تفاصيل برس – مصطفى عباس (بيروت)
يبدو أن العنوان ” حزب الله أقنعة لبنانية لولاية إيرانية” لا يكشف جديداً بالنسبة لغالبية العرب، خصوصاً بعد أن كشفت هذه الميليشيا عن أنيابها وبدأت باستعمال سلاحها بداية في لبنان عندما انقلبت على الحكومة الشرعية بقوة السلاح في أيار عام 2008، وهي ما بات يعرف بحركة القمصان السود، ثم بعد ذلك تدخلها في سوريا بعد أن بات النظام على وشك السقوط تحت زعم حماية مقام السيدة زينب، وليس فقط هنا، بل في كل بلد لإيران فيه وجود كاليمن والعراق.
دستور الحزب
إلا أن الكتاب الذي صدر عام 2013 لا يعالج هذه المواضيع، وإن كانت موجودة في صلب فقراته، وإنما يتناول بشيء من النقد الهادئ الوثيقة السياسية التي صدرت عن حزب الله عام 2009، التي تقول الميليشيا إنها تهدف إلى “تظهير الرؤية السياسية لحزب الله، حيث تنطوي على ما نراه من تصورات ومواقف وما نختزنه من آمال وطموحات وهواجس، وهي تأتي – قبل أي شيء آخر – نتاجاً لما خبرناه جيداً من أولوية الفعل وأسبقية التضحية”.
ظاهر وباطن
وفي الثنايا يقول مؤلف الكتاب فايز قزي إن هناك وثيقة أخرى للحزب أسموها ” وثيقة المستضعفين” صدرت أثناء ظهوره الأول عام 1985، وتلك الوثيقة هي التي عليها الاعتماد، بينما وثيقة 2009 هي وثيقة سياسية فقط، ليظهر للقارئ وكأن هناك خطين للحزب أحدهما ديني ثابت، والآخر سياسي يتغير حسب المعطيات والمتغيرات في المنطقة، وكأن للحزب الإلهي سياسة ظاهرة وأخرى باطنة. ” إنني لم أقرأ في الوثيقة السياسية مشروع الحزب هذا. لكنني قرأته في وثيقة المستضعفين سنة 1985، وقرأته تفصيلاً في كتاب الشيخ نعيم القاسم. وفي كلا القراءتين تم التأكيد: (إننا أبناء أمة حزب الله، نعتبر أنفسنا جزءً من أمة الإسلام في العالم التي نصر الله طليعتها في إيران، وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم)”.
مقاوم ومتأمرك
وينقل الكاتب عن اليساري الأردني ناهض حتر قوله ” غير أن الإسلام السياسي الشيعي، إلى ذلك كله، وقع فيما هو أسوأ. لقد فقد صدقيته، جوهرياً، بسبب ذلك التساكن السياسي بين نهج مقاوم وحدوي في لبنان ونهج متأمرك تقسيمي في العراق. وهو تساكن لا يمكن تبريره إلا بالارتباط بالمشروع القومي الإيراني الذي يقتضي، من جهة، مواجهة دفاعية مع إسرائيل مكانها لبنان، وتترتب عليها سياسات ومواقف ممانعة ومقاومة، ومن جهة أخرى، يقتضي إضعاف العراق وتقسيمه ونهبه واغتصاب أراضيه وإلحاقه، مما يرتّب سياسات ومواقف أخرى مضادة”.
عون المقاوم!
قزي الذي كان أحد المؤسسين للتيار العوني قبل أن ينشق عنه عام 2006 عقب التفاهم الذي أجراه ميشيل عون مع حسن نصر الله، تكفل الأخير بمقتضاه بإيصال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية، مقابل انضمام عون إلى هذا حلف المقاومة والممانعة، رغم أن صوره عندما كان يصافح قائد الجيش الإسرائيلي عام 1982 في بيروت تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، مهنّئاً له على نجاح الاجتياح! يقول قزي إن بعض العونيين الذين كان سبباً بانتسابهم إلى هذا التيار أخبروه أنه إذا وقع الخلاف بين عون ونصر الله فإنهم سيساندون الأخير!
انتصارات وهمية
في مقدمة الكتاب يشير الكاتب إلى أن الانتصارات الوهمية التي تتفاخر بها إيران وحزب الله وحماس “ماهي إلا واحات سراب تبددها القراءة العاقلة والممارسة المستنيرة” مشيراً إلى أن الواقع الاقتصادي والتنموي لدول وحركات المقاومة والممانعة يكذب هذا الواقع، طبعاً هذا الكلام كان عام 2013، ولكنه الآن بات واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، فإيران الدولة النفطية باتت محتاجة لقروض من صندوق النقد الدولي، ولبنان الذي يسيطر عليه حزب الله بات على شفير أزمة اقتصادية طاحنة.
الوثيقة والتقية
هكذا إذاً.. لم تنقض الوثيقة الثانية الوثيقة الأولى، بل جاءت مكملة لها ” تطبيقاً لمبدأ الحل اللغوي للمسائل والمشاكل السياسية، أو مبدأ التزاحم الفقهي أو التقية”.
تنظر الوثيقة إلى الصراع مع القوى الغربية، وخاصة الأمريكية بصورة شاملة للصراعات على الهويات والثقافات وأنماط الحضارات إلى جانب صراعات الغنى والفقر” يقول الكاتب إن الوثيقة ابتعدت عن نظرية الصراع الطبقي اليسارية لتتبنى نظرية جديدة، دون الإشارة إلى أن الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان ماكان له أن يمر لولا الدعم الإيراني له، بشكل خفي أو معلن.
عولمة أعجمية!
وتتهم الوثيقة الولايات المتحدة بزرع إسرائيل في المنطقة لتفتيتها، رغم أن وعد بلفور بإنشاء دولة قومية لليهود جاء 1917، والولايات المتحدة ظهرت كقوة دولية بعد الحرب العالمية الثانية، طبعاً هذا لا يلغي دعمها لإسرائيل، ومعاييرها المزدوجة في التعامل.
ينتهي الفصل الأول من الوثيقة إلى أن الخطر الأمريكي ليس محلياً بل إقليمياً ودولياً، وينبغي مقاومته على كل هذه الأصعدة، ليرى الكاتب أن هذا الكلام هو عبارة عن “قناع مقاوم آخر يغطي جهاداً دينياً عنصرياً يقود إلى استبدال عولمة حضارية بعولمة أعجمية جاهلية ومتخلفة”.
الدولة وحكم الأئمة
عند الحديث عن الدولة تبالغ الوثيقة بوصفها بأوصاف جميلة وعاطفية، كالدولة العادلة والقادرة والقوية والنظام السياسي الذي يحقق إرادة الشعب وتطلعاته، دون الولوج إلى مواصفات النظام السياسي، غير أن الإجابة على هذا السؤال هي في وثيقة 1985 التي تقول حرفياً ” إن النظام هو الدولة الإسلامية وحكم الأئمة في ولاية الفقيه”.
قوة عسكرية وتعطيل سياسي
بالنسبة للنظام السياسي الحالي في لبنان فرأت الوثيقة “أن الشرط الأساس لتطبيق ديمقراطية حقيقية هو إلغاء الطائفية السياسية من النظام” وإلى أن يحين إلغاء الطائفية السياسية تقول الوثيقة إن الديمقراطية التوافقية هي أساس الحكم، وهو ما عمل حزب الله عليه بعد ” غزوة أيار” ومؤتمر الدوحة، حيث تم منح حزب الله الثلث المعطل، ” فامتلك الحزب عملياً قوة تعطيل السلطة الإجرائية.. ليتمتع بفائض قوة سلطة إجرائية عرفية لا دستورية، بالإضافة إلى قوته العسكرية”.
احتلالان وثورة
وهنا يخلص الكاتب إلى أن النموذج اللبناني أمام ثورة محيرة يمثلها حزب الله واحتلالين، احتلال إسرائيلي لأراضي لبنانية في شبعا وكفر شوبا، وإيراني عندما يتحول حزب الله إلى ميليشيا وقوة عسكرية يقودها فعلياً وشرعياً الولي الفقيه الإيراني، ” ولن يخرجنا من هذا الاحتلال إلا تعقل حزب الله وانتقاله من مقاومة- ميليشيا مسلحة (ثورة) إلى حزب سياسي، وتمرده على الإمرة الخارجية (الاحتلال)، وإلا فسوف تبقى صيغ وشعارات الدولة العادلة والقادرة والنظام التي أوردتها الوثيقة مجرد أقنعة لولاية إيرانية موعودة”.
مقاومة أشكال ألوان
بالنسبة للمقاومة فتتعدد أسماؤها وأشكالها في الوثيقة، في محاولة لإرضاء كافة الأذواق من المقاومة اليسارية، إلى الجهاديين، ولكنها تبقى إيرانية الهوى والهوية، فيما تجاوزت الوثيقة سيادة لبنان وبناء دولته عندما صنفت الحركات الفلسطينية المسلحة مقاومات رديفة للحزب وإيران معاً في لبنان وفلسطين وغيرهما ايضاً.
على صعيد العلاقات العربية فلا جديد إلا ما ورد من محاولة البعض تقليد المقاومة، مضيفة أن الهوية العربية للبنان تلزمه بالقضايا العربية العادلة، وهذه القضايا من يحددها هو الولي الفقيه لا غيره.
الدول الإسلامية مختصرة بإيران
بخصوص العلاقات بين لبنان والدول الإسلامية، لا تقف الوثيقة إلا عند العلاقة مع إيران، مهملة الدور الأمريكي بالسماح بسقوط الشاه، ومن ثم الدعم الإسرائيلي لإيران خلال الحرب مع العراق، يتساءل قزي كيف يكون حزب الله حريصاً على منع الغزو الثقافي الأمريكي وهو يدعو اللبنانيين كل اللبنانيين للتشيع الإيراني، في حين أنه حتى حركة أمل وجماعة موسى الصدر تم اقتلاعهم من الضاحية الجنوبية بقوة السلاح.
هل يتشيع اليساريون؟
فيما يخص العلاقات الدولية فيرى الحزب في وثيقته أن أمريكا عدوة متجبرة، وأوروبا عاجزة، مشدداً على مطلب التمييز بين المقاومة والإرهاب، ” هكذا انتهى بند العلاقات اللبنانية الدولية في الوثيقة إلى صيغة إدخال لبنان في منظومة دولية يُستبدل فيها الشعار التاريخي الثورة (وحدة الكادحين) بشعار وحدة المستضعفين الشيعي. فهل يتشيع غداً اليساريون المعجبون بالحزب والوثيقة الجديدة؟ أم يبقى مجرد قناع للتسلل إلى طبقات اليسار وكسب مثقفيه ومناضليه؟ سؤال لا يمكن طرحه بالشكل المعاكس”.