بات خليل، الفتى الصغير، مرافقاً لأخيه أحمد في سيره، وتأمين ظروف الحياة، بعدما فقد بصره على يدِ قوات النظام، في جبل الأكراد بريف اللاذقية.
يقول أحمد، الذي يعيش في مخيم (قاح) على الحدود السورية التركية وينحدرُ من ريف إدلب الجنوبي: أخي الصغير بات يساعدني، حتى في الذهاب إلى الحمام، وفي تغيير ملابسي، وفي الذهاب إلى الحلاق.
تنقّل أحمد بين عدّة مشافٍ بعد إصابته، إلّا أن عدداً من الأطباء أخبروه إنه من غير الممكن إطلاقاً أن يُبصر النور مجدّداً، لأن الشظايا التي اخترقت العين الأولى وخرجت من الثانية، تسببت بتخريب شبكيات العين بالكامل.
يقول الطبيب “شاكر الحميدو”، وهو طبيب ميداني منذ بداية الحراك الثوري في سوريا: حرمانُ أحمد، وغيره الكثير من السوريين أبصارهم، ليس أمراً عادياً، عندما يأتي الحرمان، على يدِ من يتغنى بنه الناس بـ(طبيب العيون)، وأرى في حالة أحمد وغيره دليلُ دامغ على أنّ شمّاعة الطبيب والدارس والمثقّف والرئيس اللطيف، يجب أن تُنزع من عقول العالم بأسره، إنها صورة مشوّهة، يخدع بها بشار الأسد الناس في كل بقاع الأرض، وهو لا يتعدّى مجرم حرب”.
وطبيب العيون، لقب ينادي به موالو بشار الأسد رئيسهم على سبيل الدلع والاستلطاف، في إشارة منهم إلى دراسته في بريطانيا، وأخلاقه التي لم يرَ منها السوريون غير الدبابات والطائرات والمعتقلات.
علي لا يتمنى أن يبصر مجدداً:
أما “علي” الطفل الذي يعيش في إحدى المدن التركية، والذي فقد بصره بقصف لقوات النظام، على حيّه (الجزماتي) في مدينة حلب، تحوّل فجأة من طفل كان من المفترض أن تضجّ به الأرض مرحاً، إلى بائع محارم، في شوارع “أزمير” التركية، ليساعد أمه وإخوته اليتامى في تأمين ظروف حياتهم.
وفي شريط فيديو، لا يتمنّى “علي” الذي تحدّث برباطة جأش، سوى يبقى قادراً على مساعدة أمه، أما أمنيته في أن يعود بصره، فيراها أمراً ثانوياً، معلّلاً أنه (عند الله سيرى أفضل).
كما أنّ هناك طفل آخر يدعى “يزن صبحي” فقد بصره بقصف لقوات النظام على حيّه، وبات لاجئاً في إحدى مخيّمات النزوح، لا يرى.
فقد بصره حزناً:
وليس القصف وحده من أفقد الكثيرين أبصارهم في سوريا، إنما للقهر والحرمان دور في ذلك، ولو أنّ عودةَ النبي يوسف ردّت لأبيه بصره، إلّا أن الحال يختلف عند السوريين.
ففي الأردن أيضاً، والتي لجأ إليها الدكتور الجامعي “سعيد عبدو” نازحاً من حيّ “بابا عمر” في حمص، بعد سنوات من التضييق والتحقيق والاعتقال، وصل إلى الأردن، بعدما أقصوه من التدريس، وما هي إلّا فترة وجيزة، حتى فقد بصره حزناً وكمداً على هجرته من سوريا، ووفاة زوجته، التي كان يرى فيها سوريا المصغّرة في غربته.
يقول: لم تتوقف عيناي عن ذرف الدموع، عندي وطن أشتاق إليه في كل لحظة، مؤسف أنه صار حلمي أن أدفن فيه بعد مماتي”.
ولا توجد إحصائيات دقيقة، لعدد المصابين بالعين، جراء القصف الذي تشنّه طائرات النظام ومدفعيتها منذ مطلع 2011، على المدن والبلدات السورية، وما يظهر في وسائل الإعلام، هو القليل من عشرات الإصابات التي بات أصحابها، يعيشون ظروفاً صعبة، في الوقت الذي يتغنّى النظام ورموزه بطبيب العيون.