تصويت مجلس الأمن الأخير بشأن رفع الحظر عن استيراد السلاح وتصديره في دولة ملالي إيران ليس انتكاسة دبلوماسية أمريكية بالمعنى الإجرائي للكلمة، بل هو سقوط شاقولي لنهج المجلس ولقرارات الأمم المتحدة التي يُفترض أن تكون حامية للسلم والأمن والاستقرار الدولي، وقد لطّخت المنظمة الأممية للأسف الشديد المهمة التي تضطلع بها بفعل قرارها الصادم هذا.
لم يمرّر مجلس الأمن الأسبوع الفائت المشروع الذي تقدّمت به الولايات المتحدة الأمريكية لتمديد الحظر العسكري المفروض على طهران التي ما زالت ترنو إلى تحقيق سبق تسلّحي نووي، وتطمع في أراضي الجيران ومقدّراتهم، بل وتطمح لتصدير ميليشياتها المسلّحة العابرة للحدود إلى دول الجوار من أجل زعزعة استقرارها وإحكام السيطرة عليها من خلال حروب متنقلة تشعلها هنا وهناك. ولا يبدو بعيداً عن الواقع الملموس ما قاله أحد زعماء التطرّف المذهبي الإيراني حينما صرّح بصلف غير معهود لما يفترض في لياقة الخطاب وطرح السياسات الخارجية للدول، وذهب بالقول إن “إيران غدت تسيطر على أربع عواصم عربية”!
إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تعجز عن اجتراح البدائل، سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، وإن احتاج الأمر عسكرياً، لمنع إيران من تحقيق أهدافها التخريبية في المنطقة والعالم. وما حدث في بيروت ليس حدثاً عادياً البتة ولا منفصلاً عن ذاك التغوّل، بل هو نوع من الصعود الإيراني نحو الهاوية إذا أثبتت التحقيقات أن ذراعها العسكري الممتد في لبنان، حزب الله، ضالع في التدمير.
لم يتأخر رد فعل وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إثر جلسة مجلس الأمن التي كان نجماها روسيا والصين وقد لوّحا معاً إلى إمكانية استعمال فيتو مزدوج ضد المشروع الأمريكي إن لزم الأمر لحماية الحليفة إيران؛ حيث أصدر بومبيو بياناً جاء فيه: إنّ “فشل مجلس الأمن في التصرّف بشكل حاسم للدفاع عن السلام والأمن الدوليين لا يمكن تبريره”، وشدّد في بيانه على أن “الولايات المتّحدة لن تتخلّى أبداً عن أصدقائها في المنطقة الذين توقّعوا المزيد من مجلس الأمن وسنواصل العمل لضمان عدم تمتّع النظام الثيوقراطي الإرهابي بالحرية في شراء وبيع أسلحة تهدّد قلب أوروبا والشرق الأوسط وما وراءهما”.
من المرجّح أن الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة امتنعت عن التصويت على المشروع الأمريكي لتبدي بشكل علني امتعاضها وعدم رضاها عن انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاقية النووية التي عقدتها دول (5+1) في فيينا العام 2015، والتي حملت الاسم الرسمي “خطة العمل الشاملة المشتركة”. أما روسيا والصين اللتان رفضتا فوراً المشروع فهما ماضيتان في دعم حليف استراتيجي لمشاريعهما المستجدّة الأوروآسيوية، تلك التي تعزز طموحهما في تغيير خارطة النفوذ الدولي في العالم ودفع الولايات المتحدة للتراجع عن موقعها المتقدّم في المعادلات الجيوسياسية العالمية ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط الأكثر حيوية.
وبينما كانت طهران تحتفي بما أسمته “هزيمة” الولايات المتحدة في مجلس الأمن، كان الرئيس الأمريكي يتصل من مكتبه في البيت الأبيض مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، معرباً عن “الحاجة الملحّة إلى تحرّك في الأمم المتّحدة لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران”، حيث تسود مخاوف لدى كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من عودة إيران إلى هيستيريا التسلّح، ما يعني تهديد أمن جيرانها في الخليج لا سيما من خلال توفير الدعم اللوجستي لميليشياتها المنتشرة في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
أقرّت نائبة المندوب الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، آن غوغين، بأنّ رفع حظر السلاح عن إيران “يمكن أن تكون له عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار الإقليميين”، وأبدت أسفها لأنّ الولايات المتّحدة طرحت المشروع على التصويت من دون أن تسعى للحصول على توافق في مجلس الأمن قبيل افتتاح الجلسة.
التبرير التكتيكي لغوغين ليس محض صدفة ولا مجرد اعتذار ضمني من واشنطن، إنما ينبئ عن تحرك أمريكي فرنسي مرتقب بدأت بوادره تتأسّس على سواحل المتوسط، قرب مرفأ بيروت وعلى أرضه، حيث يتصاعد حضور الدولتين سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً أيضاً؛ هذا ناهيك عمّا سنشهده قريباً من تحرّك واشنطن باتجاه إعادة فرض العقوبات الأممية كافة المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وذلك في خطوة أولى على طريق المواجهة الحازمة مع إيران إثر تقويض مشروعها في مجلس الأمن.
لقراءة المقال من المصدر (اضغط هنا)