جميل أن يكون للفنان صوت في الدفاع عن المظلومين، والسعي دائماً لإرواء الناس الظمآى وإشباع الأمعاء الخاوية.
هذا الكلام ينطبق على قلة قليلة من الفنانين الذين انبروا للدفاع عن أهل الحسكة العطاشى بعد قطع المياه عنهم من قبل ما يسمى الجيش الوطني، المدعوم تركياً، كمكسيم خليل وكندة علوش، وغيرهم من الذين كان لهم موقف في كل المأسي الإنسانية، التي مر بها السوريون.
صحيح أن الماء قد بدأ وصوله إلى الحسكة منذ أيام إلا أن هاشتاغ “انقذو الحسكة من العطش” مازال يحصد تفاعلاً على شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا سببه أن الفنانين السوريين وغيرهم من الذين عندهم ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي قد هبوا للدفاع عن هذه المدينة الواقعة في شمال شرق سوريا، رغم أن الكثير من المتفاعلين مع الهاشتاغ لم يسمعوا باسم مدينة الحسكة إلا مؤخراَ، وهذا ما يفسر استمرار التفاعل، رغم عدم معرفتهم للآخر تحديثات الخبر.
المبكي في القصة هو أن بعض الفنانين الذين تفاعلوا بقوة مع عطش الحسكة هم من الذين بلعوا ألسنتهم عندما كانت مدينة مضايا تتضور جوعاً، وحينما كانت الغوطة الشرقية مخيرة بين الجوع أو الركوع، فهل يختلف الحال بين الموت عطشاً أو الموت جوعاً، رغم أننا ولله الحمد لم نسمع عن أحد في الحسكة قد مات من العطش، ولكن الذين ماتوا من الجوع في الغوطة الشرقية ومضايا ومخيم كثر.
وهذا السكوت المقيت يمكن عزوه لعدة أسباب، أولها الخوف، فهناك فنانون من الذين يوصفون بالرماديين، يريدون أن يحافطوا على جمهورهم على ضفتي النهر، لذلك لا يريدون ان يعبروا عن رأي يزعج طرفاً على حساب آخر، وهناك صنف هو متعاطف ولكنه يخشى فتك النظام به إن هو تعاطف مع منهم معارضون للنظام، والخوف هنا يبدو لي مبرراً، سيما مع هذا النظام الذي يفتك بمن يعارضه دون رحمة، فإلى اليوم لا أحد يعرف مصير الفنان زكي كورديلو وابنه مهيار، والكاتب الدرامي عدنان زراعي.
الصنف الأسوأ في هؤلاء الفنانين هم الذين يبررون جرائم النظام كدريد لحام وباسم ياخور وغيرهما، وهؤلاء الذين يوصفون بالشبيحة كانوا دائماً في صف النظام، الغريب أن أننا سمعنا أصواتهم الآن ” مغردين” دفاعاً عن العطشى في الحسكة، موجهين سهام نقدهم لتركيا فقط، رغم أن مسؤولية ماجرى يتحمل مسؤوليته- من وجهة نظري- قسد والجيش الوطني على حد سواء، من قوى الأمر الواقع التي تسيطر على المنطقة بدعم خارجي.
في تفاصيل هذا الموضوع يقول الصحفي ماهر شرف الدين بمقالة له: “بعد الدخول التركي إلى رأس العين وتل أبيض، جرى الاتفاق على إمداد هاتين المنطقتَيْن كهربائياً من سدّ تشرين المسيطَر عليه من قبل “قسد”، في مقابل أن يتمّ إمداد الحسكة مائياً من محطة مياه علوك المسيطَر عليها من قبل الفصائل المدعومة تركيَّاً.
وقد حدَّد الاتفاق كمّية الكهرباء المطلوبة بـ15 ميغا. -المنطقة الواقعة تحت النفوذ التركي تأخذ كهرباءها من محطة مبروكة التي تأتيها الكهرباء من سدّ تشرين. أمَّا محطَّة مياه علوك، الواقعة بين مدينتَيْ رأس العين والدرباسية، فيتمّ تغذيتها بالكهرباء عن طريق محطَّة الدرباسية. -الخطّ المغذّي لمحطَّة مياه علوك هو خطّ خاص بالآبار فقط (الحمولة حوالى 4 ميغا عند عمل جميع الآبار والمضخَّات).
-نقطة الخلاف بدأت بعد التعليق الكهربائي من قبل بعض القرى وقسم من مدينة رأس العين على الخط المغذّي للآبار، حتى وصلت حمولة هذا الخطّ إلى أكثر من 8 ميغا، ما شكَّل ضغطاً كبيراً على محطَّة كهرباء الدرباسية التي تردها كمّية كهرباء لا تتعدَّى الـ15 ميغا. -عندما قامت “قسد” بخفض الجهد، تمَّ الردّ على ذلك بتشغيل أقلّ من 10 آبار من أصل 30 بئراً. -تطالب “قسد” بأن يتمّ الالتزام بكمّية الكهرباء المحدَّدة عن طريق سدّ تشرين حصراً. وتطالب الفصائل بأن ترفع “قسد” كمّية الكهرباء الواردة إلى 20 ميغا، وإلا لن يتمّ تشغيل محطَّة الضخّ إلا بربع طاقتها (في هذه الحالة سيحتاج الماء لكي يصل إلى كلّ حي من أحياء الحسكة إلى 12 يوماً).
-حالياً، تسمح “قسد” بـ10 ميغا فقط لرأس العين وتل أبيض، بينما تُشغِّل الفصائل مضخَّتين و10 آبار فقط، في معادلة تقول: نعطيكم ماءً على قدر ما تعطوننا من كهرباء”.
الهجوم الحاد على تركيا يغذيه الانقسام الحاد بين المحاور العربية والإقليمية، وتعمل على إذكاءه دول معينة، وهذا الموضوع لا يعنيني، ولكن ما يهمني هو المدنيون الأبرياء الذين يدفعون فاتورة الخلافات الدولية والإقليمية على أرض سوريا من دمائهم ولقمة عيشهم وماء شربهم، ولكن هؤلاء الضحايا الأبرياء لا يجدون التعاطف معهم إلا إذا كان هذا التعاطف يفيد المتعاطِف ويوافق هواه، وكأن هناك ضحايا بسمنة وضحايا بزيت.