في محاكمة جائرة افتقدت لأدنى معايير الشفافية والنزاهة وانتزعت حقوق المتهمين في الدفاع عن انفسهم، تواجه أسماء وهي أم لولدين، احتمال تنفيذ حكم الإعدام بحقها في صنعاء الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين بتهمة التجسس لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأدانت مليشيا الحوثي الانقلابية، اليمنية أسماء ماطر العميسي، وثلاثة أخرين بتهمة التجسس لصالح دولة الإمارات – احدى ابرز دول التحالف العربي المساند للشرعية في اليمن – في محاكمة سريعة تشي بصبغة تسييس الأحكام من قبل الجهات القضائية التابعة للمليشيات الإنقلابية، التي جبلت على توجيه عدد من التهم الملفقة للتخلص من معارضيها.
ونص حكم المحكمة الجزائية المتخصصة التابعة للحوثيين في صنعاء، في 30 يناير/ كانون الثاني، الفائت على إعدام كل من: أسماء العميسي، وسعيد الرويشد، وأحمد باوزير، في حين حكم بالسجن 15 عاماً على المتهم الرابع، ماطر العميسي، والد أسماء العميسي، بعد إدانته بتهمة “فعل مناف للأخلاق” وتتعلق بهذه القضية.
وحوكمت العميسي حضوريا، بينما حوكم سعيد محفوظ الرويشد وأحمد عبدالله باوزير غيابيا بعدما نجحا في دفع مبالغ مالية والخروج من السجن والتوجه الى مناطق لا تخضع لسيطرة المتمردين، قبل صدور الحكم بحق الثلاثة.
ومؤخرا لجأت مليشيا الحوثي إلى تطويع السلطة القضائية وإصدار احكام خارج نطاق القانون تحمل بعدا سياسيا لتصفية حساباتهم مع معارضيهم.
ووفقا لمصادر حقوقية تحدثت لـ “سبتمبر نت” فإن أحكام الإعدام الحوثية ضد معارضي انقلابهم بـ”المئات” والغالبية العظمى منها لا يتم الإعلان عنها.
ولاقت أحكام الإعدام تنديد واسع في الوسطين الصحفي والحقوقي باليمن، مطالبة بسرعة الإفراج عن المعتقلين، وإلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحقهم.
وقال وزير الاعلام معمر الإرياني أن تلك الأحكام ما هي ألا امتداد لجرائم الاختطاف والاختفاء القسري والحجز خارج نطاق القانون والتعذيب التي يمارسها الحوثيون منذ انقلابهم على السلطة الشرعية واستخدامهم للسلطة القضائية لتصفية حساباتهم مع من يعارضهم.
ولفت الإرياني إلى أن هذا الحكم الجائر يأتي ليذكر العالم أجمع بمصير آلاف المحتجزين في المعتقلات الحوثية الغير النظامية وما يعانونه من ظروف انسانية صعبة وتعذيب وامتهان وانتهاك لكرامتهم الجسدية والنفسية.
وأكد الإرياني أن هذه الممارسات القمعية تمثل انتهاكاً واضحاً وغير مسبوق للإعلان العالمي لحقوق الانسان وكافة الاتفاقات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وهي بالتالي جرائم مرتكبة ضد الانسانية ولا تسقط بالتقادم، ويجب ان يقدم المسؤولين عنها للمحاسبة عاجلاً أم آجلا.
وناشد الوزير الإرياني الأمم المتحدة وامينها العام الضغط على مليشيا الحوثي الإنقلابية لوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق المواطنة (أسماء العميسي) وسرعة الإفراج عنها وعن كافة المعتقلين.
ودعا وزير الإعلام كافة الهيئات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والنشطاء والحقوقيين إلى إدانة هذه الممارسات والتنديد بالجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي الإنقلابية والمطالبة بوقف كل اشكال الدعم الذي تتلقاه المليشيا من أطراف إقليمية وعلى رأسها نظام طهران.
بدورها أدانت منظمة العفو الدولية في بيان لها أحكام الإعدام التي أصدرتها مليشيات الحوثي ، موضحة ان صدور الحكم جاء بعد أشهر من “التعذيب والاخفاء القسري.
وذكرت منظمة العفو أن أسماء تواجه أيضا احتمال ان تتعرض للجلد لمئة مرة قبل تنفيذ حكم الإعدام بحقها، اذ أنها تحاكم أيضا بتهمة القيام “بعمل مشين” وهو التنقل بسيارة مع رجال.
وقالت منظمة العفو إن محامي الأم الشابة تقدم بطلب لاستئناف حكم الإعدام، متهمة الحوثيين باللجوء الى أحكام الإعدام “لتصفية حسابات سياسية.
ولفتت أن المتهمين، تعرضوا في البداية، إلى الإخفاء القسري، واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي، ونقلوا سرا من مرفق إلى آخر، وتم احتجازهم في وضع مزري لعدة أشهر في فترة ما قبل المحاكمة، كما تعرضوا للابتزاز من أجل الحصول على المال، وأُخضعوا للإذلال المستمر والإيذاء البدني الشديد، وحرموا من الحقوق الأساسية، بما في ذلك الاتصال بمحام والزيارات العائلية.
بدورها عبرت منظمة سام عن قلقها الشديد لاستخدام مليشيا الحوثي القضاء في اليمن لأغراض سياسية ، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك بشكل عاجل لوقف الإنتهاكات المرتكبة من قبل الحوثيين في اليمن، وإجراء تحقيق دولي مستقل في هذه الإنتهاكات، وتأسيس خطوات عاجلة لمحاسبة مرتكبي هذه الإنتهاكات.
وحذرت المنظمة من استخدام الجهاز القضائي كغطاء لإعدام مواطنين يمنيين مختطفين في سجون مليشيا الحوثي مضى على بعضهم أكثر من سنتين، وهم من النشطاء السياسيين والأكاديميين والطلاب ورجال الأعمال، خاصة أن المحاكم الخاضعة للمليشيا كمحكمة أمن الدولة لا تتوفر فيها أبسط معايير المحاكمة العادلة، حيث تتسم الأحكام الصادرة عنها بأنها غير متناسبة مع التهمة بشكل صارخ.
وتعليقا على الأحكام يقول المحامي والمحلل السياسي فيصل المجيدي – رئيس مركز إسناد لتعزيز القضاء وسيادة القانون- في تصريح خاص لـ “سبتمبر نت” أن هذه الأحكام تفتقر لأبسط قواعد العدالة الجنائية المعتبرة في الدستور اليمني والقوانين المحلية والمواثيق الدولية.
وبحسب المجيدي فان التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية في تعليقها على الأحكام وقولها ان المليشيا تستخدم القضاء كمنصة سياسية ضد خصومها له أهمية كبيرة لما للمنظمة من أهمية كبيرة على المستوى الحقوقي العالمي.
ويرى المجيدي أن منظمة العفو الدولية لم تأتي بجديد باعتبار أن المليشيا في الأساس لا يمثل لها القانون أدنى اهمية، بل أنها قامت بالسيطرة الفجة على القضاء في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وقامت بتغيير كل المناصب العليا من سلالتها ومن قادة الجماعة حتى يمكن تسميته بالمجلس الشيعي الأعلى وليس مجلس القضاء الأعلى.
ويضيف ” أن تعيين السلالي أحمد عقبات على رأس وزارة العدل هو من أوضح الأمثلة الدالة على استحواذ الجماعة على المناصب العليا في القضاء، والذي يدير القضاء عمليا من خلال غرفة عمليات مشكلة من المشرفين الحوثيين في الوزارة”.
“وبالتالي فإن هذه الأحكام ليست اكثر من تحصيل حاصل تنفيذا لأوامر الجماعة المسلحة كما حصل في أحكام الإعدام على الرئيس والحكومة والصحفيين والسياسيين” يقول المجيدي.
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها المحكمة الجزائية المتخصصة في اليمن، أحكام الإعدام بحق مناوئيها.
ففي 2 يناير 2018 حكم بالإعدام أيضا على المواطن اليمني “حامد حيدرة” بسبب معتقداته الدينية ومصادرة كافة أمواله، وذلك بعد أربع سنوات من الاعتقال تعرض خلالها للتعذيب وسوء المعاملة والحبس الانفرادي.
وكانت المليشيا الحوثية حكمت بالإعدام على الصحفي يحيى الجبيحي في ابريل من العام الماضي بعد عام من اختطافه وافرجت عنه في سبتمبر من العام ذاته تحت ضغوط دولية ومحلية كبيرة لكنها لاتزال حتى اللحظة تتحفظ على نجله وتتخذه كرهينة.