وصلت أصداء الثورة النسوية فى العراق، إلى دول المنطقة والعالم، ضد قانون صوت عليه البرلمان العراقى، يبيح تزويج الصغيرات منهن دون سن العاشرة، وسلب حقوقهن ورمى ما تبق منهن إلى عمق الرجعية والعبودية.
وأطلقت النساء ناشطات وقانونيات وإعلاميات، على تعديل القانون المصوت عليه، الذى أرسل إلى مجلس شورى الدولة ومنه إلى مجلس الوزراء لإقراره، تسميات عدة منها “دعشنة المجتمع” كونه يسمح بنكاح القاصرات والأصغر منهن على غرار ما فعل “داعش” الإرهابى عندما سبى المختطفات واغتصب حتى غير البالغات منهن.
وتحدثت عضو سكرتارية رابطة المرأة العراقية، انتصار الميالى، فى حديث خاص لوكالة سبوتنيك الروسية، اليوم الإثنين، بالتفصيل عن تعديل قانون الأحوال الشخصية
وتقول الميالي: “التعديل يتعارض تماماً مع النص الدستورى فى المادة 41 التى تنص على “أن العراقيين متساوين”، حيث مجرد ذكر عبارة (وفق المذهب الذى يتبعونه) الواردة فى البند (أ) هو أثارة للطائفية والفرقة والتمييز الواضح فى مقترح التعديل فضلا على انه يتيح الرجوع إلى المذاهب وفروعها وهذا مؤشر لانتهاكات خطيرة لحقوق المرأة والطفل والأسرة بل والمجتمع ونظام الدولة بالكامل.
وتشير الميالى، إلى تباين شاسع بين أحكام المذاهب بل وأفرعها أيضا فى تطبيق العديد من المسائل والقضايا الأسرية التى نظمها قانون الأحوال الشخصية رقم 188 بقواعد موحدة مستندة إلى الأحكام الفقهية والمذهبية المتنوعة الأكثر تحقيقا للعدالة والأكثر ضمانا لاستقرار الأسرة والمجتمع والأكثر توفيرا للحقوق، والتعديل هو أعادة أنتاج لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الذى أثير قبل أربعة أعوام، بالإضافة إلى اختلافات كثيرة جدا فيما يتعلق بالنفقة والحضانة وأحكام النسب والطلاق وغيرها الكثير كلها تؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى المحاكم التى تضمن تطبيق القوانين لدى الأفراد ومساواتها بينهم بما يحقق العدالة, ناهيك عن السماح بإنشاء المحاكم الشرعية الفقهية، وهذا كله مع النصوص الواردة فى مقترح التعديل تتعارض مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى صادق عليها العراق.
وركزت الميالى فى حديثها على “زواج القاصرات” الذى تضمنه مشروع تعديل القانون، معتبرة إياه من ابرز الإشكاليات التى يثيرها التعديل الجديد، قائلة: “بدلا من أن تعيش الطفلة حياتها الطبيعية وتأخذ فرصتها فى الحياة والتعليم والنمو الطبيعى وتنمية المهارات والإبداع فيها، هناك للأسف الشديد من يحاول شرعنة اغتصاب طفولتها”.
وأكملت، من أبرز الأمور المثيرة للجدل فى مقترح التعديل على قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959 هى قضية سن الزواج والتى تتقاطع تماما مع الكثير من المواد فى القوانين العراقية النافذة والنصوص الدستورية والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والذى تعتبر النقطة الجوهرية التى تشكل خطورة كبيرة على تزويج القاصرات استنادا للنص الوارد فى (المادة الأولى) من مشروع التعديل.
وبينت الميالى، أن معظم القوانين العراقية النافذة تؤكد على إن سن الرشد هو ثمانية عشر سنة كاملة، بذلك يتبين بوضوح إن زواج القاصرات بعمر تسعة سنوات لا ينسجم مع القوانين النافذة التى حددت سن البلوغ.
وأطلعتنا، المستشارة القانونية لمنتدى الإعلاميات العراقيات، بشرى العبيدى، فى تصريح لمراسلتنا، على ملاحظات قانونية واجتماعية حول مقترح قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وإثاره.
ومن أبرز الملاحظات التى أثارت موجة غضب بين النساء والشارع العراقى، دونتها العبيدى، هو أن تعديل القانون، حدد سن البلوغ بإكمال الإناث (9 سنوات هلالية) وفق التقويم الهجري, وإكمال (15 سنة هلالية) عند الذكور، وهذا التحديد لإغراض متعددة منها الإيصاء والتصرف بالمال وأيضا الزواج، بل أن الزواج ممكن حتى بأقل من هذه السن.
وعودة إلى عضو سكرتارية رابطة المرأة العراقية، انتصار الميالى أكدت، على أن مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية الجعفرى، يعد انتهاكا جديداً لاتفاقية حقوق الطفل التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 وانضم إليها العراق سنة 1994 التى نصت ضمن المادة (1) منها على (لإغراض هذه الاتفاقية يعنى الطفل الإنسان من لم يتجاوز الثامنة عشر ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه).
وكذلك يعتبر التعديل القانونى المذكور، انتهاكا لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1979 التى انضم إليها العراق عام 1986 والتى كان من بين ابرز ما فيها من نصوص هو نص المادة (16/2) التى نصت على (لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه إثر قانونى، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما فيها التشريع لتحديد سن أدنى للزواج و يجعل تسجيل الزواج فى سجل رسمى امرأ إلزامياً) بالإضافة إلى أن حالة النضوج الكامل سواء بالنسبة للفتاة أو الفتى، لا ترتبط ببلوغ سن معين فقط، بل من الضرورى أن يكون طرفا الأسرة (الزوج والزوجة) يمتلكان الخبرة بالحياة والمصاعب التى قد تواجههم وكيفية تجاوزها، إضافة إلى حالة النضوج البيولوجى لكليهما بما يمكنهم من الاستمرار فى العيش بحياة كريمة، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التى يمر بها العراق حاليا.
ونالت النساء الثائرات وعريضتهن لإلغاء القانون، تضامنا عربيا وإقليميا من ناشطات عديدات منهن ذكرتهن لنا الميالى مع نصوص تضامن من لجان حقوق المرأة فى لبنان وسوريا، وفلسطين، والبحرين، وكذلك قطاع المرأة بمركز التواصل الاجتماعى.
وتستمر النساء العراقيات، حملاتهن وتظاهراتهن بمشاركة الصغيرات، التى نالت دعما كبيرا من الرجال، فى مناطق متفرقة من البلاد، لاسيما فى بغداد بشارع المتنبى شريان الثقافة، وساحات التحرير وغيرها للضغط على الحكومة فى إلغاء مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية الذى عدته المتظاهرات والمحتجات، بالمخالف للدستور والمواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
وجرى تصويت مبدئى على مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 88/1959 بالبديل “مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري”، فى جلسة البرلمان التى عقدها فى 31 أكتوبر الماضى من العام الجارى، وسط غضب شعبى لاسيما بين النساء اللواتى سرعان ما قدن ثورة عارمة وصلت حتى خارج البلاد.
وأرسل البرلمان بعد تصويته على التعديل البديل الجعفرى، إلى مجلس شورى الدولة الذى بدوره يرسله إلى مجلس الوزراء العراقى لإقراره فى وقت لم يعلن أو يكشف حتى الآن، وسط آمال بإلغائه وعدم اعتماده مراعاة لحقوق الصغيرات وطموح النساء فى العيش الكريم دون حقوق مسلوبة وتهميش فى المجتمع.