مع تصاعد حدّة تدهور الأوضاع المعيشية في اليمن، وانهيار العملة المحلية، بشكل غير مسبوق، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الضرورية بالنسبة للمواطنين، اندلعت احتجاجات غاضبة في عدن وعدد من المحافظات الجنوبية المحرَّرة من الحوثيين، مثل: مدن أبين ولحج والضالع وحضرموت، تزامنت مع عصيان مدني وقطع للشوارع العامة، وسط مطالبات برحيل الحكومة اليمنية ومعالجة الانهيار الاقتصادي في البلاد.
حيال ذلك، أوضح المنسق العام لـ””تنسيقية أحرار شباب عدن المستقل”، وهي إحدى الجهات الداعية للاحتجاجات الشعبية في عدن، أن أهم مطالبهم تتجسد في “وقف فساد الحكومة في جميع مؤسسات الدولة، وأن المشوار طويل يتطلب طرقًا مدروسة لاستمرار الاحتجاجات لانتزاع الحقوق”، وفقا لتقرير نشرته وكالة إرم نيوز.
اتهامات بالتبعية
وعن عملية التنسيق لسير المظاهرات والاحتجاجات، قال المنسق العام لـ”إرم نيوز” إنها “عملية تتم على قدم وساق، بين جميع المديريات الداخلية في عدن وبقية المحافظات، وتُشدد على أهمية الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، على الرغم من محاولات دفع المحتجين إلى الإضرار بسلمية ثورتهم، من خلال جهات غير معلومة، تدعو إلى استمرار العصيان لأيام أخرى، وتحرّض الناس على الإضرار بالممتلكات العامة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي”.
وحول اتهامات يواجهها المحتجون بـ”التبعية” لأطراف سياسية، عبّر العطار عن “امتعاضه واستنكاره لمثل هذه الاتهامات التي توجه لمواطنين سحقتهم الظروف المعيشية وارتفاع الأسعار”، منوهًا إلى أننا “مستقلون استقلالًا تامًا عن جميع الأحزاب والمكونات السياسية”.
وكشف العطار عن خطوات تصعيدية، أقرت في اجتماع تشاوري عقد الاثنين، “مع رؤساء النقابات في مرافق ومؤسسات الدولة بعدن، وتنسيقية أحرار شباب عدن، وقيادات ميدانية جنوبية، على أنْ يكون العصيان المدني يومي الأحد والأربعاء، في كل مرافق ومؤسسات الدولة، وأنْ تستمر المسيرات الاحتجاجية الراجلة لثلاثة أيام في الأسبوع، للتنديد والرفض للممارسات الحكومية وسياسة الفساد وحرب الإبادة الجماعية”.
ونوّه العطار إلى “تلقيه وفريقه، جملة من التهديدات المختلفة”، مطالبًا “المقاومة الجنوبية”، “بحماية المتظاهرين والحرص على أمنهم”، في الوقت الذي حمل فيه الحكومة الشرعية “المسؤولية الكاملة عن أي مساس بالمتظاهرين”.
في حين يعتقد رئيس مؤسسة “دار المعارف” للبحوث والإحصاء، سعيد عبدالله، أن حالة الغضب التي تجتاح المناطق الجنوبية المحرَّرة، أمرٌ متوقعٌ وناتجٌ عن سنوات من تخلي الحكومة عن مسؤولياتها، والتفرغ للمعارك الجانبية، ذات الأبعاد الصغيرة والأجندات الحزبية.
وقال عبد الله لـ”إرم نيوز”، إن “الحكومة والرئاسة اليمنية، لم تكن مواكبة ومتناغمة مع الحرب على الحوثيين، بل إنه يمكن القول إنها ساهمت في إضعاف المجهود العسكري والسياسي؛ إذ غرَّدت في أغلب الأحيان بعيدًا عن سرب التحالف وتوجهاته”.
مرحلة خطيرة
وذهب إلى أن “اليمنيين وصلوا اليوم إلى مرحلة خطيرة، تنفلت فيها مشاعر المواطنين دون قيادة سياسية تحتوي هذا الانفجار الشعبي، وهذا ما كنا نحذّر منه على الدوام، الشرعية والتحالف العربي لأهمية دعم وجود إطار قيادي للجنوب، ودعمه وفتح خط إداري للمناطق المحررة، يحررها من فساد الشرعية وانتهازيتها وتعارض أجندتها مع أجندة الحرب مع أذرع التمدد الإيراني والتآمر القطري في المنطقة”.
واعتبر عبد الله أن “الاستهانة بالتعاطي السريع مع المطالب المشروعة للمحتجين، والتعامل معها باستخفاف، سيوسعان من دائرتها، ومع عدم وجود قيادة وإطار سياسي جامع لها قد يؤدي إلى أن ْتستغلها القوى المعادية للتحالف العربي وتوجهها نحو فوضى شاملة يصعب احتواؤها لاحقًا، وما يمكن فعله اليوم قد يكون غير ممكن عمله غدًا”.
من جهته، رأى الكاتب السياسي صلاح السقلدي، أن السخط الشعبي العارم يثير قلق الحكومة اليمنية، حتى وإن تظاهرت بعدم القلق والاكتراث به، لكنها تخشى فورة غضب الشعب، حتى وإن لم يأتِ منها تجاوبٌ طوعي، لكن على الأقل خوفًا من أن يطيح بها من موقعها ويرميها خلف الحجب كما حدث بتجارب كثيرة بالمنطقة العربية بالسنوات الأخيرة، وقد شاهدنا كيف هرعت هذه الحكومة للاجتماع برئاسة الرئيس هادي قبل يومين وربما يتلوه اجتماع آخر برئاسة رئيس الحكومة كما أعلن الاثنين”.
وقال السقلدي لـ”إرم نيوز”، إنه “بصرف النظر عن الإجراءات الهزيلة التي اتخذتها الحكومة لتدارك الموقف ولكبح جموح الانهيار الاقتصادي والمعيشي، إلّا أنّ ذلك يشي بهلعها من الثورة الشعبية التي تتعاظم قدرتها منذ أيام بالشارع الجنوبي، خصوصًا وأن نيرانها امتدت بقوة إلى حضرموت بأقصى شرق الجنوب؛ وسيكون من الحماقة تجاهل ثورات الشعوب خصوصًا من قبل حكومات غارقة بالفشل ومنغمسة بالفساد كحكومة بن دغر”.
وذكر السقلدي أن هذه الاحتجاجات إنْ لم تتجاوب معها الحكومة أو المؤسسة الرئاسية، فستكون هذه الجهات مسؤولة عن أي تداعيات بالمستقبل، لا سيما في ظل أوضاع استثنائية كالتي نمرُّ بها منذ أكثر من ثلاثة أعوام”.