بلال الخلف – تفاصيل برس
عندما تتأمل الصورة أعلاه، ترى في الجانب الأيسر تبدّل وجوه الرؤساء الأميركيين على مدى عقود، كل رئيس يأتي بأفكاره وخططه، يجرب ويغادر بهدوء، تاركًا المجال لخلفه كي يقدم شيئًا جديدًا للشعب. الانتخابات تجري، والأصوات تُحصى، والشعب هو صاحب الكلمة الأخيرة.
لكن عندما تتحول أنظارك إلى الجانب الأيمن من الصورة، تجد “جمهورية الأسد”، تلك الدولة التي أُخذت منها الديمقراطية اغتصابًا، وتحولت إلى ملكية خاصة لعائلة، ورثت العنف والقمع كأنه تقليد قديم.
بدأت القصة عندما استولى حافظ الأسد على السلطة في سوريا عبر انقلاب عسكري، وجلس على عرش البلاد دون أن يسأل أحدًا عن رأيه. لم يكن انتخابًا، ولم يكن اختيارًا، كان أشبه باغتصاب مكتمل الأركان لوطن بأكمله.
أخذ البلاد عنوة، وحكمها بالقوة، وبدأ بتعليم الجيل الذي يليه قواعد هذه اللعبة الدموية. في هذه “الجمهورية”، لم يكن هناك حق أو حرية، بل فقط حافظ الأسد، الذي نصب نفسه حاكمًا مطلقًا، يدير سوريا كإقطاعية عائلية.
وإذا كان اغتصاب السلطة هو تقليد الأب، فقد ورث الابن عادة أخرى، هي القتل. ففي عهد بشار الأسد، لم يعد القتل مجرد أداة للحفاظ على السيطرة، بل صار جزءًا من إرث العائلة، أداة يستخدمها “الرئيس” الشاب بكل برود. لم يتردد بشار في استخدام العنف ضد كل من تجرأ على رفع صوته، بل استخدم الأسلحة والقنابل ضد شعبه، وكأن القتل طقس عائلي مقدس يضمن به بقاءه على العرش. مشهد القتل في سوريا ليس شاذًا، بل هو نتيجة منطقية لاغتصاب السلطة الذي بدأه الأب وكرسه الابن.
في أميركا، يتبادل الرؤساء السلطة، وفي كل مرة يعقب الرئيس الجديد من سبقه، يتعهد بتحقيق ما عجز عنه الآخر، ويبني على ما حققه من قبله. أما في سوريا، فلا شيء يتغير، عائلة واحدة تتحكم بمصير البلاد، وتستعرض إرثها الذي يجمع بين الغدر والاغتصاب. لا يوجد “تسليم وتسلم” بل احتكار مطلق، واحتفاظ بكامل “حقوق” القمع والتعذيب.
الأسد الابن، الذي بدأ مسيرته كطبيب عيون، لم يكن يعرف أن “مهنة القتل” ستصبح جزءًا من عمله، ولم يكن يدري أن إرث العائلة سيحمله ليصبح “سفاح سوريا” الذي لا يرحم. بشار لم يكتفِ بكرسي والده، بل استعار دمه البارد وطريقته في قمع كل صوت، وكأنما القتل صار لغة حكم آل الأسد التي يفهمها الجميع، ولا يحتاجون لشرحها.
في هذه “الجمهورية”، يمكن اعتبار الشعب مجرد رهينة لدى العائلة، يعاقبونه متى شاءوا، ويسلبونه كرامته متى أرادوا. لا يمكن للشعب أن يحلم بتغيير أو أمل، لأنه محكوم بقانون العائلة، الذي يرى أن كل من يعترض هو عدو، وكل من يطلب الحرية يستحق الموت. بشار، مثل والده، لا يرى في سوريا سوى مملكته، وفي الشعب سوى تفاصيل صغيرة لا قيمة لها، يمكن قمعها وقتلها إن خرجت عن المسار.
هكذا تحولت سوريا إلى ملكية خالصة لآل الأسد، حيث اغتصب الأب السلطة، وورث الابن القتل كأنه طقس لا يُمس. لا يمكن لأي رئيس آخر أن ينافس، ولا لأي صوت آخر أن يُسمع، فالجميع يعيشون تحت سقف آل الأسد، الذي يحكم بقوة السلاح ورعب الشعب، ويستمتع بإعادة نفس المشهد البائس عامًا بعد عام.
في النهاية، يبقى السوريون وحدهم من يدفعون الثمن، في “جمهورية” لم يعودوا يشعرون بالانتماء فيها، حيث القتل والإرهاب هو عنوان النظام، واغتصاب السلطة هو الدستور الرسمي.
FacebookTwitterWhatsAppTelegramEmailShare