سلطت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، الضوء على حياة بعض السيدات اليمنيات، بعد أن هربن من جحيم الحرب الدائرة في البلاد، قائلة: إن سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة، “عالقون ويتعرضون للخطر؛ بسبب الحرب والجغرافيا، حيث يصعب الخروج عن طريق الجو أو البر، وقد يكون عبور البحر إلى أفريقيا هو الأكثر خطورة للجميع، وخاصة إذا كنت لا تجيد السباحة، مثل وزرا عبد السعيد”، وفقا لوكالة إرم نيوز.
وفي سبتمبر، صعدت “وزرا” وابنها الشاب، على متن قارب صيد في ميناء عدن الجنوبي، وكانت تلك المرة الأولى لها في البحر، بعد أن باعت أقراطها الذهبية؛ لدفع 35 ألف ريال يمني (140 دولارًا)؛ لسداد تكلفة رحلتها، وسط المياه التي تحتشد بالقراصنة وتضربها الرياح العاتية.
وبحلول المساء، وصلت سفينتهم الصغيرة إلى مدينة “أوبوك”، لصيد الأسماك في شمال جيبوتي، وهي المعسكر الوحيد للأمم المتحدة للاجئين من حرب اليمن، وقالت وزرا: “أي شخص يتذوق الألم هناك، سيحاول الفرار إذا أتته الفرصة”.
ووفقًا للوكالة، فعندما وصلت “وزرا” إلى مخيم الأمم المتحدة، عثرت على حوالي 1100 من اليمنيين هناك، وهو جزء صغير من الـ 3 ملايين، الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم، فكلما طال أمد الصراع في اليمن وأصبح أكثر فتكًا، كلما أصبح الخروج أكثر صعوبة، وتشير التقديرات، إلى أن حوالي 180 ألف شخص غادروا البلاد، مقارنة بـ 5 ملايين شخص من سوريا، التي لديها عدد مماثل من السكان.
معيلات الأسر
وقالت الباحثة في مجال النوع الاجتماعي “سهى بشارين”، في صنعاء: “نشعر أن العالم كله يقول، يجب على اليمنيين البقاء في بلادهم ليموتوا”.
وقالت سهى: “من يتحمل كل ذلك العبء؟ إنهن النساء”، كما قالت “ميادة صالح”، التي تعمل في منظمة غير حكومية في عمان، بالأردن: “لقد أصبحت المرأة هي المعيلة الوحيدة للأسرة بأكملها. فعندما بدأت الحرب، بحثن( النساء) عن أفكار إبداعية؛ لجني المزيد من المال وتحمل النفقات”.
وتعتبر اليمن أفقر دولة في العالم العربي، وعلى الرغم من عمل الكثير من النساء قبل الحرب، إلا أنه كان متوقعًا أن يعيل الرجال أسرهم، ولكن في السنوات الأخيرة، اختفى الكثير من الرجال، حيث قُتل وأصيب عشرات الآلاف أثناء القتال، كما شهد الكثيرون منهم تبخر دخلهم، حيث توقفت الحكومة اليمنية عند دفع الرواتب، التي يعتمد عليها حوالي 30 % من السكان.
وعلى نحو مشابه، ذلك ما يحدث في مخيم “أوبوك”، في جيبوتي، الذي أُنشئ قبل 3 أعوام، وفي الأيام الأولى، كانت هناك مشاكل أمنية للنساء وأسرهن، حيث تم إغواء الفتيات للدعارة مقابل الغذاء والمال، والآن، أصبحت الحياة في المخيم كقرية يمنية مؤقتة.
وأنشأت العديد من وكالات المعونة متاجر، وهي تقدم دروس الحرف اليدوية وبرامج للقراءة، ويعمل رجال المخيم في الصيد والبناء، وفي مطاعم المدينة أو لصالح وكالات المعونة، ولكن ذلك ليس رأي أحمد عبده رجب، وهو رجل ذو شعر أبيض خفيف، حيث يقول، إنه لا توجد فرص عمل كافية، ولا يوجد سوى الحد الأدنى من الغذاء، ومعظمه من الأرز، كما قال: “لقد أصبحنا مدمنين، مثل الأغنام”.
ويلجأ الكثير من رجال المخيم إلى نبات “القات”، الذي يغيبهم عن الواقع الأليم، ويذكرهم بالحياة المفقودة.
اليمنيون بالأردن
ويوجد الكثير من لاجئي اليمن في الأردن، حيث سُجل حوالي 8500 شخص رسميًا، وهم يميلون إلى أن يكونوا أفضل حالًا من اللاجئين بجيبوتي، وقد كان الكثير منهم يتواجدون بالفعل في الأردن، عندما اندلعت الحرب.
وفي منتصف سبتمبر، اجتمعت مجموعة منهم بمكان عمل مشترك في عمان، يجمع طلابًا واستشاريين للمنظمات غير الحكومية الدولية، والباحثين عن عمل.
ويشعر معظمهم بالترحيب من قِبل الأردنيين، ولكن الكثيرين يتذمرون أيضًا بشأن صعوبة التكيف في هذه العاصمة العربية باهظة الثمن، والتي تستضيف أيضًا نحو مليوني لاجئ سوري، حيث يمكنك الحصول على تصريح إقامة من خلال إيداع 20 ألف دينار (28 ألف دولار)، وهناك عدد قليل جدًا يمكنه توفير ذلك المبلغ.
وبدأت ياسمين النديري، وهي سيدة مطلقة تعيل والديها وابنتها؛ من خلال دخلها من وظيفة أجنبية غير حكومية، حيث ابتكرت شبكة يُطلق عليها اسم “TransitYouth”.
وتقول، إنها تحاول إنشاء قاعدة بيانات للمغتربين في الأردن أو مصر، وأماكن أخرى مثل ماليزيا، حيث انتهى الأمر باليمنيين هناك ،وقالت، إن ذلك “لرفع مستوى الوعي بين الجهات المانحة، بأننا موجودون”.
وأنشأت المجموعة العاملة بالشبكة، خطًا هاتفيًا ساخنًا لليمنيين الوافدين إلى الأردن، أو العابرين خلالها فقط، وذلك بعد التأثر بقصة اليمني الذي كان يحاول عبور عمان في طريقه إلى الهند؛ للحصول على الرعاية الطبية، ولكن لم يُسمح له بالذهاب؛ لأنه لم يكن لديه مذكرة طبية، تقر بتأهله لشروط السفر، ثم توفي.
بدورها، أعربت ياسمين، عن قلقها إزاء جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، والتي واجهت الكثير من العقبات.
قليل من التحرر
الشيء الوحيد الذي لاحظته المرأة اليمنية في الأردن، هو أن أدوارها آخذة في التغير، وبعض التحولات قد تبدو صغيرة، حيث قالت “سمية المنتصر”، التي تدرس التمريض: “أصبحت أستطيع رفع صورتي على الإنترنت” وهي مبتسمة، وهذه هي المرة الأولى التي تضع فيها صورتها الشخصية على حسابها على “الفيسبوك”، فعادة ما ترتدي المرأة اليمنية حجابًا، وغالبًا ما يظل مظهرها وحتى اسمها الحقيقي سريًا ومخفيًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك يعتبر مجرد جزء مرئي من التحولات العميقة التي جلبتها الحرب.
ولكن في عمان، هناك شعور بأن كل شيء مؤقت، حيث قالت ياسمين: “نحن لا نعرف ما إذا كانت الحرب ستنتهي غدًا أو بعد 10 أعوام، أو إذا كنا سنبقى هنا أم سنذهب لبلد آخر”.
مقام قد يطول
كما كان هناك الكثير من الذهاب والإياب في مخيم “أوبوك” بجيبوتي أيضًا، حيث تقدر حكومة جيبوتي أن أكثر من 20 ألف يمني، مروا عبر البلاد، منذ عام 2015، كما استضاف المخيم في ذروته، أكثر من 6 آلاف يمني، ولكن الآن، أصبح العدد أقل من خمس ذلك، فالحرب لم تخف حدة، ولكن الخروج أصبح أكثر صعوبة.
أولئك الذين لا يزالون في “أوبوك”، ربما لن يستطيعوا الذهاب لأي مكان، وحول الخيام يمكن رؤية العمال منشغلين ببناء بنايات دائمة، تمولها السعودية.
ويقول حسين دارار، مدير وكالة اللاجئين في جيبوتي: “في البداية، كنا نعتقد أن هؤلاء الأشخاص، سيبقون شهرًا أو شهرين، لكني أعتقد أن المدة ستكون طويلة”.
وفي وقت متأخر بعد الظهر، يمكن رؤية صبي يُطير طائرته الورقية الحمراء بالسماء، وبالجانب الآخر من المخيم، يمكن رؤية طائرة أخرى باللون الأبيض، كما تتطاير أخرى باللون الأسود؛ لتشكل الطائرات الثلاث، الألوان الثلاثة للعلم اليمني.
ووسط كل ذلك، حدثت الكثير من حالات الولادة والزواج والوفيات، وفي مايو/أيار، تزوجت نيالا سالم (22 عامًا) من عبده إبراهيم وهو حارس بالمخيم، كما ارتدت نيالا ثوبًا أبيض، وكان هناك موسيقى يمنية وأفريقية أيضًا.
ترتدي نيالا حجابًا أسودًا، وتعمل كخبيرة تغذية في عيادة المخيم، وقد أنشأت صداقات مع فتاتين تعملان بالمخيم أيضًا، كلهن يساعدن على إعالة أسرهن بدخلهن، مع إصرارهن على أن المرأة في اليمن، عملت قبل الحرب أيضًا، وقد أشرن لبعض الأسباب التي تجعل الناس لا تصل إلى “أوبوك”، فليس هناك سوى عدد قليل من قوارب الصيد، المستعدة للقيام بهذه الرحلة، والناس ليس لديهم المال ليدفعوه للمهربين، كما أن الطرق إلى الساحل مغلقة، والسائقين يطلبون أجورًا عالية.
وبحسب التقرير، فقدت”نيالا” شقيقها في الحرب، وأثناء خروجها من خيمة العيادة ممسكة بيد زوجها قالت: “بعد أن تضع الحرب أوزارها، سنعود لوطننا”.