يصادف اليوم السادس والعشرين من شهر تشرين الأول 2024، الذكرى السنوية الثامنة لـ “مجزرة الأقلام” في بلدة حاس بريف إدلب الجنوبي، والتي طالت مدارس تعليمية من قبل الطيران الحربي التابع للنظام، وخلف عشرات الشهداء والجرحى بين طلاب المدارس.
بلال الخلف، يروي ما شاهده في ذلك اليوم العصيب:
حين كان النهار في طريقه للانتصاف، والشمس تملأ الأفق دفئاً، أطلّ الصباح بوجه مُشرق رغم ما تعوّدناه من توترٍ تحت سماء تُخيّم عليها المآسي. كانت نسائم باردة تهبّ بين حين وآخر، وكأنها تستبق شيئاً مجهولاً، نثرات بردٍ تتسلل لتذكّرنا بأن لا شيء مستقرّ، لا في الجوّ ولا في هذه الحياة التي ألفنا بها انعدام الأمان.
بين أصوات المدارس وابتسامات الأطفال العائدين أو المتجمهرين في الساحات، بدا اليوم عاديًّا كغيره.. لكن فجأة، شقت السماء صرخة هادرة، بدا كأنها تمزق هدوء المدينة.
كانت طائرات “السوخوي” قد بدأت تحوم في السماء، تهبط على علو منخفض و تنفث شرارات الموت. حتى وقع الانفجار الأول! طائرات النظام السوري أقبلت لتقطع حبل الأمان الزائف وتُحيل المكان إلى مشهدٍ لن أنساه ما حييت.
دوّت الصواريخ المظلية في السماء، ومعها دوّت صرخات الأهالي، كانت مزيجاً بين الوجع والصراخ والبكاء الذي ينفطر له القلب.
حاولنا أن نلتقط أنفاسنا، أن نفهم أو نصدّق، حتى تحوّل الأمر إلى جحيم تلو الآخر. كان الطيران الحربي قد استهدف تجمعًا يضم عدة مدارس، دون رحمة أو تردد، وفي تلك اللحظة أدركت كم هو عميقٌ إحساس العجز في مواجهة هذا الإجرام.
سقط العشرات من الطلاب بين شهيدٍ وجريح، المراصد كانت تصرخ، والإسعافات تتدفّق والآباء والأمهات يهرعون نحو المكان، غير مُصدقين للمنظر الذي أمامهم. لم يكن الأمر سهلاً على أيّ أحد، كان كلّ شيء حولنا يتحول إلى صرخة ألم، إلى تساؤل حائر: كيف يمكن لهم أن يقصفوا أطفالاً بهذه الطريقة؟
وسط هذا المشهد، تبرز ملامح الأطفال، مغطاة بالغبار وكأنه جزء من الركام. وجوههم مشوشة، لا ترى منها سوى خيوط الدموع تتسلل ببطء على خدودهم، تتساقط الدموع مخلوطة بتراب الأرض وكأنهم يودعون الحياة بدموعهم. كان بعضهم يسيرون بين الحطام حافيي الأقدام، وكأنهم فاقدون لوعيهم من هول الصدمة، يسيرون كالسكارى، خطوات متعثرة على بقايا الشظايا والأنقاض.
ثم جاءت الضربة الثانية، كأنما جحيم متكرر على الأرواح التي لم يُكتب لها النجاة من الجولة الأولى.
في نهاية هذا اليوم المظلم، كانت الحصيلة تقطر دماً وحسرة؛ فقدنا 17 طالباً، ومعلمتين جليلتين، و17 مسعفًا من بينهم الطبيب الخلوق يوسف الطراف، الذي كان رمزاً للشهامة والرحمة في مدينتنا.
هذا يوم لن تمحوه الذاكرة، سيبقى في قلبي حياً، وسيظلّ هذا المكان شاهدًا على وحشية النظام وجرائمه، وعلى ضعف العالم وصمته.