دمرت الحرب البنية التحتية الرياضية في اليمن بشكل شبه كلي، بما في ذلك ملاعب كرة القدم الرئيسية في البلاد، والصالات والمنشآت الرياضية والشبابية، ومقرات الأندية.
ووسط هذه الحرب يبرز اسم أحمد صالح العيسي رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم، الشخصية التي يعدها الكثير من اليمنيين لاسيما الرياضيين أحد كبار المستفيدين من استمرار هذه الحرب، التي دمرت معظم ملاعب كرة القدم ومنشئاتها، وسط صمت مريب من العيسي الذي يقف على هرم اللعبة في اليمن.
بالإضافة إلى ترأسه لاتحاد كرة القدم، يتقلد العيسي منصباً هاما في مكتب الرئيس عبدربه منصور هادي إذ يشغل منصب مدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الاقتصادية، ومع ذلك يغض الرجل الطرف عما سببته الحرب من تدمير كبير، أدى إلى حالة موت سريري للرياضة اليمنية بشكل عام، وكرة القدم بوجه خاص على المستوى الداخلي.
إلى جانب آلاف الضحايا المدنيين، قتل الكثير من الرياضيين في هذه الحرب، وترك العديد من نجوم كرة القدم ممارسة اللعبة، واتجهوا لمجالات عمل أخرى، ومنهم من انخرط في القتال لدى طرفي الصراع في اليمن، حيث بلغ عدد الرياضيين الذين قضوا نحبهم في هذه الحرب قرابة 13 لاعباً من مختلف الألعاب بما فيها كرة القدم، كل ذلك لم يحرك ساكناً لدى العيسي.
“لقد تسببت الحرب بمآسي عديدة، اتجهت للعمل في مجال غريب عني وهو العلاقات العامة، واستخلاص المعاملات للزملاء، والمغتربين، أو رجال المال والأعمال نظير مبالغ مالية، وبعد ذلك بدأت العمل في مجال بيع وشراء العقارات”.
هكذا يصف عبده الادريسي قائد المنتخب اليمني لكرة القدم وأحد أبرز لاعبي ما يعرف بـ”منتخب الأمل” الذي تأهل لنهائيات كأس العالم للناشئين بفنلندا عام 2003 في حديثه لوكالة “ديبريفر” للأنباء، واقع الحال اليوم، وهو الذي كان يطمح للاحتراف في مجال الإدارة الرياضية كتخصص تحتاجه الكرة اليمنية.
ويضيف الإدريسي: ” تركت الرياضة وخيارات التدريب للتفرغ للبحث عن لقمة العيش بعد أن شاهدت بعيني القصف الوحشي للبنية التحتية الرياضية في بلادنا والتي باتت اليوم محمولة على نعش دون محاولة لإنقاذها حد وصفه”.
من هو أحمد العيسي
قبل سنوات ليست بالبعيدة، لا أحد يعرفه! وبعد أن ألصق أصدقاءه على اسمه وصف “شيخ” إثر صعوده إلى رئاسة اتحاد الكرة اليمنية، أصبح الرجل أكثر نفوذاً، سيما مع ارتباطه بمراكز القوى في إدارة الدولة اليمنية، بعلاقات وشراكات يشوبها الكثير من الشبهات المرتبطة بصفقات فساد في مختلف المجالات وخصوصاً في مجال النفط الذي أصبح أكبر تجاره.
يرى الكثير من الرياضيين اليمنيين أن العيسي بصفته رئيسا للاتحاد اليمني لكرة القدم نموذج واضح للرجل الذي تديره بطانته، وتغلفه حصانة أقوى المنظمات الدولية، وتحديداً الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، وهو الرئيس الأوفر حظا بين رؤساء الاتحادات الكروية في العالم، استفادة من تلك الحصانة بتربعه على أنقاض الكرة اليمنية ردحاً من الزمن.
ورغم أن فترة ولايته الثانية انتهت في مايو الماضي، إلا أن العيسي لم يقم انتخابات لمجلس إدارة الاتحاد اليمني لكرة القدم، مستغلاً في ذلك استمرار الحرب الدائرة في بلاده وعدم إمكانية إجراء انتخابات لدورة جديدة، ليستمر في رئاسة الاتحاد لفترة قادمة قد تطول ولا أحد يستطيع تحديدها.
لكن ذلك ليس سوى جزء بسيط من استغلال العيسي للحرب، إذ يحقق مكاسب مالية ضخمة منذ بدء الحرب في مارس عام 2015 عبر شركاته التجارية المتعددة، وارتباطه بالرئيس هادي ونجله جلال، ليصبح أحد أكبر تجار الحرب في اليمن.
لقد تعرض عمالقة سابقون من القيادات الرياضية على المستوى الدولي، لضربات الفيفا التي أطاحت بهم من مناصبهم بسبب دعاوى مالية، وملفات رشاوى وفساد، تدار في الغرف المغلقة، سقط ضحيتها كبار الشخصيات الرياضية في العالم يتقدمهم السويسري جوريف بلاتر الرئيس للفيفا والفرنسي ميشال بلاتيني الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي لكرة القدم.
مواقف متناقضة
ويقف الفيفا اليوم موقف المتفرج إزاء أحمد العيسي وهو المساهم بشكل أو بآخر في تدمير البنى التحتية للرياضة اليمنية وقصف الملاعب والمنشئات الرياضية التي كانت متنفسا للشباب والرياضيين، ويستدل متابعون على ذلك بأن قصف التحالف طال أغلب الأندية باستثناء النادي الذي يملكه العيسي في محافظة الحديدة وهو نادي الهلال.
ويؤكد كثير من الرياضيين اليمنيين، أن أحد إستمرار تدمير البنية التحتية الرياضية، هو صمت العيسي واتحاده عن ذلك، لافتين إلى أن رسالة من رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم إلى الفيفا، يعترض فيها على تدمير المنشآت الرياضية، كانت كفيلة بتشكيل ضغط قوي لإيقاف استهدافه لتلك المنشآت، لكن العيسي لم يفعل ذلك، بل ظل مسانداً لتلك العمليات التي دمرت منشآت كان يقيم الاتحاد مسابقاته عليها.
ويرى مراقبون أن سكوت الفيفا إزاء المواقف اللاإنسانية للعيسي كداعم لتدمير بلاده وقتل الأطفال والأبرياء من المدنيين في اليمن، يطرح علامات استفهام كبيرة عن ما إذا كان “نفط” الرجل يحميه عبر سماسرة يعملون على التستر على الجرائم المرتكبة في اليمن، خصوصاً وأن العيسي ليس رئيساً لاتحاد الكرة فحسب، ولكنه مدير مكتب “هادي” للشؤون الاقتصادية، والرجل الذي يشارك في إدارة دفة القيادة الفعلية لحكومة “هادي” في اليمن من خلف الستار.
في إحصائية ليست نهائية لوزارة الشباب والرياضة بلغ عدد المنشئات الرياضية التي دمرتها الحرب 87 منشآه، وفيما أصدرت اللجنة الأولمبية اليمنية و30 اتحادا رياضيا يمنيا بيانات إدانة واستنكار لما يحدث من قصف مستمر لممتلكات الشباب، كان اتحاد كرة القدم الوحيد الذي التزم الصمت ، رغم أن سبعة استادات رياضية عملاقة تم تدميرها بالكامل من إجمالي 87 منشآه بما في ذلك المبنى الفندقي الخاص بمشروع “جول” الذي نفذه الفيفا في اليمن.
صالة 22 مايو بالعاصمة صنعاء
ما يحدث أن العيسي يستغل كل هذه الأحداث لتقوية علاقاته مع أمراء الحرب وسط حصانة غريبة من الفيفا الذي يمتلك حق إيقافه في وقت تشتت فيه الجمعية العمومية للاتحاد اليمني بسبب الحرب والانغلاق الداخلي بين المحافظات الخاضعة إما لجماعة الحوثي أو للسلطات الموالية للسعودية والإماراتية.
لقد أثرت الحرب بشكل سلبي واضح على معالم الحياة في اليمن وكان لقصف المنشآت دورا كبيرا في تشريد الشباب والرياضيين ممن فقدوا ملاعب وصالات تمارينهم ومنافساتهم بالإضافة إلى فقدان الكثير للمبالغ البسيطة التي كانوا يتقاضونها كرواتب وحوافز بعد إصابة الرياضة اليمنية بشلل.
ووسط كل تلك المعاناة، ظل اتحاد الكرة برئاسة العيسي يقف موقف المتفرج تجاه كل ذلك التدمير الذي يبدوا أثره واضحا لدى كافة المتابعين باستثناء الرجل ومجلس إداراته المنتشرين في عواصم البلدان العربية، وظلوا يتفرجون على الرياضيين اليمنيين وهم يغرقون في قعر سحيق لا تبدو ملامحه مبشرة في قادم الأيام.
ويعمل ناشطون يمنيون على وضع قائمة بأسماء أمراء وتجار الحرب في اليمن، لمعاقبتهم دولياً أو تقديمهم إلى محاكمة دولية جراء ما ارتكبوه من جرائم حرب فضيعة في اليمن، وتضم القائمة، أحمد صالح العيسي، لكنهم يخشون أن يمنح الفيفا حصانة للرجل.
غير أن بعض المختصين، يؤكدون أن الفيفا لا يمكنه منح حصانة للعيسي، إذ أن الفيفا لا يمكنه منح حصانة لمن ارتكبوا أو تسببوا في جرائم حرب، أو تاجروا بدماء المواطنين واحتياجاتهم.