عاد اسم الصحافي الأميركي أوستن تايس للتداول في وسائل الإعلام العربية والعالمية، مجدداً، بعد الأنباء التي نشرتها وكالة “بلومبيرغ” عن زيارة مسؤول في البيت الأبيض، للعاصمة السورية دمشق، من أجل بحث قضية الأجانب المعتقلين لدى النظام، ومن بينهم تايس.
ويعتبر تايس (39 عاماً) واحداً من مواطنين أميركيين يعتقد أن النظام السوري يعتقلهم، رغم أن النظام لا يعترف بذلك أصلاً. وكان عمره 31 عاماً فقط عند اختطافه في آب/أغسطس 2012 بينما كان يمارس عمله الصحافي في دمشق ويغطي الثورة الشعبية المناهضة للرئيس بشار الأسد، علماً أنه لم يظهر في العلن منذ نشر تسجيل مصور على الإنترنت بعد أسابيع من اختفائه يظهر فيه محتجزاً ومعصوب العينين لدى مسلحين.
ويعتقد على نطاق واسع، أن الفيديو السابق أنتج فقط للقول أن جماعات إسلامية تختطف المواطنين الأجانب في سوريا. وتؤكد تلك الحقيقة وجود مفاوضات ورسائل ومناشدات دائمة من قبل الإدارة الأميركية للنظام السوري وحليفته روسيا، طوال السنوات الثمانية الماضية، لإطلاق سراحه، حيث تشير معلومات استخباراتية إلى أنه معتقل وحي في سجون النظام السوري.
وتايس هو صحافي مستقل يتعاون مع العديد من الصحف ووكالات الأنباء مثل صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة “سي إن إن” ومجموعة “ماكلاتشي نيوز”، ووكالة “فرانس برس”. واختفى أثناء توجهه من ريف دمشق إلى لبنان، ليسافر من بيروت.
ومنذ العام 2015 تتحدث تقارير إعلامية عن اتصالات سرية تتم بين الحكومة الأميركية والنظام السوري، لتأمين الافراج عن تايس، بموازاة مؤتمرات صحافية تعقدها عائلته في دول مختلفة لإبقاء قضيته حية. ونقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية العام 2015، عن دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى، أن مبعوثاً حكومياً أميركياً تمكن من رؤية تايس في تلك السنة. ويعتقد أنه دبلوماسي تشيكي، حيث تحتفظ التشيك بسفارة لها هناك، تمثل المصالح الأميركية في دمشق.
تعود جذور القضية إلى 30 أيار/مايو 2012 عندما توجه تايس، الطالب بجامعة “جورج تاون” وجندي البحرية السابق الطامح للعمل كصحافي مستقل، إلى سوريا عبر الحدود التركية حيث عبر إلى الشمال السوري ليتوجه بعد ذلك إلى مناطق ريف دمشق، وفقد الاتصال معه في 13 آب/أغسطس 2012 حيث كان متوجهاً إلى لبنان.
وذكرت شبكة “CBS News” في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 أن السلطات الأميركية تعتقد بأن تايس موجود لدى النظام السوري، وعزز هذه النظرية الشريط المسجل الذي ظهر في “يوتيوب” في تشرين الأول/أكتوبر 2012 والذي كان يهدف لتوجيه الاتهام لتنظيم “القاعدة”، ونشرته احدى الصفحات التابعة للنظام. علماً أن التنظيمات المتطرفة لم تكن تنتشر بالكثافة نفسها في البلاد في ذلك التاريخ، مثلما كان عليه الحال في العامين اللاحقين اللذين شهدا بروز تنظيمي “النصرة” و”داعش”.
وظهر تايس في الفيديو مكبلاً ومعصوب العينين بين رجال ملثمين ويرتدون الزي الافغاني بشكل مسرحي، بالاضافة لجودة التصوير وترديدهم عبارة “الله أكبر”. وقال مسؤول أميركي في تعليقه على الفيديو حينها: “يبدو كأن أحدهم شاهد الكثير من الأفلام المصنوعة في أفغانستان ثم قام بمحاولة تقليدها، لكنه فعل ذلك بطريقة سيئة للغاية”.
واللافت هنا، أن تايس اختفى عن الأنظار لمدة عامين كاملين، وهذا أمر غير مألوف في حالة عمليات الاختطاف التي تمارسها الحركات الجهادية. لكنه أمر مألوف في سوريا الأسد التي تشرف على عمليات اعتقال تعسفي. وعزز ذلك من نظرية أن مخابرات النظام هي الجهة الخاطفة.
وتعود التغريدة الأخيرة التي نشرها تايس عبر حسابه في “تويتر” إلى 11 آب/أغسطس 2012، تحدث فيها عن مشاركة مقاتلين من الجيش الحر، له في احتفاله بعيد ميلاده، كما تحدث في تغريدات أخرى عن المعارك في بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق وصفها بالأعنف بعد معارك الرستن التي قال أنها كانت حرب مفتوحة.
وبعد انطلاقة الثورة السورية العام 2011، اعتبر النظام الثورة “فبركة إعلامية” وطرد مراسلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية تباعاً بتهمة “التحريض”، واعتمد على “الإعلام المقاوم” لإيصال وجهة نظره عن الأحداث في البلاد، علماً أنه عمد منذ العام 2016 إلى توجيه الدعوات للصحافة الغربية من أجل زيارة سوريا والاطلاع على “حقيقتها”، وذلك عبر لقاءات وجولات ميدانية معدة مسبقاً تضمن بعضها مقابلات مع رئيس النظام بشار الأسد نفسه، واستطاع عدد من المراسلين المستقلين خداع النظام السوري عبر الحصول على تسجيلات مصورة من داخل البلاد، ثم تقديم تعليقات لا رقابة عليها، بعد خروجهم من البلاد، وهو ما قام به مثلاً فريق سلسلة “فرونت لاين” العام 2015.
وبحسب تقارير ذات صلة، فإن تايس كان موجوداً في سجن الطاحونة وهو سجن خاص بالحرس الجمهوري تحت الأرض، قرب أحد القصور الرئاسية ويطل على مطار المزة العسكري. وقدم بعض الموظفين العسكريين في السجن وفي بعض المشافي العسكرية معلومات للسلطات الأميركية تتعلق بالصحافي المفقود مفادها أنه تم نقل أوستن إلى المستشفى مرتين واحدة منها إلى مستشفى تشرين العسكري العام 2016.
ويبدو أن السلطات الأميركية حصلت في ذلك الوقت على معلومات سرية من رئيس مكتب الأمن القومي في نظام الأسد اللواء علي مملوك أخبرهم فيها أن تايس موجود عند نظام الأسد، ولكنه ليس معتقلاً بشكل رسمي، وإنما تم اختطافه من قبل ضابط مقرب من بشار الأسد يعرف باسم اللواء باسم الحسن، في محاولة على ما يبدو لتبرئة المخابرات السورية من تهمة اختطاف مواطن أميركي، وتأطيرها كقضية شخصية.
والحال أن باسم الحسن هو اسم مستعار للواء بسام مرهج، مدير المكتب الأمني لـ بشار الأسد، وتسلم مدة من الزمن المسؤولية عن إدارة برنامج الأسلحة الكيماوية لدى نظام الأسد بحسب بعض المصادر، وهو ضابط مقرب من الإيرانيين والروس على حد سواء، كما شغل منصب رئيس وحدة العمليات الخاصة عند النظام السوري فترة من الزمن. وظهر مرات عديدة بجانب الأسد كحارس شخصي في بعض المناسبات.
المصدر: المدن