أظهرت كثير من القيادات والناشطين الموالين للحكومة الشرعية في اليمن، استياء واسعاً من مضامين المقترحات التي حملها أخيراً إلى الميليشيات الحوثية مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، بخصوص تسليم ميناء الحديدة إلى جهة ثالثة، خصوصاً بعد أن أضحت القوات الحكومية على مرمى حجر من تحرير المدينة.
وكان غريفيث غادر، أمس السبت، العاصمة صنعاء، بعد ثلاثة أيام قضاها مع قادة الجماعة الموالية لإيران للتشاور حول تفاصيل خطته بشأن تحييد ميناء الحديدة وحول الترتيبات المتعلقة بحضور وفد الميليشيات إلى السويد، لحضور جولة المشاورات المرتقبة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وبحسب ما كشفته مصادر أممية، فإن الرياض ثم مسقط هما الوجهتان المقبلتان للمبعوث غريفيث، حيث من المقرر أن يلتقي قيادات الشرعية ومكونات يمنية وحوثية أخرى للتشاور بشأن التهيئة لمشاورات السويد.
وفي الوقت الذي كشف فيه المبعوث الأممي خلال تحركاته في صنعاء، ومن ثم زيارته إلى الحديدة، خلال الأيام الماضية، عن مقترحه الذي يتعلق بوقف العمليات العسكرية في الحديدة، وتسليم إدارة ميناء الحديدة إلى إشراف أممي، لقي المقترح استياء واسعاً في الأوساط اليمنية المؤيدة للحكومة الشرعية، باعتباره نصراً ضمنياً للحوثيين قدَّمَته الأمم المتحدة على طبق من ذهب.
وفي هذا السياق، يرى وزير الإدارة المحلية في الحكومة الشرعية عبد الرقيب فتح، أن محاولة تمرير أي اتفاق في الحديدة لا يقضي بتسليمها مع الميناء للحكومة الشرعية يُعد انتقاصاً من الشرعية وتجاوزاً للقانون الدولي.
ومع هذه الانتقادات الموجهة للمساعي الأممية بخصوص الملف اليمني، يعتقد المبعوث الدولي مارتن غريفيث، ومعه دوائر غربية، أن استمرار المعارك في الحديدة سيؤدي إلى مضاعفة المعاناة الإنسانية لسكان المدينة، خصوصاً مع المخاطر الأخرى التي يمكن أن تنجم عن توقف العمل في الميناء وانقطاع إمدادات الغذاء عن ملايين السكان في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.
وإذا ما نجح غريفيث في إبرام اتفاق جزئي بشأن الحديدة ومينائها، بحسب المراقبين، فسيمنحه ذلك حافزاً جيداً للسعي نحو إحراز تقدم في مشاورات السويد بين الجماعة الموالية لإيران والحكومة الشرعية، لا سيما على صعيد ملفات بناء الثقة، التي تشمل «الأسرى والمختطفين، ورواتب الموظفين، ومطار صنعاء، والوصول الإنساني للمساعدات».
ولا تمانع الحكومة الشرعية الاستمرار في دعم المساعي الأممية باتجاه السلام، لكن هناك أحاديث يجري تداولها حول عدم الذهاب إلى السويد قبل حضور وفد الجماعة الحوثية إلى المشاورات التي دائماً ما تجدد القول إنها يجب أن تكون تحت سقف المرجعيات الثلاث المتوافق، وعليها وفي مقدمها قرار مجلس الأمن «2216».
وبالعودة إلى عبد الرقيب فتح، غرد وزير الإدارة المحلية اليمني في «تويتر» قائلاً إن «القانون الدولي وكل الاتفاقيات الدولية تنص على أن كل التراب الوطني لدولة ما يجب أن يخضع لرئيس شرعي وحكومة شرعية». ويضيف في معرض انتقاده لمقترح غريفيث: «الأمم المتحدة ومجلس أمنها وممثلوها على مستوى العالم هم حراس على تطبيق القوانين التي تحمي الدول ووحدة ترابها؛ لذا فأي خروج عن ذلك هو عمل خارج القانون، وغريفيث يفهم ذلك».
ويلمح الوزير فتح إلى عدم حسن نية الأمم المتحدة من خلال توقيتها الحالي لفرض مقترحها، بعد أن باتت المدينة وميناؤها في متناول القوات الحكومية، ويقول: «عجزت الأمم المتحدة، لمدة سنتين، عن تنفيذ مقترحها بتسلُّم ميناء الحديدة من الميليشيات الحوثية المسلحة، واليوم عندما قدم الجيش والمقاومة الوطنية المئات من الشهداء والجرحى، وأصبح الميناء في مرمى الجيش الوطني، تريد الأمم المتحدة تسلمه كطرف ثالث».
وفي حين يصف فتح التحركات الأممية بأنها تحاول فرض «معايير مختلة وضد كل القوانين الدولية»، وافقه في ذلك الرأي كثير من الناشطين الحزبيين، والقيادات السياسية اليمنية، التي ترى أن في المقترح الأممي انحيازاً غير مبرر إلى صف الميليشيات.
وفي السياق ذاته، قال رئيس الدائرة الإعلامية لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» علي الجرادي إن «السلام العادل والشامل وفق القرارات الدولية ومخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وحدها من يصنع استدامة واستقراراً». وتابع في منشور على «فيسبوك» بالقول: «أي اتفاقات جزئية في جغرافيا محدودة هي اتفاقات زائفة وهشة»، معتبراً أن الاتفاق الذي يحاول غريفيث تمريره «يندرج ضمن التكتيكات العسكرية التي يجيدها الانقلاب لالتقاط الأنفاس وإعادة التموضع».
وعلى المنوال ذاته يعتقد الكاتب والباحث السياسي اليمني الدكتور فارس البيل أن «موافقة الشرعية على عزل ميناء الحديدة، يعني موافقتها على الاستسلام لشروط الحوثي، وإيقافها لمشروع تحرير الحديدة واستعادة مؤسساتها ومن بعدها بقية المناطق». ويرى الدكتور البيل في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «اتفاقية الميناء في جوهرها تعني إيقاف الشرعية عن استعادة الدولة، وذلك سيسمح بخلق مناطق معزولة، كأن عليها نزاعاً، وبالتالي استوجب التدخل الدولي والفض بين متنازعين يدعيان الملكية، وهذا هو الأخطر في الأمر الذي تذهب إليه الأمم المتحدة بتحركاتها هذه».
وعما إن كان المقترح الأممي للحل في الحديدة سيدفع بالميليشيات إلى القبول بالسلام، يقول البيل: «من غير المنطقي التصديق بأن الحوثي سيصل إلى السلام أو يفاوض عليه… لأنه لا يملكه أولاً، ولا يعرفه».
ويضيف مستغرباً: «ميليشيا الحوثي ليست سوى بندقية بيد المشروع الإيراني، فكيف تفاوض بندقية؟!»، مؤكدا أنه «ليست لدى الميليشيات قدرة سياسية ولا قيم تفاوضية ولا مشروع مؤقت؛ إذ إنها مجرد ميليشيا تعمل بالأجرة، ولذلك فإن التفاوض معها نوع من العبث والسريالية التي يؤديها المجتمع الدولي».
ويعتقد البيل أن «التفاوض الحقيقي يجب أن يكون مع إيران، أما الميليشيات الحوثية فمجرد مؤدين ولا يملكون من الأمر إلا ما يغني رغبات طهران».
من جهته، يرجِّح الإعلامي اليمني ناصر الشليلي أن موافقة الحكومة الشرعية على تمرير مثل هذا الاتفاق الذي يحاول فرضه غريفيث ستكون «انتقاصاً من السيادة اليمنية». ويضيف أن «ما يقدمه غريفيث أو يقوم به في الفترة الأخيرة صار مكشوفاً للجميع؛ إذ إنه يسهم في إطالة أمد النزاع والحرب ويبعث الروح في جسد الميليشيات الحوثية المتهالك».
ويرى الشليلي أن «هذا المشروع الذي تقدم به غريفيث بتسليم الحديدة لطرف ثالث هو الدليل الأبرز على انحياز الأمم المتحدة وعدم حياديتها ورغبتها في استمرار الصراع لتحقيق مكاسبها النفعية والمادية على حساب دماء وحياة وكرامة الشعب اليمني».
ورغم أن ملامح هذا الاتفاق لتسليم الحديدة إلى طرف ثالث لم تتضح معالمه التفصيلية بعد، لا يمانع السياسي والناشط اليمني علي البخيتي، وهو قيادي سابق في الجماعة الحوثية تسليم المدينة ومينائها إلى طرف ثالث.
ويقول البخيتي في تغريدة على «تويتر»: «الطرف الثالث الذي يمكن أن تسلم له مدينة وميناء الحديدة ليس بالضرورة أن يكون أجنبياً»؛ إذ يمكن – على حد قوله – اختيار شخصيات يمنية مستقلة ذات كفاءة لتسليمها الملف، ومنحها فرصة إدارة الميناء والمدينة بشكل بعيد عن الصراع والحرب (…)، وكأنها تدير شركة تجارية خاصة».
أما القيادي في حزب «المؤتمر الشعبي» وعضو اللجنة العامة للحزب الدكتور عادل الشجاع، فيذهب إلى التشكيك في الدور الأممي برمته قائلاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «يريدون أن يحافظوا على قوة الميليشيات ما يجعلنا نشك في أن الأمم المتحدة أصبحت مختطفة، وأصبحت تعمل لمصلحة هذه الجماعة».
وعن توقعاته حول ما إذا كانت الميليشيات جادة هذه المرة في الذهاب إلى المشاورات المعلن عنها في السويد، قال الشجاع: «ستحضر في حالة واحدة وهي إذا حصلت على تنفيذ شروطها في توفير طائرة عمانية لنقل خبراء إيران و(حزب الله) تحت مسمى الجرحى».
ونفى الشجاع حدوث أي تحول في الرؤية الأممية تجاه إشراك «المؤتمر الشعبي» في المشاورات المقبلة، مؤكداً عدم تلقي الحزب أي دعوة بهذا الصدد. واتهم القيادي في حزب «المؤتمر الشعبي» المبعوث الأممي بأنه اتخذ قراره على ما يبدو لاستكمال تصفية الحزب، من خلال قصره على التعاطي مع القيادات الخاضعة للحوثيين فقط.