د. محمد جمال طحان – تفاصيل برس
يشرح كتاب “إدارة التوحش” فكر تنظيم قاعدة الجهاد، وهو عبارة عن مجموع مقالات تزامن صدورها في كتاب مع التحولات الاستراتيجية التي شهدتها الحركة السلفية الجهادية، وذلك بالتحول من مقاتلة العدو القريب المتمثل بالنظم السياسية العربية والإسلامية، إلى مقاتلة العدو البعيد المتمثل بالغرب ، عموماً، والولايات المتحدة الأميركية – التي تنعتها بـ “رأس الأفعى” – بشكل خاص.
التوحش كلمة استعملها الكتاب ويقصد بها تلك الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة.
الفوضى ستكون متوحشة وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة أن تحل محل السلطات الحاكمة تمهيداً لإقامة الدولة الإسلامية ، وأن تتم ضرورة استدراج الولايات المتحدة لحروب خارج الأراضي الأميركية لتفريق قواتها وإضعافها.
كتاب “إدارة التوحش
الكتاب يرى أنه يتعين علي المجاهدين، إن هم سيطروا على منطقة ما، أن يقيموا فيها إمارة تطبّق الشرع وترعي مصالح الناس فيها من طعام وعلاج، في حين تتولي القيادة العليا – المركزية – التنسيق بين تلك المناطق وترتيب الأولويات.
مؤلف الكتاب الافتراضي أبو بكر ناجي شخصية غامضة وقد يكون الكتاب هو من صنع مجموعة أشخاص. صدر عام 2012 م في 112صفحة، بعنوان: “إدارة التوحش: أخطر مرحلة ستمر بها الأمة”.
كتاب “إدارة التوحّش” لا يأخذ بالأحكام “الوسطية”، بل يقرر قولاً قاطعاً وحقائق نهائية، ويقدّم تصورات عملية بالتحول من مقاتلة “العدو القريب” المتمثل بالنظم السياسية العربية والإسلامية التي ينعتها “بالمرتدة”، إلى مقاتلة “العدو البعيد”. وقد اكتشفت السلطات السعودية هذا الكتاب عام 2008 م، ومنع من التداول في كثير من الدول العربية، وأصبح متاحاً، لاحقاً، عبر الشبكة العنكبوتية، وترجمته وزارة الدفاع الأميركية للغة الإنجليزية بعد أن عثرت المخابرات الأميركية على وثائق ورسائل موجهة من وإلى أسامة بن لادن تشمل فصولاً من هذا الكتاب.
التوحش هو فكرة الكتاب الأساسية، فالتوحش كلمة استعملها ويقصد بها تلك الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة. لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن “إدارة التوحش” إلى أن تستقر الأمور.
يرى الكتاب أن “مرحلة التوحش” هي المرحلة الثانية بعد المرحلة الأولى التي تتمثل بـ “شوكة النكاية والإنهاك”، وقبل المرحلة الثالثة والأخيرة التي تقود إلى ”التمكين”؛ أي إقامة الدولة الإسلامية، حسب الخطاب الجهادي.”
ويؤكد الكتاب أن “مرحلة التوحش” هي المرحلة الثانية بعد المرحلة الأولى التي تتمثل بـ “شوكة النكاية والإنهاك”، وقبل المرحلة الثالثة والأخيرة التي تقود إلى ”التمكين”؛ أي إقامة الدولة الإسلامية.
يربط الكتاب في الفصل الأول بين الوصول إلى “إدارة التوحش” والمرحلة التي تسبقها؛ مرحلة “شوكة النكاية والإنهاك” التي تتمثل حسب رأيه بأربعة أهداف هي:
– إنهاك قوات العدو والأنظمة العميلة لها، وتشتيت جهودها.
– جذب شباب جدد للعمل الجهادي عن طريق القيام بعمليات نوعية تلفت أنظار الناس.
– إخراج المناطق المختارة من سيطرة الأنظمة.
– العمل على إدارة التوحش الذي سيحدث فيها.
وإزاء هذه الرغبة في تحريك “الحاضر” نحو المستقبل، وتحريك “مرحلة النكاية” نحو ”إدارة التوحش”، ينبه الكتاب من تحذيرات “الحفاظ على النسيج الوطني” هذه الشبهة الوطنية الكافرة.
ولتطبيق هذه النظرية على أرض الواقع، يضع الكتاب خطتين:
الخطة الأولى: تنويع ضربات النكاية في العدو الصليبي والصهيوني في كل بقاع العالم الإسلامي، وخارجه إن أمكن، بحيث يحدث تشتيت لجهود العدو واستنزافه.
الخطة الثانية: تشتيت قوى النظم السياسية الحاكمة في العالم العربي، بإجبارها على توزيع قوى الأمن لديها لكي تنفذ الأولويات التالية:
الحماية الشخصية للعائلات المالكة والأجهزة الرئاسية- حماية الأجانب- حماية الاقتصاد، وبخاصة البترول- حماية أماكن اللذة.
ومن ثم تكون هذه القوات الكثيرة الأعداد، الهشة، سهلة المهاجمة والحصول على ما في أيديها من سلاح. وستشاهد الجماهير كيف يفرّ الجنود، ومن هنا، يبدأ التوحش والفوضى وتبدأ هذه المناطق تعاني من عدم الأمان.
ولتحقيق كل ذلك يجب أن يتم تطوير” القوى المجاهدة” باستراتيجيات مختلفة، منها:
– استراتيجية عسكرية تعمل على تشتيت قوات العدو وإنهاك قدراته المالية والعسكرية.
– استراتيجية إعلامية تركز على الشعوب بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد والقيام بالدعم الإيجابي لهم.
ويضع الكتاب قواعد لإدارة التوحش، منها: إتقان الإدارة. اعتماد القواعد العسكرية المجربة. العمل دون كلل على تصاعد العمليات العسكرية. الضرب بأقصى قوة في أضعف نقاط العدو.
ويوصي باعتماد الشدة واتباع سياسة تقنع العدو بأنه لن يفلت من أي فعل يقوم به دون “دفع الثمن”. كما لابد من فهم السياسة الإعلامية للعدو والرد عليها.
ويدعو إلى اعتماد “أساليب تربوية” لبناء جيل من الشباب الجهادي، منها: التربية بالموعظة، وبالعادة، وبالطاعة، وبالقدوة، وبالأحداث.
وينتقد الكتاب الفكر الوسطي، وجواز التّعدّديّة السّياسيّة، وتداول السّلطة، وجواز تولّي الكفّار المناصب السّياسيّة والعسكريّة والقضائيّة في الدّولة الإسلاميّة.
الكتاب بمثابة “دستور الدولة الإسلامية المستقبلية” بالنسبة للحركات الجهادية، ولا سيما القاعدة منها، فهو نموذج للخطاب الإسلامي الجهادي الذي يعتمد على الحركة أكثر من الفكر، وعلى الفعل العسكري أكثر من الفعل السياسي، وعلى المستقبل أكثر من الماضي.
إن نظرة إلى العمليات التي تبنتها القاعدة يعطينا فكرة عن مدى تطبيق تعليمات هذا الكتاب “بدقة” من قبل أتباع التيار الجهادي المتطرف حول العالم كاستهداف أمريكا وحلفائها بالمنطقة؛ الأردن، ومصر، والسعودية؛ واستهداف الرموز الغربية من فنادق ومنتجعات سياحية كما حصل في الدار البيضاء، وبالي، وعمان، أو رموز دينية كما حدث في الكنيس اليهودي في جربا بتونس، وإسطنبول. واقتصادياً باستهداف البنى التحتية التي تنقل النفط العربي إلى الغرب كما حدث في لمبرغ في هولندا، ومركز تكرير النفط في بقيق بالمنطقة الشرقية بالسعودية. وهذا ينقلنا من إدارة التوحّش إلى توحّش الإدارة.
من الواضح أن كتاب “إدارة التوحش” يثير التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، ويدفع إلى النظر للمستقبل أكثر من الحاضر، وإذ يحيلنا الكتاب إلى زمن المسلمين الأوائل ودولتهم؛ نتساءل: هل ثمة من واقع يسمح باستعادة تجربة “دولة المدينة المنورة” التي أقامها الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، أم أن التطرّف فكر وفعل تدفع إليه الدول العظمى لتحقيق مصالحها من خلال المساعدة على انتشار العنف لتبرير الحروب المصطنعة التي تبقي قواعدها العسكرية المنتشرة في العالم، شرطيّاً لا يمكن الاستغناء عنه؟.