العميد الركن مصطفى الشيخ – تفاصيل برس
يخطئ من يظن أن النظام السوري فكّ ارتباطه بطهران، ويخطئ من يظن أن موقع سوريا وبوجود هذا النظام المتحالف استراتيجياً من طهران لا يشكل العمق الإستراتيجي لحزب الله وبنفس الوقت للمحور الإيراني، وتغيير النظام في سوريا هو مصلحة استراتيجية ليس لإسرائيل فحسب، بل لكل بلدان الشرق الأوسط، ويخطئ أكثر من يظنّ أن النظام السوري بتركيبته الطائفية يمكن إعادة تدويره، فهذا ضرب من الجنون والخيال، وغير موجود هذا التصور إلا في أذهان البسطاء من القوم.
أي جنون هذا من يعتقد أن روسيا هي المانع من إسقاط الأسد؟ الأمر ليس كذلك، والقضية أعمق وأخطر مما نظن بكثير، ولقد كتبت منذ عشرين يوماً مقالاً بعنوان نتنياهو يحقق استراتيجيته بقدرته على وضع أعدائه بمواقف الحرج وعدم القدرة على اتخاذ قرار صائب، فعندما استجر إيران لتضرب صواريخ على إسرائيل بعد سلسلة كبيرة من الأحداث بدءً من اغتيال الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، إلى هنية، إلى سرقة الملفات النووية كاملة، إلى اغتيال كبار الباحثين في الملف الإيراني، والاختراقات السيبرانية، إلى اغتيال هنية، إلى قتل حسن نصر الله، كان من الواجب أن تجتاز إيران نقطة الحرج باتخاذ قرار الرد، وكانت الردود كلها عبارة عن رسائل بأننا لا نريد المواجهة ولا الحرب، وبذلك أسقط نتنياهو ستر نظام الملالي بكذبة تحرير القدس، ثم استخدم نتنياهو نفس السبب للقيام بالرد.
وكان الرد كما تبين جلياً تدمير كل وسائط الدفاع الجوي الإيراني، وإيران باتت اليوم بدون غطاء جوي تمهيداً لضرب المفاعلات النووية، ولا معنى لكل هذه الحرب إن لم يتم تدمير البرنامج النووي الإيراني، ثم بدأت إسرائيل بالقول: إن الضربة الإسرائيلية لإيران لا تشمل الرد على محاولة اغتيال نتنياهو لتبقى الفرصة مواتية وزمام المبادرة بيد إسرائيل، وبقيت إيران في نفس نقطة الحرج، فتصريحاتها بعد الضربة تراها بين النقيضين، بين التهديد بالرد، وبين أن الضربة لم تحقق أهدافها ولا تستوجب الرد، ليبقى النظام الإيراني في حالة من القلق وينتظر دوره القادم لا محالة.
وبذات التوقيت فإن إسرائيل لا تضرب حزب الله وفق المعتاد في الحروب وفق قواعد الحرب، بل هي تضرب بطريقة فيها نوع من الاستئصال والإبادة من الجذور كما شاهدنا اليوم والبارحة من امتداد القصف بقوة غير معهودة وخاصة في القصير، وهذا دليل على أن إسرائيل تعرف كل الأهداف ويتم تدميرها وفق جدول زمني، والواضح جداً أن مدينة القصير كما نحن السوريون نعلم هي بوابات لحزب الله لإدخال السلاح وتهريب المخدرات ومستودعات احتياطية للحزب، والدليل الانفجارات للذخائر والصواريخ التي تلت القصف وبقيت لفترات طويلة، في حين أن بشار الأسد يحاول أن يخدم إسرائيل سواءً بالصمت أو التضييق على عناصر حزب الله في سوريا وهذا محض تمثيل لا أكثر، ولو يمتلك ذرة من الشرف الوطني لأنكر ما يحصل من تقدم إسرائيل على طول الجولان مجتازة خط فصل القوات، والضربات غير المتوقفة منذ عام 2015 والتي بلغت المئات، فلا يوجد احتفاظ بحق الرد ولا الرد ولا حتى ذر رماد في العيون، مموهاً نفسه ومتخفياً بالصمت لعلّ إسرائيل تعيد النظر بإمكانية التعاون مع بشار الأسد، وهذا أيضاً هو آخر أمل يتعلق به هذا الولد المعتوه والفارغ والتافه، فقد أصبح بشار الأسد مضرب المثل على مستوى العالم في العمالة والدياثة والانحطاط، وسكتت أبواقه التي تتكلم عن الصبر الاستراتيجي وانتصارهم على المؤامرة الكونية، كذب وكذب وكذب، غير مدركين هؤلاء القابعين في كهوف الماضي والأحقاد أننا اليوم نعيش في عصر النور الكامل، بحيث أبسط الناس يعرفون الحقائق كما هي، فأي سقوط أكثر من هذا؟ وأي إهانة يقبل بها هذا النظام وما وصل إليه، وكل هذه الخيانات والأدوار التي لعبها النظام من قتل وتدمير لشعبه واستقدام شذاذ الآفاق ليعينوه على قتل شعبه تعود لسببين لا ثالث لهما كوضوح الشمس في كبد السماء، التمسك بالسلطة والحقد الطائفي وفقط، وهذا هو القاسم المشترك للتحالف مع نظام الملالي، وكل ما دون ذلك كذب وتدليس وافتراء، لكن اليوم فقد انقلبت المعادلة رأساً على عقب، ودعوني أنقل لكم ما صرّح به القادة الإسرائيليين لتدركوا أن النظام السوري ضمن دائرة الاستهداف القريب:
يقول غالانت:
– إن ايران أصبحت وحيدة والوضع صعب لحركة حماس وحزب الله ولا يمكنها مساعدتهم.
– حققنا مكاسب غير مسبوقة امام ايران وقواتنا غيرت ميزان القوى في الشرق الأوسط.
– مهمتنا لم تنتهي بعد.
– وشدد على أن أي أحد شارك في الهجوم علينا لن يفلت من ايدينا وسنحاسب الجميع . [إذاً بشار من الجميع أم لا؟].
يقول نتنياهو:
– نعالج أذرع الأخطبوط ونضرب في الوقت نفسه رأسه في إيران.
– هناك ضغط لتحقيق تسوية في لبنان قبل الأوان والواقع أثبت العكس.
– سنمضي في تغيير الشرق الأوسط ولكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحديات كبيرة ولا أقلل من شأن أعدائنا.
– يوجد لإسرائيل حرية عمل كبيرة في إيران أكثر من أي وقت مضى [بالطبع يشير إلى أن أيران غدت بدون غطاء جوي فقد تم تدميره بالكامل]. ولا معنى استراتيجي لإسرائيل دون قطع رأس الأخطبوط وبرنامجه النووي، وتكون حرب عبثية بدون تحقيق هذا الهدف.
وهكذا ترون أن دواء الأذرع المعالجة أما الضرب الحقيقي سيكون في الرأس في إيران، وهذه التصريحات أوضح من الواضحات، أن نظام المجرم بشار قيمته معالجة بسيطة وهو جزء أساس في صناعة وتقوية ورعاية وخط إمداد والنسق الثاني الاستراتيجي لحزب الله، وواسطة العقد للمحور الإيراني، أي حرب ستحقق تغيير استراتيجي للشرق الأوسط ونظام بشار موجود؟ اليس هذا تصور مجنون؟ إسرائيل وما حققته وتحققه وعلى مرأى ومسمع العالم برمته دون أن يحرك ساكناً تخشى أن يخلف بشار الأسد نظام يهددها؟ أي خرف هذا وأي أوهام تلك؟ وهل بالأصل قادر نظام الأسد بتركيبته الطائفية أن يعود لحكم سوريا؟ إسرائيل واليهود أذكى وأعمق وأدق من أن يهدموا المحور الإيراني ويتركوا نظام بشار الأسد وأبوه الذين كانا سبباً أساسياً فيما يحصل اليوم، وقريباً وليس بعيداً ستضرب إحدى أعمدة النظام الأساسية في سوريا، وقريباً سيذل بشار الأسد بوضعه في آخر درجات الإهانة والابتزاز:
إما أن تعلن رسمياً التخلي عن إيران وإخراج المليشيات وعلناً وإما فتحسس رأسك، هذا الرأس الذي لا قيمة له لا في روسيا ولا في كل المحافل الدولية والإقليمية، والأصعب والأدهى لا قيمة لخائن بين شعبه، وعلى الطرف الآخر فإن الإصرار الدولي والإقليمي على اقتلاع الإخوان المسلمين هو بنفس الإرادة والتصميم ضد المحور الإيراني، لأنهم من ذات العقل العفن وذات السحنة وذات التقية وذات المضمون.