مع بداية الثلاثاء بدأ سريان اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في محافظة الحديدة اليمنية، التزامًا باتفاق السويد بين الحكومة اليمنية وجماعة “الحوثيين”، برعاية الأمم المتحدة، الخميس الماضي.
وتمثل مدينة الحديدة، مركز المحافظة (غرب)، اختبارًا هو الأصعب أمام الاتفاق، فالحديدة، على ساحل البحر الأحمر، هي الملف الأكثر إلحاحًا وأهمية بين ملفات النزاع؛ نظرًا لأهمية المدينة ومينائها الاستراتيجي.
والحديدة، بحسب مراقبين، هي الدافع الرئيسي لجولة المشاورات الأخيرة في السويد، إذ ضغط المجتمع الغربي على أطراف النزاع للتفاوض، بغية تجنيب ميناء الحديدة معركة عسكرية، باعتباره بوابة دخول 70 بالمئة من وادرات اليمن.
وخلفت الحرب المستمرة أوضاعًا معيشية وصحية متردية للغاية، وبات معظم السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وتجاوزت احتياجات اليمن الإنسانية في 2018، وللمرة الأولى، احتياجات سوريا، بحسب الأمم المتحدة.
وجاء الضغط الدولي بعد اقتراب القوات الحكومية مسنودة بالتحالف العربي من الميناء، ومحاصرتها مركز المحافظة من ثلاث جهات، واقتراب المعارك من مركز المدينة وموانئها الثلاثة: الحديدة، والصليف ورأس عيسى.
واعتبر محللون ومراقبون أن صعوبة اختبار ملف الحديدة تتمثل في كونه محاطًا بتعقيدات كثيرة، بينها عدم وجود آلية واضحة لتنفيذ بنود الاتفاق، وعمومية النصوص، ما جعل طرفي النزاع يفسرون الاتفاق حسب رغباتهما.
ومنذ أكثر من أربع سنوات تقاتل القوات الموالية للحكومة اليمنية المسلحين الحوثيين المتهمين بتلقي دعمًا من إيران، والذين يسيطرون على محافظات، بينها صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وأبلغت الأمم المتحدة طرفي النزاع ببدء وقف جديد لإطلاق النار الثلاثاء، بعد خروقات متعددة لما توصل إليه الطرفان في السويد من وقف لإطلاق النار في الحديدة، ضمن اتفاقات وتفاهمات أخرى.
** أسوأ الاحتمالات
المحلل السياسي اليمني، علي سيف حسن، رئيس منتدى التنمية السياسية، يقول إن “مفاوضات ستوكهولم حققت نجاحين مهمين، أولهما ضمان استمرار جولات مفاوضات قادمة دون قيد أو شرط”.
ويضيف حسن، الذي عمل ضمن فريق مستشاري المبعوث الأممي خلال مشاورات السويد، في حديث للأناضول، أن “البند الأخير في الإطار العام أوضح ذلك (ضمان الجولة القادمة) بصورة حاسمة”.
ويتابع: “النجاح الثاني لمفاوضات ستوكهولم يمثل في كبح وإعاقة اندفاع الحرب في الحديدة والساحل الغربي عامة”.
ويرى أن “هذا النجاح تحقق بفضل بلوغ المجتمع الدولي، وبالذات الجانبين البريطاني والأمريكي، حالة الإحباط من السير المتعثر لعمليات التحالف العسكرية، وتوقعاتهم السلبية بشأن إمكانية نجاح التحالف وحكومة الرئيس (عبد ربه منصور) هادي في إدارة ميناء ومدينة الحديدة”.
ويبدى حسن تفاؤله بنجاح الاتفاق بقوله إنه “سيجتاز العثرات أو ينتقل المشهد إلى حرب بلدي (محلية)، من دون مشاركة مباشرة من التحالف، ومن دون تسوية، وهذا أسوأ الاحتمالات”.
وينفذ التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية، منذ مارس/ آذار 2015، عمليات عسكرية في اليمن، دعمًا للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين.
** جولات عاصفة
الباحث اليمني ماجد المذحجي، يعتبر في حديث للأناضول، أن “فرص نجاح الاتفاق تبدو حتى الآن غير مرئية؛ بسبب عدم اختبارها”.
ويضيف المذحجي، وهو المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن “هذه الفرص ستتضح في الأسبوع الأول من بدء سريان الاتفاق”.
ويتابع: “إذا بدأ الحوثيون والقوات الحكومية في إعادة الانتشار والانسحاب من الموانئ، خلال أسبوعين، سيزيد هذا من فرص نجاح الاتفاق”.
ويوضح أن الجزء الأكبر من عملية “الانسحاب من الموانئ وإعادة الانتشار تقع على عاتق الحوثيين، الذين يسيطرون فعليا على تلك الموانئ”.
ويرى المذحجي أن “الملف الأكثر تعقيدًا هو ملف الانسحاب (من الموانئ) وإحلال قوات الأمن السابقة (محل قوات الحوثيين)”.
ويبيّن أن من تعقيدات هذا الملف: “استدعاء القوات السابقة والترتيبات المتعلقة، وضمان خروج كافة ميليشيات الحوثي، خاصة أنها مليشيات غير نظامية”.
ومن بين التعقيدات أيضًا، بحسب المذحجي، “المدى الزمني القصير، الذي لا يتجاوز ثلاثة أسابيع، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا”.
ويقول الباحث اليمني إنه في حال “كان هناك حسن نوايا ورغبة فعلية في الالتزام بالاتفاق فسيكون تنفيذه خلال هذا المدى الزمني القصير مؤشرًا بالغ الأهمية”.
فيما يعبّر عن خشيته من “أن يكون الاتفاق وليد الضغوط لا وليد الاحتياج، وعلى سبيل المجاملة للمستوى العالي من الضغوط (الأممية والدولية)، ثم نشهد فشلًا بسبب تلكؤ أحد الأطراف في تنفيذ أي جزء منه”.
ويحذّر “المذحجي” من أنه في حال فشل الاتفاق فإن اليمن “سيشهد جولات عاصفة من الحرب”.
وتوصلت أطراف النزاع، خلال مشاورات السوريد، إلى اتفاقات بشأن الحديدة وتبادل الأسرى، إضافة إلى تفاهمات حول محافظة تعز (جنوب غرب).
** غموض وعمومية
لعل من أبرز تعقيدات ملف الحديدة أيضًا، غموض بنود الاتفاق بشأنه، ما جعل كل طرف يفسّرها حسب مصالحه.
فالحكومة من طرفها تقول إن ميناء الحديدة سينتقل إلى إدارة القوات المحلية التي كانت موجودة قبل سيطرة الحوثيين عليه، بينما يقول الحوثيون إن الاتفاق ينص على أنهم سيستمرون في إدارة الميناء مع انسحاب القوات العسكرية فقط منه.
وبهذا الخصوص يقول علي الفقيه، مدير تحرير صحيفة “المصدر” اليومية (متوقفة بسبب الحرب)، إن “صعوبة ملف الحديدة جاءت من غموض وعمومية النصوص الواردة في الاتفاق”.
ويضيف الفقيه وهو مدير موقع “المصدر أونلاين” في حديثه للأناضول، أن عمومية النصوص “تسمح لكل طرف بأن يفسرها بما يتناسب مع مصلحته”.
ويتابع أن “المجتمع الدولي يتحدث عن حرصه على تجنيب مدينة وميناء الحديدة الحرب والدمار، لكن هناك أيضًا حرص على عدم إنهاء سيطرة المتمردين الحوثيين على الميناء الأهم في البلاد”.
ويرى الصحفي اليمني أن “فرص نجاح هذا الملف ضئيلة، كون الاتفاق ترك ثغرات تتيح المجال للالتفاف عليه من جانب القوة المسيطرة على الأرض (الحوثيون) ما يفتح الباب لصراع مستقبلي في المدينة قد يكون أشد ضراوة”.
ويؤكد أن “غياب تفاصيل الآلية التي ستعتمدها الأمم المتحدة لتنفيذ الاتفاق يضاعف من فرص فشل تنفيذه، خاصة وأن الميناء يشكل مصدر تمويل مهم ورئيسي لسلطات الحوثيين لتمويل وإدارة عملياتها العسكرية”.
ويبيّن أن جماعة الحوثي “تبدي حرصًا شديدًا على مواصلة السيطرة على الميناء، ويستحيل أن تقبل بتسليمه للسلطات التابعة للحكومة”.
واعتبر الفقيه أن “الحكومة اليمنية شعرت بأنها أُجبِرَت على التوقيع على اتفاق السويد، بفعل الضغوط الدولية على السعودية”.
ويختم الفقيه بقوله: “ولهذا تحاول الحكومة الآن تقديم تفسيرات تتناسب وطموحها في تحويل نتائج الاتفاق إلى صالحها”.