أثارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيَّة القلق بشأن الأوضاع الصحية في اليمن، من عدوى بكتيرية “خارقة” تفشل معها الأدوية والمضادات الحيوية على علاجها؛ وهذه العدوى تواجدت في القرن التاسع عشر مثل الكوليرا والخناق المنتشران أيضاً في البلاد التي تعصف بها الحرب.
وقالت الصحيفة في تقرير لها، إنّه جرى ملاحظة ذلك بعد يومين من إخراج شاب يمني من الجراحة، وقد لاحظ الأطباء الرائحة لأول مرة. إذ أصابت رصاصة ساق طالب جامعي يبلغ من العمر 22عاماً، وتسبب في إصابة العظام وتمزق بالأنسجة الرخوة، تم إجراء العملية، لكن وبعد يومين تنبعث من الجرح رائحة مميزة، توصف في الأدبيات الطبية بأنها “مُعدية”. وتم التفاعل مع الحالة التي وصفت بأنها “عدوى” ربما تهدد الحياة إذ أن الجرح لم يتحسن.
وبعد أن أدرك الأطباء أن المضادات الحيوية الطبيعية لا تعمل، أرسل الأطباء في مركز أطباء بلا حدود في عدن عينة من الدم لتحليلها في مختبر علم الأحياء المجهرية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود. افتتح المركز العام الماضي فقط ، وهو الوحيد من نوعه في المنطقة الذي يحتوي على معدات عالية الجودة يمكنها اكتشاف العدوى المقاومة للعديد من الأدوية. وكانت النتيجة عبارة عن بكتيريا سالبة الجرام ، Acinetobacter baumanni ، التي كانت مقاومة لمعظم المضادات الحيوية القياسية. لا أحد يعرف كيف اكتسب الطالب – المعروف باسم أ.س للحفاظ عن هويته – العدوى، “لكنه من الشائع جداً في اليمن حدوث ذلك إذ يمكن أنَّ تكون من الرصاصة نفسها أو من الرمل على الأرض عندما سقط” حسب ما قال الدكتور ناجي منصور رئيس الأطباء في برنامج الإشراف على المضادات الحيوية لمنظمة أطباء بلا حدود.
بدأ أطباء منظمة أطباء بلا حدود برنامجا من المضادات الحيوية المتخصصة التي لا تستخدم عادة بسبب آثارها الجانبية المحتملة. كما تطلب أيضا العديد من العمليات الجراحية: سبعة عمليات جراحية متعددة. ما كان يمكن أن يكون عادة إقامة لمدة خمسة أيام أصبح ثلاثة أسابيع، وخلالها تم عزل أ.س لمنعه من إصابة المرضى الآخرين. عندما جاءت عائلته لزيارته، لم يتمكنوا من لمسه دون ارتداء ملابس واقية.
وتمكن أ.س من أنّ ينجو. وقال منصور: “لقد أنقذنا المريض من فم الموت”. وقد كان “أ.س” محظوظاً فمعظم المستشفيات في اليمن ليس لديها القدرة أو البروتوكولات اللازمة لكشف ومعالجة الإصابات المقاومة للعقاقير؛ لو كان في أي مكان آخر، لكان فقد ساقه أو مات.
وقالت الصحيفة إنّ الحملة العسكرية التي قادتها السعودية خلفت آلاف الضحايا وخلقت أعداداً هائلة من اللاجئين. لكن التكلفة الحقيقية قد لا تصبح ظاهرة لسنوات قادمة. بعد سنوات من القصف الذي شلّ إمدادات الغذاء، ودمر البنية التحتية الأساسية وتعطّل الرعاية الطبية، أصبح اليمن أرضاً خصبة لـ”العدوى” المقاومة للمضادات الحيوية، مع عواقب كارثية محتملة – لن تكون في نطاق اليمن فقط.
حتى الآن، كان التهديد الذي تمثله البكتريا التي أنتجتها الأمراض المقاومة للعقاقير تهديدًا نظريًا، حيث تسببت حفنة من الحالات المعزولة في إثارة قلق كبير بين الأطباء والعلماء لما يمكن أن يحدث إذا خرجت العدوى عن نطاق السيطرة، وما يعزز انتشار تلك العدوى هو انهيار النظام الصحي المتزايد.
ما يحدث في اليمن الآن أنّ الصراع المتزايد في الحرب يمكن العثور على آثاره لكن جوانب الحرب الأخرى لا يعثر عليها إلا في كتب التاريخ، إذ تشير تلك الكتب إلى أنّ الخسائر الحقيقية للحملة العسكرية ليست الضرر المباشر من الأسلحة، ولكن للأثر طويل الأجل والموسع للأمراض والعدوى التي تنتشر في فوضى النزاع المسلح.
وقالت آنا نيري، المنسقة الطبية لأطباء بلا حدود في اليمن ، التي طالما كانت أفقر بلد في الشرق الأوسط ، “إنه عبء كبير على النظام الصحي الذي بالكاد يمكن أن يعتني بالرعاية الصحية الأولية”. أكثر من 60٪ من المرضى الذين تم إدخالهم إلى مستشفى المنظمة الطبية في عدن لديهم بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في أنظمتهم.
وقالت الصحيفة: “إن الانتشار الواسع الانتشار للعدوى المقاومة للأدوية المتعددة قد تضاعف تقريبًا مقدار الوقت الذي يجب أن يقضيه المرضى في مستشفى ميداني للتعافي من جروح الحرب. هذا الوقت الإضافي، بالإضافة إلى المضادات الحيوية المتخصصة التي يحتاجها المريض للتغلب على عدوى مقاومة للعقاقير، يعني أن عدد المرضى الذين يمكن علاجهم أقل من المعتاد، وأن الرعاية أكثر تكلفة وصعوبة”.
ويقال إن مشاكل مماثلة تحدث في مناطق الشرق الأوسط التي مزقتها الحرب، بما في ذلك العراق وسوريا، والبلدان ذات الكثافة السكانية الكبيرة من اللاجئين، مثل الأردن. وقالت الدكتور نيري “هناك انتشار مخيف لعدوى مقاومة العقاقير المتعددة التي نراها في الشرق الأوسط”.
وقال الدكتور نجوان إنّ”هذا يخلق جيل جديد من البكتيريا المقاومة للأدوية المتعددة”. ويلعب سوء استخدام المضادات الحيوية في المرافق الطبية دوراً رئيسياً في زيادة انتشار البكتيريا المقاومة للأدوية في اليمن.
عاودت الأمراض من القرن التاسع عشر الظهور بقوة في اليمن، التي تواجه تفشي الكوليرا الأسرع نمواً على الإطلاق ، حيث تأثر أكثر من مليون شخص، ربعهم من الأطفال. وقد ظهر وباء “الخناق” أيضًا.
ويبدو أن منظمة أطباء بلا حدود ، التي تعمل في اليمن منذ عام 1986 ، هي وكالة الإغاثة الوحيدة التي تتعقب مقاومة الأدوية في المنطقة ، وفي العام الماضي أقامت مختبرها الميكروبيولوجي المخصص. وقالت وكالات إغاثة طبية أخرى اتصلت بهم نيويورك تايمز إنهم مشغولون للغاية عن متابعة القضية.
ترجمه للعربية: يمن مونيتور