تفاصيل برس – خاص (دمشق)
منذ توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاتفاقية وقف إطلاق النار في سوتشي في 5 آذار/مارس 2020 توقفت المعارك العسكرية بين فصائل المعارضة السورية من جهة والجيش التركي ونظام الأسد ومعه حلفاؤه الروس والإيرانيين.
ورغم التوقف عن شنّ هجمات برية لا زالت الجبهات تشهد قصفاً متقطعاً من قبل قوات النظام السوري وخصوصاً على جبهات التماس في جبل الزاوية وريف حلب الغربي ما يتسبب بشكل مستمر بمقتل عشرات المدنيين بينهم نساء أطفال.
وركزت قوات النظام والقوات الروسية التصعيد المؤقت من خلال استهداف المناطق المدنية بقذائف ليزرية وكذلك شنّ الطائرات الروسية غارات متتالية خلال يوم واحد من أجل تحقيق أكبر قدر من الخسائر دون استمرار التصعيد لأيام عدة.
من جانبه، ينفذ الجيش التركي وقوات المعارضة السورية رمايات خجولة بين الحين والآخر ضد مواقع النظام السوري رغم استهداف النظام وحليفه الروسية القواعد التركية لأكثر من مرة في مناطق جبل الزاوية جنوب إدلب.
وحول الدور التركي في إدلب ومستقبله من يقول الباحث والصحفي التركي إسماعيل جوكتان إنه: “من المعلوم أن مدينة إدلب وما حولها تعتبر المناطق الأخيرة للثوار السوريين وأيضاً المنطقة تشكل خط أمامي للمناطق التي يوجد فيها قوات و مؤسسات تركية في الشمال المحرر”.
وأضاف جوكتان أن تركيا تقف على حبل رفيع في إدلب حيث تحتوي المنطقة عناصر تنظيم هيئة تحرير الشام و هي تعتبر كتنظيم ارهابي من قبل المجتمع الدولي، و هناك مسارين موازيين ، فالمسار الأول تحكيم النقاط العسكرية التركية الذين تم إنشاؤها في إطار اتفاقيات أستانا و سوتشي بين أنقرة و موسكو”.
أما بالنسبة للمسار الثاني فهو مساعي هيئة تحرير الشام و زعيمها أبو محمد الجولاني لإظهار الهيئة كتنظيم سوري، ثوري و غير إرهابي من خلال حملة إعلامية وعمليات أمنية ضد تنظيم داعش و مجموعات متشددة أخرى و قد نجحت تلك المساعي إلى حد ما”.
ويؤكد جوكتان أن “تركيا تدرك تماماً أنه في حال خسارة إدلب من يد الثورة سيكون هناك حجة قوية للروس والنظام لبلورة فكرة الاحتلال التركي للأراضي السورية لذلك فإن الحفاظ على ما تبقى من إدلب يشكل نقطة مهمة ايضاً في نظر أنقرة”.
وحول قيام النظام السوري وروسيا بعملية في إدلب يرى جوكتان أنه “لا يمكن القول بعدم وجود هذا التهديد لأننا لم نرى بوادر تراجع روسي من دعم النظام و لا بوادر قبول النظام بحل غير عسكري، لكن الظروف الاقتصادية و العسكري و الاجتماعية للنظام و أيضاً التوتر الشديد الذي نلاحظه في هذه الأيام بين روسيا و أوكرانيا لا تسمح لعملية عسكرية روسية على إدلب”.
وبالنسبة للجانب التركي يشير إلى أنه “من ناحية أنقرة الحفاظ على التهدئة في المنطقة هو أولوية من أجل سد موجات اللجوء لأن تركيا لا يمكن أن تتحمل موج لجوء جديدة تخترق حدودها و تزيد عدد اللاجئين في أراضيها”.
ويوضح في حديثه أنه “بحسب المعلومات الخاصة وصلتني في الفترة الأخيرة هناك احتمال صغير لعملية عسكرية محدودة؛ من قبل تركية تجاه خط سراقب و محاور تل رفعت و كوباني في حال تفاقم الأزمة الأوكرانية و تحولها إلى حرب مباشرة.
وبالنسبة لمسار سوتشي يعتقد جوكتان أن “مسار سوتشي و أستانا قد فقد مصداقيته حتى في نظر الدبلوماسيين و العسكريين من كلا الطرفين لذلك في حال حدوث عملية عسكرية شاملة أو تصادم جديد بين القوات التركية والروسية في إدلب سيكون مسار جديد يختلف عن مسار سوتشي، و التعزيزات العسكرية التركية سيكون كما يقتضيه الحاجة”.
الباحث والأستاذ في جامعة كارتكن التركية د. قتيبة الفرحات يؤكد أن “الهدف الرئيسي من تواجد القوات التركية في إدلب هو منع أي هجرة جديدة باتجاه الأراضي التركية و العمل الدبلوماسي الفعال في هذا الاتجاه، فالنوايا التركية واضحة في رفض سياسة التهجير إلا أنها ضعيفة في ظل التحالفات الدولية الرافضة للسياسات التركية و المؤيدة للميليشيات العسكرية المساندة لروسيا و إيران ولو سراً”.
وأشار الفرحات في حديثه أن “تركيا ستبقى على الأمد القريب مطبقة لسياسة القوة الناعمة في تنظيم المناطق و بناء مؤسسات خدمية و تأمين استقرار نسبي في المناطق التي تسيطر عليها في حين ستكون كقوة موازية في إدلب لهيئة تحرير الشام التي بدأت تستجيب للسياسات الدولية وهذا ربما يسهل على الأتراك المهام”.
ونوه الفرحات إلى أن “مسألة إدلب و سورية بالكامل مسألة دولية، ولو تعلق الأمر بالأسد وميليشياته لانتهت القصة منذ زمن ولكن الروس موجودون لمنع تركيا من تحقيق أي تقدم داخل سوريا بحكم القوة العسكرية”.
وشنت الطائرات الروسية غارات جوية لأول مرة منذ وقت طويل طالت المناطق الحدودية مع تركيا حيث كثفت من استهدافها للمداجن ومحطات المياه ما أدى إلى سقوط عدد من المدنيين.
بدورها، قامت هيئة تحرير الشام باستهداف مواقع النظام والمليشيات الإيرانية بالقذائف والصواريخ على مناطق ريف إدلب الجنوبي ومعسكر جورين في سهل الغاب.
وفي هذا الصدد يؤكد د. أحمد منير وهو باحث في الشؤون الروسية أن “معظم الغارات الروسية التي يتم بها استهداف مناطق إدلب تكون عبارة عن رسائل للجانب التركي أو حتى أوروبا من أجل تحصيل مكاسب من خلال الضغط بورقة اللاجئين أو حتى استهداف الاقتصاد أو المنشآت الحيوية التي تدفع الناس إلى الهجرة”.
وحول احتمالية نشوب حرب بين أوكرانيا وروسيا ودورها على الملف السوري أكد منير أنه “جل هذه الملفات متعلقة ببعضها حيث أن جنرالاً أمريكياً أكد أن الحرب الأوكرانية ستمتد إلى سورية وكذلك التعزيزات الروسية في مطار حميميم والبحر المتوسط بالقرب من الموانئ السورية لمواجهة حلف الناتو في حال اندلاع الحرب المدمرة بين روسيا والغرب”.
من جهته اعتبر أبو مصطفى العمر وهو قيادي ميداني في الجبهة الوطنية للتحرير على جبهة ريف إدلب أن “الجبهات تشهد هدوءاً في الوقت الحالي حيث أن وجود القوات التركية منع قوات النظام من التصعيد وهو ما منحنا الكثير من الوقت لإعادة رص صفوفنا وترميم الخسائر نتيجة الحملة العسكرية السابقة وكذلك تدريب مئات الشبان على حمل السلاح”.
وحول احتمالية نشوب حرب بين المعارضة السورية والنظام السوري في إدلب أكد العمر أنه “ننتظر قدوم الحرب بفارغ الصبر وخصوصاً إذا دخلت روسيا في حرب في أوكرانيا فهي كان السبب الوحيد في تقدم النظام وبدونها سيخسر عشرات المواقع في ساعات قليلة ونحن رفعنا قدراتنا بشكل كبير وقمنا بتخريج كتائب القتال الليلي والتي كانت فقدانها سبباً في خسارتنا مواقع خلال المعارك الليلية.
وفي دراسة أكد مركز جسور للدراسات أن الملف السوري و خصوصاً إدلب حالياً ليست ضِمن الأولويات لدى الإدارة الأمريكية ولذلك فإنّ موسكو تعمل على تسخين الأجواء سعياً لتركيز الاهتمام على سورية
وعلى ما يبدو أن موسكو تريد الضغط في ملف إدلب من خلال تهديد الاستقرار، بهدف التسبب بقلق لأنقرة، في محاولة لضبط مسارها مع واشنطن بحسب المركز.
وفي السياق، يشير الباحث الرئيسي في مركز جسور للدراسات وائل علوان ” أنه ما تزال الخارطة السورية تعيش مرحلة الاستقرار النسبي منذ آذار/ مارس 2020 بحكم التفاهمات الإقليمية والدولية”.
تركيا لم تصل إلى ما تريد بشكل كامل من تأمين حدودها الجنوبية وما تزال تنظر بقلق إلى التحركات من قسد في منبج وفي عين العرب، كما أن التفجيرات والقصف من مناطق قسد ضد مناطق المعارضة ما تزال تمنع الاستقرار الكامل في المنطقة، لكن مع هذا فإن المشهد الأمني والعسكري محكوم ومضبوط بشكل كامل بالتفاهمات السياسية بحسب ما أفاد “علوان”.
كما اعتبر الباحث السوري أن “الحالة العامة في سورية والتي جزء منها مناطق المعارضة هي الحفاظ على التوازن والاستقرار تمهيداً لفتح المعابر بين المناطق وانتقال الأشخاص والبضائع، كجزء من التعافي المبكر الذي هو محل اتفاق روسي أمريكي، والذي لن تتغير ما لم يؤثر على ذلك أحداث كبيرة قد تؤثر على الملف السوري”.
وفي ذات الوقت تسعى هيئة تحرير الشام إلى إحكام سيطرتها على محافظة إدلب وريفها وبذات الوقت إجبار الجانب التركي على التعامل معها ومحاولة مد جسور التعاون مع الولايات المتحدة والدول الغربية لرفع تصنيفها عن قائمة الإرهاب من خلال مواصلتها محاربة الجماعات الجهادية والتضييق عليها وآخرها القضاء على بعض الفصائل الشيشانية في ريف اللاذقية.
وتجدر الإشارة إلى أن التحالف الدولي قام خلال الأيام الماضية بعملية إنزال جوي في منطقة أطمة حيث تم قتل قائد تنظيم داعش الجديد أبو إبراهيم القرشي وذلك بعد قتل زعيم التنظيم الأول أبو بكر البغدادي في بلدة باريشا بريف إدلب الشمالي.