي» الأول.
علي الصليحي «الدولة الصليحية»، وسيف الإسلام طغتكين «الدولة الأيوبية»، و«المظفر» يوسف بن عمر «الدولة الرسولية»، تمكن ثلاثتهم من توحيد اليمن في القرن الخامس، والسادس، والسابع الهجري، لبضع سنوات من كل قرن، وفي القرن الحادي عشر الهجري تمكن الإمام الزيدي «المتوكل» إسماعيل بن القاسم من توحيد اليمن للمرة الخامسة لأقل من ثلاثة عقود، ولم تعرف اليمن الحدود الفاصلة بين شمالها وجنوبها إلا في عهدي الاحتلال الإنجليزي، والتواجد التركي، وسُجل ذلك رسمياً بداية العام «1914م».
مهمة الثعالبي
عندما زار المـُـناضل العربي الكبير عبد العزيز الثعالبي اليمن «أغسطس 1924م»، كانت الوحدة اليمنية همّه الشاغل، وخلال فترة بقائه التي تجاوزت الشهرين، سعى لتقريب وجهات النظر حولها بين سلاطين الجنوب والإمام يحيى حميد الدين، كان الأخير – حينها – مزهواً بانتصاراته التي حققها على اليمنيين، وفي غمرة ذلك الانتشاء أصر على أن يكون الحاكم الأوحد، وبيده مقاليد كل شيء.
سلاطين الجنوب – من جهتهم – وضعوا برنامجاً أسموه «إصلاح الحكم»، دعوا فيه إلى نظام «اتحادي فيدرالي»، يرتكز على أسس «دستورية»، وأن يكون للدولة الجديدة «حكومة» تقوم مقام الإمام، و«مجلس أمة» يمثل الشعب.
فشلت مهمة «الثعالبي»، فيما استمر الإمام يحيى في خوض حروبه الجنونية ضد اليمنيين، رافعاً شعار «الوحدة اليمنية»، مُتبعاً سياسة الضم والإلحاق، مُنتهجاً سياسة من سبقه من أئمة، وكان طيلة جولاته التفاوضية مع الإنجليز دائماً ما يطالب الأخيرين بأراضي أجداده، مُستدلاً بسيطرة الأمير أحمد بن الحسن قائد جيوش «المتوكل» إسماعيل على جنوب اليمن، وذلك قبل أكثر من قرنين ونصف من الزمن، ناسياً أن أبناء تلك المناطق تعاملوا مع أجداده كمُحتلين، تماماً كما تعاملوا مع قواته الغازية، وقاوموا ذلك التوغل المـُـوحش بكل ما أوتوا من مقاومة وقوة.
خسر الإمام يحيى معركته مع الإنجليز، وخسر أيضاً مناطق «الضالع، الشعيب، الأجعود، القطيب» التي سبق وأن احتلها مطلع عشرينيات ذات القرن، فيما انسحب سلماً من «العواذل، وبيحان» كما سبق وأشرنا، فتح الإنجليز – تبعاً لذلك – معه صفحة جديدة، وقعوا «معاهدة صنعاء»، وفيها اعترفوا باستقلال مملكته، ونجحوا بانتزاع اعتراف منه بالحدود الشطرية «11 فبراير 1934م».
خاض الإمام يحيى حروبه الجنونية في المناطق التهامية أيضاً، ولم تتم له السيطرة الكاملة على تلك الجهة إلا بعد قضائه على ثورة الزرانيق «أكتوبر 1929م»، وهي سيطرة هـدَّ سكونها اجتياح القوات السعودية لشمال الإقليم «إبريل 1934م»، بمساعدة الشيخ هادي الهيج، وبعض مشايخ تهامة، الذين تحالفوا مع «آل سعود» نكاية بإمام صنعاء؛ الذي أذلهم، وصادر أسلحتهم، أوقفت «اتفاقية الطائف» – منتصف الشهر التالي – تلك الحرب، إلا أنها لم تُنهِ ذلك الصراع .
الإنســان أولاً
ظل الإنجليز والإمام يحيى جاثمين على أنفاس اليمنيين، لم تكن الوحدة حينها بالشيء المـُـقدس عند الأحرار الأوائل، بقدر ما كان همهم تحرير الإنسان، الشهيد محمد أحمد نعمان نقل لنا جانباً من أرائهم في كتابٍ أسماه «من وراء الأسوار»، أسوار سجن «نافع» في حجة، في حناياه جزم المـُـناضل أحمد المروني أنَّ سكان «اليمن الأسفل» أكثر فهماً ودراية بما يهدف إليه الأحرار من ثورتهم، ومناطقهم مهيأة لقبول هذا الطارئ المـُـنقذ، أما مناطق «اليمن الأعلى» فهي حد وصفه ميدان للتشيع والغلو، وسكانها وإن بدو ساخطين من الوضع، فسرعان ما ينقلب سخطهم إلى رضا؛ خاصة عندما يسمعون «أبناء النبي» يطلبون نجدتهم، وهنا ينسون كل شيء، وينتصرون للآل والمال.
فيما رأى المـُـناضل عبدالرحمن الإرياني أن حركة الأحرار لا يمكن أن تنجح في «اليمن الأعلى» إلا على أساس حطم صنماً وانصب صنماً آخر، ومن نوع الأصنام التي ألفوا عبادتها، ودعا إلى أن يركز الاحرار جهودهم في العمل على اتخاذ «اليمن الأسفل» مركزاً لحركتهم ودولتهم الجديدة، ولا ضير أن يتولى قيادتها مناضل «زيدي – قحطاني».
شاركهما الرأي المـُـناضل محمد عبدالله الفسيل الذي ختم مداخلته بقوله: «فإذا تكونت حكومة الأحرار وأصبحت حقيقة واقعية في المنطقة الشافعية أمكن اكتساح المنطقة الزيدية، وإعادة اليمن إلى وحدتها».
أما أبو الأحرار الشهيد محمد محمود الزبيري فقد أكد في كتابه «الإمامة وخطرها على وحدة اليمن» على أن الأغلبية الشافعية لن تقبل أن تحكم حكماً مذهبياً لا يعبر عن إرادتها ولا عن عقيدتها، وأن الانقسام سيبقى ما بقيت الإمامة.
في كتابه «الحركة الوطنية في اليمن»، تحدث الشهيد محمد أحمد نعمان عن شيوع النبرات الانفصالية في الجنوب بعد فشل «ثورة 1948م» الدستورية، ووأكد أنَّ عدن – حيث كان يقيم -لم تعد كما كانت؛ تصدرت صحيفة «الجنوب العربي» الهجوم على «الاتحاد اليمني» الاسم الجديد لتنظيم الأحرار، وتحالفت «رابطة أبناء الجنوب» التي تصدر عنها ذات الصحيفة مع «طلائع الشيوعيين»، برئاسة عبدالله باذيب، الذي لم يتوقف يوماً عن مهاجمة الأحرار، مشيراً إلى أنهم حين بدأوا بالترويج لـ «الجمهورية» في أدبياتهم، تصدى لهم «باذيب» ورفقته بكل فضاضة.
وفي المقابل ظل الإمام أحمد مُتمسكاً بتبعية أراضي الجنوب للوطن الأم، رغم تجديده لــ «معاهدة صنعاء» بين والده والإنجليز «1951م»، ورفض مندوبه طلب «سلطنة لحج» الانضمام إلى الجامعة العربية، وهو ما أيدته الجامعة العربية بالفعل.
حماس الجماهير
جذبت ثورة «23 يوليو 1952م» المصرية الأحرار إليها من كل البقاع، وكان لأثير إذاعة «صوت العرب» عظيم الأثر في إنعاش الروح القومية، ألهبت شعاراتها حماس الجماهير، لتتجسد على وقعها واحدية النضال اليمني، وتركز العمل على «التحرر من الاحتلال البريطاني، والاستبداد الإمامي، وتحقيق الوحدة اليمنية».
وفي «نوفمبر 1955م» تشكلت في عدن «الجبهة الوطنية المتحدة»، وذلك من عددٍ من الهيئات التعاونية والنقابية، والنوادي الرياضية الموجودة في ذات المدينة، بما في ذلك «الاتحاد اليمني»، الذي لعبت بعض عناصره المثقفة أدواراً بارزة في عملية خلق تلك الجبهة، أمثال: محمد عبده نعمان الحكيمي، وعبدالرزاق باذيب، وكانت تدعو – كما أشار إلى ذلك برنامجها – إلى تحقيق وحدة اليمن على أساس شعبي، بحيث تتخذ شكل جمهورية ديمقراطية مُستقلة.
وفي ذات الصدد دعا «المؤتمر العمالي» الذي تشكل إثر اضرابات «مارس 1957م» إلى تحقيق الوحدة اليمنية على أنقاض الاستعمار والرجعية اليمنية، وكامتداد لذلك المؤتمر أتى «حزب الشعب الاشتراكي» برئاسة عبدالله عبدالمجيد الأصنج، وأشار في برنامجه إلى أنَّه يسعى إلى إقامة حكم جمهوري ديمقراطي شعبي بعد تحريرها من الاستعمار والإمامة والإقطاع.
ثورة “26سبتمبر”تبعاً لذلك، حددت ثورة سبتمبر منذ اللحظة الأولى لانطلاقها حقيقة توجهها الوطني كثورة شاملة لا تعترف بالحدود الشطرية، وعبرت عن خطها الوطني المـُعلن صبيحة الـ «26 سبتمبر 1962م»، كما جاء ضمن أهدافها الستة، أو في بيانها إلى الشعب اليمني، على اعتبار أنَّه «شعب واحد يؤمن بالله، وبأنه جزء من الأمة العربية».
عبر الشعب اليمني حينها عن فرحته بذلك الحدث العظيم، وفي شوارع عدن خرجت الجماهير مُحتفية، وبدأت طلائع المــُـتطوعين تتجه شمالاً، ليقوموا – وقبل أن ينتهي ذلك العام – بإعادة تنظيم أنفسهم في إطار سياسي يُمثل أبناء الجنوب أمام القيادة الشمالية، وسموا تنظيمهم بـ «هيئة تحرير الجنوب اليمني المـُحتل»، وقد كان نشاطهم بسبب عدم رضا المصريين محدود.
بازدياد العمليات العسكرية المـُوجهة ضد الجمهورية الوليدة، بدأ المصريون يفكرون جدياً في إيجاد إطار سياسي يلم شتات الجنوبيين المتواجدين في الشمال، يستطيعون من خلاله تنظيم أنفسهم للقيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال، استغلت «حركة القوميين العرب» ذلك بصورة ذكية؛ وبدأت الحركة التي كان يقودها في الجنوب فيصل عبداللطيف الشعبي، وفي الشمال مالك الإرياني تروج لأفكار الكفاح المسلح، وتعد العدة لإنشاء تنظيم مُنبثق عن الحركة الأم، وأجرت اتصالاتها مع قياداتها في الخارج للاتصال بالزعيم جمال عبدالناصر للحصول منه على الضوء الأخضر.
جاء الضوء الأخضر، وتوجه قحطان محمد الشعبي من القاهرة إلى صنعاء، وتمّ تعيينه مستشاراً للرئيس عبدالله السلال لشؤون الجنوب بدرجة وزير، وقد استطاع الأخير خلال فترة وجيزة أن ينال ثقة الجنوبيين، عقدوا أكثر من اجتماع، وكان أهمها ذلك الذي عقد بدار السعادة «24 فبراير 1963م»، وحضره أكثر من «100» ثائر جنوبي.
من هؤلاء جميعاً تشكلت النواة الأولى لحركة التحرر الجنوبية، اتفقوا على توحيد جميع القوى الوطنية في إطار جبهة مُوحدة، واستقر الرأي على تسميتها باسم «جبهة تحرير الجنوب اليمني المـُحتل»، وبرز على صدر ميثاقها شعار «من أجل التحرر والوحدة والعدالة الاجتماعية».
وهكذا وكما بدأ أحرار الشمال نضالهم من عدن، بدأ أحرار الجنوب نضالهم من صنعاء، تحت شعار «الاستقلال والوحدة»، آمن الغالبية بالوحدة حد التعصب، وحين دعا عبد الرحمن البيضاني لقيام «دولة شافعية» من عدن مُنتصف ذات العام، رُمي بالأحذية من قبل أبناء الجنوب التواقين لحظتها للوحدة مع الشمال، وهو أمر نفاه «البيضاني» فيما بعد وبشدة.
ساعة الصفر
حين زارت لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة صنعاء «29 مايو 1963م»، نظم الجنوبيون مسيرة حاشدة تحركت من العرضي إلى دار الضيافة حيث تقيم اللجنة، وسلموها مُذكرة تشرح أوضاعهم تحت حكم الاحتلال، وحددوا مطالبهم بالاستقلال.
توجهت المظاهرة بعد ذلك إلى منزل الرئيس السلال، وسلموه نسخة من تلك المذكرة، وطالبوه بدعم الكفاح المسلح، وفتح مكتب للجبهة، وتعيين قحطان الشعبي رئيساً لمصلحة أبناء الجنوب حتى تكون له صفة رسمية وصلاحيات قانونية، وقد لبى السلال مطالبهم، إلا أن فتح المكتب رفض من قبل بعض القوى.
وفي «5 يونيو 1963م» صدر بيان جنوبي تاريخي، وتمّ توزيعه في صنعاء باسم قطاعي القبائل والجيش، تضمن تصميم قطاع القبائل على الدخول في المعركة في جبهة موحدة مع كل الطلائع والقوى الوطنية المؤمنة بالتحرر الكامل، ورفض أسلوب المساومة وأنصاف الحلول، وكان من ضمن الموقعين عليه الثائر راجح بن غالب لبوزة.
وفي منتصف ذات الشهر عقد في منزل القاضي عبدالرحمن الإرياني اجتماع ضم عدداَ من الشخصيات الوطنية، وقد شدد الشماليون فيه على ضرورة فتح جبهة في عمق الأراضي الجنوبية؛ من أجل تخفيف الضغط على الثورة، وافق الجنوبيون على ذلك، وعقدوا في اليوم التالي اجتماعاً قرروا فيه تشكيل لجنة اتصال مهمتها الإعداد والتهيئة للثورة، مكوَّنة من «12» شخصاً، ستة ممثلين لحركة القوميين العرب، وستة ممثلين لتشكيل القبائل.
غالبية البيانات التي صدرت حينها عن التنظيمات السياسية الجنوبية كانت تعتبر اليمن إقليماً واحداً، شمالاً وجنوباً، وجزءاً من الوطن العربي المـُوحد، وقد كانت تلك الشعارات تؤذي الإنجليز وحكومتها الاتحادية، أصدر الأخيرون في ذات الشهر قانون صارم موجه لدعاتها، جاء نصه: «من يوافق أو يدفع الآخرين إلى التفكير بأن اتحاد الجنوب العربي يعتبر جزءاَ من دولة أخرى، يتعرض لعقوبة السجن لمدة لا تزيد عن سبع سنوات، أو لغرامة لا تزيد عن خمسمائة جنيه استرليني».
في الأسبوع الأول من «يوليو 1963م»، عقد في قرية «حارات» ناحية «الأعبوس – تعز» اجتماع تشاوري لعدد من أعضاء «حركة القوميين العرب»، حضره: قحطان الشعبي، وفيصل عبد اللطيف، وسلطان أحمد عمر، وعلي السلامي، وطه مقبل، وسالم زين، وآخرون، وتم فيه الاتفاق على توسيع دائرة التحالفات الجنوبية على قاعدة الكفاح المسلح، وإضافة كلمة (القومية)لاسم الجبهة.
وذكر سلطان أحمد عمر – أحد أولئك المجتمعين – في مُقابلة صحفية، أنَّ قيادة الحركة اتخذت في ذلك الاجتماع عدة خطوات حاسمة، أهمها الإعداد للثورة، واختيار جبال ردفان لتفجيرها، لأسباب – عدها – استراتيجية، وهذا يعني أن ساعة الصفر حُددت مُسبقاً، ومن جبال الأعبوس.
توجه بعد ذلك عدد من الثوار الجنوبيين إلى مدينة تعز، وشكلوا قيادة لتنظيم التعاون مع المخابرات المصرية للإعداد للثورة، وفتحوا مكتباً لها، ونشروا «الميثاق القومي» و«بيان مارس» كما أقر، ولم يغير فيه سوى اسم جبهة التحرير إلى «الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل»، وتم إعادة نشرهما في صحيفة الثورة التي كانت تصدر من ذات المدينة.
اجتماع تعز
تبعاً لذلك، عقد في مدينة تعز اجتماع كبير ضم غالبية ثوار الجنوب الفاعلين «19 أغسطس 1963م»، أخذت الجبهة فيه تسميتها الجديدة، وقد اندمجت فيها وتبنت خيارها سبعة تنظيمات سرية، وهي: «حركة القوميين العرب، والجبهة الناصرية في الجنوب المحتل، والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، والجبهة الوطنية، والتشكيل السري للضباط والجنود والأحرار، وجبهة الإصلاح اليافعية»، وقد التحقت بها ثلاثة تنظيمات أخرى، وهي: «منظمة الطلائع الثورية بعدن، ومنظمة شباب المهرة، والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل».
واجهت الجبهة حينها ضغوطات كبيرة لإفشالها، وذلك من بعض ضباط الجيش في صنعاء، وشخصيات من حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان اللواء حسن العمري أبرزهم، وهي حقيقة أكدها أيضاً المـُـناضل محمد علي الأسودي في مذكراته.
عُقد اجتماع تعز الموسع بالتزامن مع عودة الشيخ راجح بن غالب لبوز وأصحابه إلى ردفان، وأثناء مرور الأخيرين بمدينة إب التقاهم المقدم أحمد الكبسي قائد اللواء، والذي كانت تربطه بــ «لبوزة» عَلاقات وثيقة جمعتهم فيها أعمالهم القتالية في جبهة المحابشة، طلب «الكبسي» منه دراسة الأجواء في ردفان للقيام بالثورة، مؤكداً استعداده لدعمهم، وتدريب كوادرهم.
صحيح أنّ يوم «14 أكتوبر 1963م» لم يكن يوماً قد حدد مُسبقاً بأنّه يوم الثورة، لكن تفجير الثورة كان قد تم الاتفاق عليه، وهذا ما أكده المـُـناضل ناصر السقاف، الذي كان حينها نائباً لقحطان الشعبي، بقوله: «عاد راجح بن غالب لبوزة من الجبهة – جبهات الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر – ومعه مائة مقاتل، وقد سمع بقانون حكومة الاتحاد، وبعد التشاور مع القيادة والحكومة من شماليين وجنوبيين أعلن أنّه سيعود وسيقاوم إذا تطلب الأمر ذلك، أخذنا وعد لبوزة بعين الاعتبار، المهم عاد الرجال إلى ردفان، وطالبوهم بتسليم السلاح، فرفضوا، فنشب القتال». في اليوم الثاني لاستشهاد الثائر لبوزة «15 أكتوبر 1963م»، قام المـُـناضل صالح الغزالي بتحرير رسالة إلى المقدم أحمد الكبسي، أبلغه فيها نبأ استشهاد لبوزة، وما تعرضت له قبائل ردفان من اعتداء بريطاني غاشم، وطلب منه إبلاغ قحطان الشعبي وقيادة الجمهورية في صنعاء بذلك.
إمكانيات ثوار ردفان كانت حينها ضئيلة جداً، ولذات السبب توجهت مجموعة منهم برئاسة القائد بليل راجح لبوزة إلى إب وتعز ثم صنعاء طلباً للدعم والمساندة، وكان أول دعم يتلقونه عبارة عن ذخائر وألغام، وقد تم نقلها على الأكتاف إلى مقر قيادتهم، وقد عمل «بليل» بعد عودته من الشمال على إكمال مهمة أبيه، نجح في لم شمل القبائل المـُـتصارعة، بمساعدة مائزة من بعض المشايخ، وهكذا صار أبناء ردفان يداَ واحدة في مواجهة الإنجليز وأذنابهم.
زيارة عبدالناصر
زار الرئيس جمال عبد الناصر اليمن «إبريل 1964م»، وألقى من مدينة تعز خطاباً حماسياً، عُدَّ نقطة تحول فارقة في تاريخنا المعاصر، وكان الشرارة التي أشعلت حرب التحرير الشاملة، انطلقت بموجبه عملية «صلاح الدين» الذائعة الصيت، وكانت تعز مقرها، وقد شكلت ذات المدينة وقرينتها قعطبة ملاذاً آمناً لثوار الجنوب، وكانتا مركز دعمهم، ونقطة انطلاقهم حتى تحقق الاستقلال.