“سبتمبر نت”
جهل أبناء المذهب الزيدي بحقيقة مذهبهم ورغبة أبناء الأسر الهاشمية الجامحة في العودة إلى الزعامة الدينية والدنيوية عوامل ساعدت الحوثيين على التستر بالمذهب واستغلاله.
موقف علماء الزيدية من الحركة الحوثية وخطرها واضح منذ البداية والتغير في الموقف جاء بعد انقلاب الحوثيين على الإجماع الوطني.
المليشيا الحوثية مجرد عصابة ومليشيا ولا يوجد ضمن قياداتها علماء دين يمتلكون معرفة فقهية، لم ينضم الى هذه المليشيا الاثنى عشرية أيا من علماء الزيدية المعتبرين رغم الترهيب والترغيب الذي مارسته الجماعة ضدهم .
لا خلاف في ان المليشيا الحوثية نبتت وترعرعت على أرضية زيدية مستغلة أفكار المذهب ومراكزه العلمية وموروثه الثقافي والتاريخي كما لا جدال في إن الحركة الحوثية تتبنى المذهب الشيعي الاثنى عشري الإيراني ،وقد ثبت ذلك في ممارساتها وشعائرها وملازمها ومحاضرات زعيمها الأول والثاني وقد عملت جاهدة وبإشراف إيراني مباشر على التغرير بمئات الشباب وتدريبهم وتأهيلهم وبعد انقلابها على الإجماع الوطني وسيطرتها على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014م فرضت معتقداتها بقوة السلاح على كافة أبناء الشعب اليمني والتي أبرزها الدعوة إلى “الإمامة” أي ” إحياء فكرة الوصية للإمام علي رضي الله عنه، وأن الحكم لا يصح إلا في أبناء علي بن أبي طالب وأعلنت حربها على “السُّنيِّة”؛ وحرضت عليهم وتحالفت مع منظمات إسرائيلية وجماعات إرهابية بحجج متعددة أبرزها موالاة السنة أبو بكر وعمر وتقديمهما على علي رضي الله عنه .
الحركة الحوثية غالت في تشيعها وتبرأت من الخلفاء الراشدين الثلاثة، والصحابة عموماً؛ واعتبرتهم أصل البلاء الذي لحق بالأمة إلى اليوم وهذا ما قاله مؤسس الجماعة بدر الدين الحوثي: ” أنا عن نفسي أؤمن بتكفيرهم (أي: الصحابة) كونهم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله”..ويقول الهالك حسين الحوثي : ” كل سيئة في هذه الأمة .. كل ظلم وقع لهذه الأمة ..وكل معاناة وقعت الأمة فيها .. المسؤول عنها : أبو بكر وعمر وعثمان ..وعمر بالذات لأنه هو المهندس للعملية كلها” وعن بيعة الصحابة لأبي بكر يقول الهالك حسين : ” شرُّ تلك البيعة ما زال إلى الآن ” وعن السلف الصالح يقول الهالك : “السلف هم من لعب بالأمة، و من أسس ظلم الأمة وفرق الأمة “.
ان فكر ومنطق ومعتقد وتمويل جماعة الحوثي يظهر إيرانيا أثنى عشريا بوضوح والجماعة لم تفتأ تمجد الثورة الخمينية، وحزب الله البناني، وبعتبارهما مثال يحتذى به .
اما معتقدات المذهب الزيدي فالإمامة فيه ليست بالنص, وهي ليست وراثية وتقوم على البيعة, كما ان الزيدية جمعت في نشأتها بين فقه أهل البيت والاعتزال, مع الميل في الفروع للمذهب الحنفي، وتبنى قاعدة مشروعية الخروج على الحاكم الظالم والإقرار بخلافة أبي بكر وعمر وعدم لعنهما , وهي القاعدة التي طبقها الزيدية جيلاً بعد جيل .
إنها فروق جوهرية ولا مجال للمقارنة بين معتقدات المذهب الزيدي والفكر الحوثي ومع ذلك هناك تلاقي وأوجه شبه بينهما.
اضافات حوثية اثنى عشرية في المذهب الزيدي
الحوثيون اثنى عشريون خالصون ويجتمعون مع المذهب الزيدي في نقاط قليلة وهي أن كلاهما من فرق الشيعة و يتفقون في زكاة الخمس وأحقية أهل البيت في الخلافة وقول “حي على خير العمل” في الأذان .
أوجه التشابه بين الفكر الحوثي الاثنى عشري وبين المذهب الزيدي ضعيفة جدا ومن الظلم الجمع بين المذهب الزيدي والمذهب الاثنى عشري في قالب واحد، وذلك لاتساع الفروق في الأصول بين المذهبين او الفكرين وتستر الحوثيون بغطاء المذهب الزيدي، وادعائهم الحفاظ على قواعده ومعتقداته انما هو لتمرير عقائد وطقوس اثنى عشرية وتعميمها على المذهب الزيدي في صور عدة، مثل اللطم في الحسينيات والاحتفال بالمولد النبوي ومقتل الحسين ويوم الغدير ولعن الصحابة وقد تقبل ذلك عدد ليس بقليل من الزيود وذلك نتاج لغبائهم بأصول مذهبهم الذي يعتبر هذه المعتقدات بدعة وفقاً لأحكام المذهب الزيدي، الذي روى لنا التاريخ وفي أكثر من مؤلف أن أئمة المذهب الزيدي كانوا يحرّمون الاحتفال به، ويعتبرون ذلك من البدع، بل وعاقبوا بعض دعاة الصوفية الذين احتفلوا واعتقدوا به في صنعاء.
الحوثيون وعباءة الزيدية
منذ قرون وقادة الفكر الرافضي ” الاثنى عشري ” يحاولون غزو الزيدية في اليمن واستمالتها إليهم لكن كتب التاريخ والواقع تخبرنا بأنهم فشلوا في تأسيس تيار وتشكيل مدرسة اثنى عشرية رغم ظهور أئمة عصاة وطغاة ومغالين في زيديتهم وتشيعهم حكموا لفترة من الزمن إلا أن الأفكار الاثنى عشرية ظلت طارئة ومرفوضة، والحاملون لها موضع سخط ونقمة من عموم الزيدية .
التغير المفاجئ في المذهب الزيدي بدأ بعد الثورة الخمينية في إيران حيث شهدت العلاقة بين الزيدية والاثنى عشرية تحسناً ملموساً وبدأت الحوزات الايرانية محاولة جادة في نشر الفكر الاثنى عشري بين صفوف الزيدية في اليمن، وقد نجحوا واستقطبوا الكثير من قادة الزيدية وعوامهم, وبدأت ملامح الرفض تظهر واضحة في العمل الزيدي من حيث المؤلفات والمحاضرات وإقامة الأعياد والمناسبات الإمامية .
الحوزات الإيرانية حرصت منذ قيام الثورة الخمينية على مبدأ تصدير الثورة وقد بذلت الدبلوماسية والسفارة الإيرانية في صنعاء جهدا مكثفا لاستقطاب أتباع المذهب الزيدي فبدأت بالبحث بين علماء وقادة المذهب الزيدي عن شخصية تحتضن الاثنى عشرية وتعمل على نشرها أولا أوساط أنصار المذهب الزيدي ومن ثم في كافة اليمن ولقد وجدت في الحوثي وجماعة الشباب المؤمن التابعة له بيئة خصبة لنشر ذلك، عبر كتب ورسائل بدر الدين الحوثي تحت ستار المذهب الزيدي ومن ثم ملازم الهالك حسين التي تمجد الثورة الخمينية وترفع شعارات حزب الله البناني وتحشد أنصارها وأتباعها وتدعو كافة المواطنين إلى إحياء ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه، وإقامة المجالس الحسينية واحياء ذكرى وفاة بعض الأئمة كجعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين رضي الله عنهم بل اتخذت جماعة الحوثي لأنصارها جبلاً في مدينة صعدة, أطلقوا عليه اسم (معاوية), يخرجون إليه يوم كربلاء (عاشوراء) بالأسلحة المتوسطة والخفيفة, ويطلقون عليه ما لا يحصى من القذائف.
عوامل الاختراق
إن ابرز العوامل التي ساعدت الحوثيين”الخمينين” على اختراق المذهب الزيدي عامل التشيع المشترك بين الزيدية والاثنى عشرية واستغلال جهل أبناء الزيدية بحقيقة مذهبهم، وانحسار دور علماء الزيدية والظروف المعيشية الصعبة في المناطق الزيدية ومن العوامل استغلال الرغبة الجامحة عند أبناء المذهب الزيدي لإعادة الإمامة الزيدية للحكم، وخصوصاً أبناء الأسر الهاشمية، لما كانوا يمتازون به من الزعامة الدينية والدنيوية ولعل أنجح الوسائل تأثيراً على أتباع المذهب الزيدي وسيلة الابتعاث الدراسي لكل من إيران والعراق ولبنان، وغسل عقول المبتعثين وحشوها بأفكار الاثنى عشرية، وإعادتهم دعاة وقادة وقد نجح الايرانيون في ذلك نجاحا كبيرا وأصبح المبتعثون الآن هم سلطة الأمر الواقع والمتحكمون بأقوات الناس وحرياتهم في المحافظات التي لازالت تحت سلطة الانقلاب .
موقف الزيدية من الحوثية
موقف علماء المذهب الزيدي شبه واضح منذ بداية نشأة حركة الشباب المؤمن وكان لهم الموقف نفسه من الحركة الحوثية في بداية الحرب الأولى، الذي اتسم بالتحذير والتنفير منهما ونفيهما من الزيدية وتوضيح خطورتهما على الوطن.
لكن ذلك الموقف لم يلبث إلا قليلاً حتى تلاشى وخفت صوته، بل ان البعض انقلب إلى مدافع ومبرر لجرائم الحوثية، جاعلاً التعرض لهم تعرضاً وقدحاً بالمذهب الزيدي، أو كما جاء في ذلك البيان الذي نسبته لهم صحيفة «البلاغ» ولعل التغير في الموقف جاء بعد أن فرض (الحوثيون) سيطرتهم على اليمن وانقلبوا على الإجماع الوطني وأصبحوا حركة واقعية، وقوة لها حجمها وخطرها، وللقارئ أن يقارن بين البيانين الصادرين عن علماء الزيدية، الأول صدر في الحرب الأولى 25 حزيران (يونيو) 2004، والثاني صدر بعد الحرب السادسة نهاية 2011، التي خرج منها الحوثي منتصراً على الدولة، في مسرحية هزلية ما زالت أوراقها تتكشف يوماً بعد اخر،وبين البيانات التي تلت ذلك منذ دخول الحوثي صنعاء حتى اللحظة ومن خلال البيانات ندرك الفرق الواضح في تغيّر الوجهة واختلاف الموقف الديني والسياسي لبعض علماء المذهب، ومدى تواطؤهم أو تسليمهم بالأمر الواقع.
موالاة ورفض
قد يكون هناك موالاة لجماعة الحوثي وإتباعا لها من قبل أتباع المذهب الزيدي لكن الذي يجب أن يفهمه القارئ أن الزيود ليسوا كلهم موالين للحوثيين ولا جميعهم رافضين له فالحقائق والوقائع والواقع يثبت أن الزيود حاربوا الجماعة الحوثية قبل الانقلاب بأعوام في محافظات عمران وحجة والجوف كما ان مظاهرات رفض الانقلاب الحوثي ضد الشرعية واحتلالهم لليمن كانت تنطلق في ذمار وصنعاء وحجة وعمران وهي محافظات زيدية وهناك مقاومين لمليشيا الحوثي في مختلف جبهات القتال وشهداء كثر في سبيل ذلك كما إن معظم أعضاء وقيادات حزب الإصلاح وهو الحزب الذي يكن له الحوثيون كل العداء زيود وابرز قادة الجيش الوطني ينحدرون من عمق الزيدية القائد العسكري الكبير علي محسن صالح الذي مرغ أنوف الحوثيين في صعدة ست حروب ولا زال والمقدشي والعقيلي وهاشم الاحمر وغيرهم كثير.
الحوثيون مليشيا وليس مذهب
المتابع لحال الحركة الحوثية يجد انها تفتقر إلى رصيد فكري ديني اجتهادي أو معرفي، وهي مجرد حركة عسكرية ﻻ تختلف في تشكيلتها عن العصابات أو المليشيات، ولا يوجد ضمن قيادتها أي علماء دين فعليين يمتلكون معرفة فقهية تمكّنهم من الاجتهاد والتنظير للحركة، وأن أياً من علماء الزيدية المعتبرين لم ينضم إليها وهناك من كفرها مثل العلامة محمد عبدالعليم الحوثي، الذي جاهر بتكفير الحركة عبر أكثر من محاضرة ألقاها وعليه يمكننا الوصول إلى نتيجة واضحة، مفادها أن الحركة الحوثية تحاول إحداث تحول في المذهب الزيدي، وتعمل على جر شباب ودعاة وعلماء المذهب إلى مربعها بطرق مختلفة وجعلهم يؤمنون بأفكارها الاثنى عشرية باعتبارها أصول في المذهب الزيدي وبحجة الحفاظ على المذهب وقد نجحت نوعا ما إلا أن هذه الحركة ستنتهي بمجرد انتهاء آلتها العسكرية ووقف الدعم عنها من المصادر التي تموّلها إيران وغيرها.