تفاصيل برس – مصطفى عباس
يقول مطيع البطين إن الهدف من تأليف كتابه ” الاحتلال الإيراني لسوريا- الممارسات والمواجهة” هو جمع كل الجهود من جوانب شتى – سياسية، توثيق، رصد، تحذير- التي عملت على فضح إيران وجهودها الحثيثة في تغيير سوريا على مستوى الهوية والديمغرافيا والمذهب، فضلاً عن استنهاض الهمم لصد غائلة العدوان الإيراني.
الكتاب الذي صدر مؤخراً لعضو المجلس الوطني السابق، عن دار الأسرة العربية تم تقسيمه إلى ثلاثة فصول.
الفصل الأول: حقيقة المشروع الإيراني الاحتلالي في سوريا.
وفي هذا السياق، ذكر الكاتب أسماء عشرات المساجد التي تم تحويلها إلى حسينيات في مناطق متفرقة من دمشق وريفها وحمص وحلب وصولاً إلى دير الزور والبوكمال على الحدود العراقية، وما يستتبع ذلك من تغيير الأذان المعتمد في سوريا منذ انتشار الإسلام فيها، وأشار البطين إلى اعتقال نحو عشرين مؤذناً رفضوا أن يأذنوا على الطريقة الشيعية، فيما تم رفع رواتب المؤذنين الذين قبلوا.
وعدد الكاتب نحو عشرين حوزة شيعية قد تم بناؤها في مدينة السيدة زينب، تلك القرية الصغيرة في ريف دمشق، التي كان اسمها راوية، وأهلها تاريخياً كلهم من السنة.
فضح ممارسات إيران.. كتاب “الاحتلال الإيراني لسوريا- الممارسات والمواجهة”
مقامات مخترعة
وفي ذات السياق يذكر الكاتب كيف يلجأ الإيرانيون لاختراع مقامات ليثبتوا أن تاريخ سوريا شيعي، من مقام السيدة سكينة في داريا إلى عين علي في القورية بدير الزور، ويرافق ذلك طبعاً صبغ المنطقة بالطراز العمراني الفارسي، إضافة إلى شراء العقارات المحيطة بهذه المقامات، ويقوم بهذه المهمة وسطاء سوريون، وذكر الكاتب أكثر من ثمانية آلاف عقار اشتراها الإيرانيون مؤخراً بدمشق القديمة، خصوصاً في ظل الكساد الاقتصادي في سوريا، والانفلات الأمني، وما يرافق ذلك من حرائق متعمدة في الأماكن التاريخية، هذا ما يحرص عليه الإيرانيون، كونه يساعدهم على شراء العقارات بالأسعار التي يريدونها، وبذات الوقت هذا يساعد على حسب الرؤيا الاثنا عشرية على ظهور المهدي المنتظر، الذي لا يظهر إلا بعد أن يكثر الهرج، الذي يعني القتل وسفك الدماء.
طبعاً هذه العملية يرافقها الكثير من دعوات الكراهية والتحريض والثأر، كـ ” يا لثارات الحسين” و”لن تسبى زينب مرتين”، وتحت هذا الشعار الأخير قام زعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله بتبرير تدخل حزبه في سوريا، بعد ان كان النظام مترنحاً على وشك السقوط.
التشيع السياسي: يرى فيه الكاتب محاولة الإيرانيين وراثة الإمبراطورية الفارسية، ولكن عبر لبوس ديني، (المظلومية والانتصار لآل البيت) وما يرافق ذلك من تصدير للثورة الإيرانية، ومحاولة شق صف المسلمين عبر تشييعهم، وقتل التعايش فيما بينهم، وبالتالي تهجير من يرفض هذا النهج، كما حصل في مناطق واسعة من سوريا.
ويشهد على بؤس المشروع الإيراني هو الواقع المزري الذي تعيشه العواصم العربية الواقعة ضمن المشروع السياسي الإيراني كدمشق الغارقة اليوم في بحور من المرض كورونا، وإفقار وتخليف ممنهجين، وصنعاء التي لا يختلف وضعها عن دمشق، فيما بغداد عاصمة العراق، أغنى دول العالم نفطياً باتت تستدين من السعودية كي تغطي النفقات الحكومية، وماذا يمكن أن يتكلم المرء عن بيروت تلك العاصمة التي سميت في يوم من الأيام باريس الشرق، فيما هي اليوم تفتقر للكهرباء ولا تستطيع سلطاتها حتى جمع القمامة من الشوارع.
رفض التقاتل الطائفي
المشروع الجيوسياسي الإيراني الذي يحاول تثبيت الهلال الشيعي، الذي حذر منه الملك الأردني عبد الله الثاني عام 2003، هدفه وصول إيران إلى المتوسط وتصدر الغاز الإيراني إلى الأسواق العالمية، وتعتبر سوريا صلة الوصل ما بين إيران وحزب الله في لبنان.
إلا أن البطين لا يغيب عنه التحذير من مشروع الفوضى الخلاقة الذي دعت له وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندليزا رايس عام 2005، القائم على التقاتل الطائفي في المنطقة، مطالباً أبناء المنطقة بالتكاتف للعمل على إفشال هذا المشروع.
الفصل الثاني: الأساليب التي اتبعتها إيران في سوريا.
وهنا اعتمدت إيران على منظومة إعلامية تضم عدداً كبيراً من القنوات، كقناة المنار والعالم وغيرها، وكلها تدعو لوجهة النظر الإيرانية السياسية، عبر التسويق لمحور ” المقاومة” ونشر التشيع بشكل مباشر أو غير مباشر. فضلاً عن الأساليب الثقافية، وهي المهمة التي تقوم بها المستشارية الإيرانية في دمشق، التي تشجع على تدريس اللغة الفارسية وتنشر الكتب المؤيدة لإيران وتشيعها وتجذل لمؤلفيها العطايا، كما تهب المنح الدراسية، والبعثات والرحلات إلى إيران.
إنشاء المدارس والجامعات
كما تقوم إيران على شراء ذمم بعض شيوخ العشائر، وافتتاح المدارس الابتدائية خصوصاً في شرق سوريا، حيث تدفع المساعدات لأهالي الطلاب الذين يقبلون أن يدرس ابناؤهم في هذه المدارس، وفي هذا السياق عدَّدَ المؤلِف 25 منظمة تعمل في أغلب المحافظات السورية.
فضلاً عن إنشاء عدة جامعات إيرانية في سوريا، وتوقيع اتفاقيات توأمة بين الجامعات الإيرانية ونظيرتها السورية
ولا تنسى إيران الجانب الاقتصادي، الذي دخلته مؤخراً عبر شركة الاتصالات الإيرانية، وقبل ذلك كانت تتغلغل في الاقتصاد السوري من خلال البنوك والمصارف الإسلامية، ورجال أعمال متشيعين مقربين منها.
شعارات براقة
وتلجأ إيران كثيراً للشعارات البراقة، التي تدغدغ مشاعر المسلمين، بينما هي في الواقع لا تفعل شيئاً سوى ترداد الشعارات، فمنذ عام 2006 هدد الرئيس الإيراني الأسبق محمود نجاد أنه سيزيل إسرائيل من الوجود، ولكنهم إلى الآن لم يطلقوا طلقة واحدة باتجاهها. كما تردد إيران كثيراً ” التقريب بين المذاهب الإسلامية” فيما رفض الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب محمد علي تسخيري حتى إنشاء جامع للسنة في طهران! وشعار ” الوحدة الوطنية” التي تعني حرفياً التوحد تحت قيادتهم، وإلا فإن التقتيل والسجن والتعذيب والتهجير والتشريد سيكون عقوبة من يرفض.
تجنيس الشيعة
وهنا تأتي أهمية الحديث عن التجنيس الذي تقوم به السلطات السورية للمقاتلين الشيعة وعائلاتهم، ” على مبدأ الأرض لمن يدافع عنها” الذي قاله بشار الأسد في أحد لقاءاته، بحيث يتم تغيير النسب السكانية، فيكون للشيعة وإيران نسبة كبيرة، يشكلون معها رقماً صعباً يصعب تجاوزه، وتتفاوت الأرقام في ظل تكتم كبير بين تجنيس مليوني شخص ومئتي ألف.
ميليشات طائفية
هذا المشروع يجب أن يكون له أذرع عسكرية كان يقودها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وذكر الكتاب أن في سوريا نحو ستين ميليشيا طائفية من لواء فاطميون لأفغاني، إلى زينبيون الباكستاني، إلى حزب الله اللبناني، فضلاً عن ميليشيات عراقية وسورية، وحوالي عشر قواعد عسكرية إيرانية.
قاسم سليماني
لا يمكن عند الحديث عن الاحتلال الإيراني لسوريا عدم التطرق لقاسم سليماني الذي قتل بغارة أمريكية قرب مطار بغداد في بداية هذه السنة، فهو الذي أثنى بشار الأسد عن مغادرة سوريا عندما كان نظامه على وشك السقوط، وهو الذي كان يدير المعارك في سوريا، فضلاً عن انه هو من ذهب إلى موسكو حاثاً روسيا على التدخل في سوريا، بعد أن عجزت إيران وميليشياتها عن صد التقدم لقوات المعارضة في عام 2015، وهو الذي أشرف على حملات التهجير الطائفي والتغيير الديمغرافي في سوريا، فهو كان بمثابة المندوب السامي الإيراني في سوريا ولبنان والعراق واليمن، ويعتبر الشخصية الثانية بالأهمية، بعد المرشد العام للثورة علي خامنئي، لذلك كان مقتله أكبر ضربة تتعرض لها إيران منذ انتهاء حربها مع العراق.
الفصل الثالث: أساليب مواجهة هذا المخطط.
يتناول الكاتب عدة مواقف ساهمت في تعرية إيران، منها انكشاف زيف رجلها في لبنان حسن نصر الله، عندما أيد كل الثورات العربية، إلا في سوريا، بينما الوضع في سوريا، هو من أسوأ الأوضاع.
داعياً لكشفه عبر الإعلام، وتوثيق انتهاكاته الكبيرة وعرضها على الجمهور العربي، ومقاومة هذا الاحتلال بكل الأساليب الممكنة، ليس فقط عبر السلاح، بل كذلك الكتب والكتيبات التي تفضح إيران، وصولاً إلى الفتاوى التي تحرم بيع العقارات للإيرانيين، فضلاً عن التحالفات السياسية التي تخدم القضية السورية.