كشفت جريده «الاتحاد» الاماراتيه من خلال تحقيق استقصائي عن الفكر الأسود الذي اخترق جيلاً بكامله في اليمن ، بأداة التعبئة الطائفية التي قادت آلاف الأطفال اليمنيين إلى ساحات القتال وخطوط النار، وهي «ملازم الخميني»
تعد هذه الملازم اللعبة الخفية التي استخدمتها إيران في اليمن لاستمالة أبناء اليمن ضمن «خطة سرية» دامت عقدين،
اعتمدت من خلالها زراعة «خلية حوثية وليدة» خرجت من العباءة الخمينية» مهمتها غرس بذرة الطائفية في وعي الناشئة باليمن، لخلق جيل جديد بقناعات طائفية سوداء، لا يعترف ببلده ولا بعروبته، وولاؤه الأوحد للولي الفقيه،
ويزف انتماءه العقائدي لإيران بصفتها وطنه الأم ومرجعه الديني، ويعتبرون شعار «الصرخة» «الموت لأميركا الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، هي ترتيلة مقدسة تحاكي امتداد الثورة الإيرانية، إذ توصف بأنها «الراية والهوية» و«نشيد خميني» يهتفون به في تدريباتهم وتظاهراتهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية أيضاً، متجاهلين بالطبع فكرة أنهم يقاتلون أعداء من أهاليهم غير واردين في صرختهم، فليسوا أميركيين، إنما إخوة لهم، تجمعهم وشائج نسب أو صلة قرابة، ورابطة الدم والأرض، وليسوا يهوداً ولا يناصرون إسرائيل، ولا كفاراً أو ملحدين، بل إنهم يمنيون، ذنبهم الوحيد أنهم يخالفونهم.
لم يكن يخطر ببال والدة صابر العديني ابن الـ15 ربيعاً، أنه سيعود إلى حضنها بعد عامين من اختفائه، مغلفاً بملصق «الشهادة» على الطريقة الحوثية، وهو الذي يتقد حماساً منذ سنوات عمره الأولى إلى دروس «الحلقات القرآنية» التي كان ينظمها «رجال دين حوثيون» عقب صلاة العشاء في مساجد باليمن.
تفخيخ الناشئة بأفكار طائفية
«الحلقات الطائفية» تلك كانت «الفخ الأسود» بحسب أم صابر التي لا تزال تتحرق ألماً على فقدان فلذة كبدها الذي راح ضحية «المسيرة الطائفية»، تماماً كحال آلاف الأطفال الذين كان يدفعهم آباؤهم للالتحاق بمراكز صيفية وصفتها بـ«أوكار صناعة الموت»، تدور خلف كواليسها مخططات ممنهجة لنشر الفتنة وتنفيذ أجندات طائفية وكمائن عدائية وعقائدية لبناء عقلية جاهلة وذهنية تدين بـ«الولاء الأعمى» لمؤسس الحركة «بدر الدين الحوثي»، وتفضيله على الوالدين، بغية غرس «نبتة عصبوية شيطانية» في وجدان أطفال دون الخامسة، تستهدف تفخيخ عقولهم بأفكار طائفية تفسد فطرتهم وتطمس هوية مذاهبهم بنزعة متطرفة»، وبذلك تربط وعيهم بأول خيوط «التجنيد السري» الذي تديره أصابع حوثية من داخل كهوف «مران» في محافظة صعدة اليمنية بإملاءات إيرانية متشددة.
فكر خميني برؤية فارسية
يوسف واحد من مئات الشهداء الأطفال الذي ذبحت براءاتهم بشفرات التعبئة الدينية المغلوطة وسيقت أجسادهم حطباً لحروب وصراعات مذهبية «آثمة»، أسرار غسيل الأدمغة وقصص تجنيد البراعم، روتها لـ«الاتحاد» أم يوسف مديرة مدرسة للبنات بصنعاء، بعد استلامها جثة فقيدها، فقالت: ابني كان ضحية «فكر دموي برؤية فارسية» هي «ملازم الخميني»، التي استخدمها أئمة مساجد الزيدية لاستقطاب «تلاميذ نشء» إلى مصائد «حلقات المسيرة القرآنية»، تماماً كما كان يسميها ويديرها أساتذة وخطباء وأئمة مساجد وتجار متدينون مشكوك بولائهم، موزعون على مختلف مساجد الجمهورية «كمندوبين سريين» للحركة الحوثية لتوسيع رقعة انتشارها، وقد نجحوا بالفعل في استمالة آلاف الأطفال من شتى ألوان الطيف الاجتماعي اليمني، لا سيما الأحياء الفقيرة سواء من أبناء المذهب الزيدي ومذاهب أخرى، تحت مظلة «تحفيظ القرآن».
سموم مدسوسة بالدين
ولم يدرك الآباء إلا متأخراً أن تلك «السموم المدسوسة بالدين» والتي رضعها صغارهم، كانت مستوحاة من «مراجع ومناهج فارسية» لها صلة بـ«ملازم الخميني»، والتي تطفح بحسب أم يوسف بالغلو والطائفية والتعصب الأعمى الذي لاحظت ازدهاره على نحو مريب في تصرفات ابنها.
خطة طائفية بعيدة المدى
وأكدت سلوى اليريمي الصحفية والناشطة الحقوقية اليمنية المتخصصة في الحركات الدينية المتطرفة، أن مشروع تمويل النشاط الصيفي «لتحفيظ القرآن» كان ضمن خطة طائفية بعيدة المدى أدارتها أصابع إيرانية خفية من مراكز حيوية في العاصمة صنعاء، كانت تتخفى تحت ستار مستشفيات خدمية تم إغلاقها لاحقاً بعد اكتشاف أنها كانت «غرفة سوداء لعمليات خاصة للحرس الثوري الإيراني»، تستهدف في مخططاتها اختراق الهوية الدينية اليمنية لنشر الطائفية، مستعينة بالمنهج الخميني لغرس بذور معتقدات وأفكار خطيرة في وجدان النشء.
بذور التطرف
وذكرت أم أيوب الوصابي التي فقدت الاتصال مع ابنها بعد انضمامه للعمل مع الحوثيين «كحارس أمن» بمنشأة حكومية في محافظة عمران، هكذا أوهمها في آخر اتصال له، لتكتشف لاحقاً أنه أصبح «قناصاً محترفاً» في جبهات ملتهبة متنقلاً من محافظة لأخرى، يصطاد رؤوس الضحايا، دون تفريق بين جمجمة طفل أو شيخ أو امرأة. وروت أم أيوب، قصتها قائلة: بعد مضي عام من التحاقه بمركز التحفيظ التابع لمركز ثقافي وديني للحوثيين، بدأت تلاحظ أعراض التطرف، وظهرت لديه نزعة تعصب حادة، وباتت مظاهر تأثره بالفكر الخميني.
«القناديل» و«الزنابيل»
وذكرت أمهات تم تجنيد أبنائهن قسراً أن الجماعة تصنف مجنديها إلى فئتين «القناديل» و«الزنابيل»، الأولى هم أبناء الهاشميين المنتمين للمذهب الزيدي الذين حكموا شمال اليمن لأكثر من ألف عام. و«الزنابيل» هم أبناء القبائل العاديين، الذين ينتمي غالبيتهم إلى المذهب الشافعي «السني» والمالكي والإسماعيلي وغيره، هؤلاء مجرد مشاريع انتحاريين لا قيمة لهم». ووصف «القناديل» و«الزنابيل» مستوحى من التراث الشعبي الذي يجسد الصراع الطبقي منذ مئات السنين بين طبقة السادة الذين يعتبرون أنفسهم منحدرين من سلالة النبي «صلى الله عليه وسلم» و«عترته» الحسن والحسين، بينما الطبقات الاجتماعية الأخرى هم من قبائل عادية ينظرون إليها باستعلاء ودونية ويرون أنفسهم أسيادهم.
دروع بشرية
لم يسلم الأطفال من «ذوي الإعاقة» من موجة التجنيد والشحن الطائفي، وفي هذا السياق، أثبتت تقارير منظمات حقوقية وإنسانية في اليمن أن مليشيا الحوثي استخدمت أيضاً دون وازع إنساني، مئات البراعم من ذوي «الاحتياجات الخاصة» دروعاً بشرية وزرعتهم كحراس أمن في ثكنات ومخابئ تخزين السلاح وعلى بوابات نقاط تفتيش في جبهات القتال بمختلف المحافظات المحاصرة الواقعة تحت سيطرتهم. وأشارت إحصاء حديثة أعدتها مؤسسة «اليتيم التنموية» في اليمن، إلى أن جبهات الحوثيين خلفت أكثر من 79155 يتيماً غالبيتهم أطفال تم شحنهم طائفياً للانتقام لآبائهم.. مما ساهم في ارتفاع عدد القتلى الأطفال، وهذا ما أكدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» في صنعاء، وفق أرقام أممية، حول مقتل 1546 طفلاً، وإصابة 2450 جريحاً. وكشفت في تقريرها الأممي عن تجنيد 500 طفل إجبارياً واختطاف 235 محتجزاً قسرياً. كما تشير الأرقام، إلى أن هناك 9.6 مليون طفل يمني مهددون بالتجنيد الطائفي من قبل الحوثيين لاستغلال ظروفهم تحت ضربات ثالوث «الفقر والجهل والكوليرا». وكشفت منظمة سياج اليمنية عن أن مليشيا الحوثي استفادت من حشد عشرات الآلاف من الأطفال وقوداً لجبهاتها المختلفة، حيث انضم إلى الجماعة أكثر من 354 طفلاً تحت سن 18 عاماً، كانوا ضحايا الفكر الخميني، فلم يصمد غالبيتهم أمام قسوة المعارك وأهوالها المرعبة، كونهم بحسب أهاليهم لا يتمتعون بأي مهارات قتالية، أو تجارب سابقة في التعامل مع السلاح، وبوصفهم «فارين من الموت».
تجنيد 20 ألف طفل
وكان زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي قد صرح باعتزام جماعته إعادة التجنيد الإجباري في اليمن دون أن يحدد المستهدفين بهذا التجنيد، ما يجعل ذلك يشمل جميع الأعمار دون استثناء، مشيراً إلى أن هناك أكثر من 40 محور قتال، ما دفع المليشيا مؤخراً في محافظة المحويت شمال اليمن، إلى بدء حملة تجنيد إجبارية لرفد الجبهات بالمقاتلين، فيما أعلن وزير حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية الشرعية، محمد عسكر، أن الميليشيات الانقلابية جندت 20 ألف طفل حتى اليوم.
وعبر صفحة «اليمن الجمهوري» في موقع فيسبوك، تم الكشف عن حيلة الحوثيين في النفاذ إلى قلب القبيلة اليمنية وتجنيد أطفالها والزج بهم في جبهات الحرب، حيث يأخذ مشرفو الحوثي الأطفال والشباب ويذهبون بهم لصعدة ويخضعونهم فيها لدورات فكرية وعسكرية، ومنها إلى جبهات الحرب، ويقتل المئات منهم في الشهر الواحد. وهناك أسماء بعض مشايخ القبائل والنافذين الذين يجندون أطفال وشباب قبيلتهم ويبيعونهم للحوثيين مقابل بعض أموال وتعيينات، وإعلان تلك الأسماء للرأي العام.
حبوب هلوسة
وكانت عيادات ميدانية قد رصدت ظاهرة لجوء الحوثيين إلى استخدام حبوب «هلوسة» لعلاج مخاوف الأطفال وتحفيزهم لخوض المعارك، وتعليقاً على ذلك، قالت د. وفاء رجب الوادعي، طبيبة ميدانية لدى منظمة إنسانية، وجود أعراض بسبب الافراط في تناول حبوب الهلوسة وآثار جانبية على الذهن والأعصاب في تعاطي مخدرات إيرانية الصنع بغية التنشيط والسهر والتركيز طوال 24 ساعة، وهذا ما أكده أيضاً أسرى حوثيون لم تتجاوز أعمارهم 15 عاماً، كانوا قد وقعوا مؤخراً في قبضة الجيش الوطني، حيث سردوا تجربتهم مع تلك الحبوب التي تسمى «حبوب الشجاعة».
ضباط «حرس جمهوري» يكشفون فظائع
وكشف الملازم أول إبراهيم المطاع 43 عاماً جندي مقاتل ضمن قوات الحرس الجمهوري، أن الحوثيين كان يشرِّحون جرحى على وشك مفارقة الحياة، لنزع أعضائهم لصالح مافيات دولية مجهولة، أما أسرى الحرب أو من يسمونهم «دواعش» في تعذيبهم في السجون، وإجبارهم على شرب البول، قائلين لهم: «هذا بول أسيادكم».
أجندات «ملازم الخمينيي»
نتعرف عن ماهية «الملازم الحوثية» ومدى تطابقها مع ألغام «الفكر الخميني» ومحتواها وتأثيرها في تجنيد الأطفال و«تشييعهم» وكواليس أجنداتهم السرية في نشر المذهب الاثنى عشري.
إهدار دم ورأي طائفة
الإعلامي والكاتب السياسي اليمني علي البخيتي، القيادي المنشق عن جماعة الحوثيين، التي وصفها بالسلالة الكهنوتية، وقد تلقى البخيتي تهديدات بتصفيته، وتم إصدار فتوى حوثية بإهدار دمه من قبل «علاّمة» يدعى أبو «زنجبيل». وكشف البخيتي في اعترافات حصرية لـ «الاتحاد» عن أن الملازم هي بمثابة الدستور والمنهج الفكري للحركة الحوثية، وهي لا تحتوي فكراً حديثاً أو عصرياً بل إعادة قراءة لأحداث وخلافات عقائدية مضى عليها قرون طويلة، والملازم في مجملها تُعبر عن رأي طائفة، بل عن رأي سلالة داخل طائفة في الإسلام. ويشير إلى أن علماء الزيدية المعتبرين لا يقرون حسين الحوثي في اجتهاداته الأخيرة، وعارضوه علناً، لكن صوت الحرب غطى على صوت النقاش الفكري، واستهداف المذهب الزيدي والهاشميين بشكل عام جعلهم يتمسكون بحركة الحوثي كحامل سياسي وأمني وعسكري قادر على حمايتهم في وجه خصومهم من الإخوان والسلفيين ونظام الرئيس المخلوع صالح عندما كان في الحكم، وهذا لا يعني تبني الزيدية والهاشميين بشكل عام لمشروع الحركة الحوثية.
ادعاءات الحوثية والنازية واليهود
ووصف الفكر الحوثي بأنه حالة من حالات الردة التي تصاب بها المجتمعات في لحظات تاريخية عندما تنتشر فيها الحروب والفتن وتعم الفوضى والظلم، ولو حدث استقرار وسلام وأمن ما صمد الفكر الحوثي أمام حركة التحديث التي تجتاح العالم بفعل الطفرة التكنولوجية وثورة مواقع التواصل الاجتماعي، معتبراً أن ما جاء في ملازم الحوثي هو مجرد هراء وأفكار بدائية وسطحية أكل عليها الزمن وشرب، وخلاصة ما في الملازم هو أن الحكم حق أصيل للبطنيين من الهاشميين، وأن الحوثي هو «ولي الله»، و«عَلم الأمة» الذي يجب عليها اتباعه، وهي تخريجة حوثية لولاية الفقيه الخمينية لكن وفقاً لأصول وقواعد واجتهادات المذهب الزيدي، وهذه العنصرية السلالية بحسب البخيتي كفيلة لوحدها بإضعاف الحركة الحوثية وفكرها لو عمّ السلام والاستقرار، فلا فرق بين ادعاء متطرفي اليهود أنهم «شعب الله المختار» وبين أدعياء النازية بتميز العرق الآري وبين أدعياء الحوثيين والاثني عشرية بتميز سلالة معينة وأحقيتها بالحكم، كلها ادعاءات عنصرية عرقية تتناقض مع حقائق العصر وسنن الحياة.
اللغة الفارسية في المناهج
أكد علي البخيتي، محاولة الحوثيين تدريس الملازم في بعض المدارس الحكومية إلى جانب المناهج التعليمية الرسمية، لكن هناك مواجهات كبيرة وصعوبات تعرقل مشروعهم في الكثير من المناطق، وبالأخص من كوادر حزب المؤتمر الشعبي العام «حزب الرئيس السابق صالح»، مؤكداً بأنها الملازم تم إدراجها في المناهج التعليمية بشكل رسمي، ولا يستبعد تضمين اللغة الفارسية في المستقبل في جامعة صنعاء.
بوصلة الطموحات الحوثية
بوصلة الطموحات الحوثية مفتوحة على كل الاحتمالات في رأي البخيتي: «طموحات الحوثيين غير محدودة بجغرافيا ولا بكتلة سكانية، ومتى ما توافرت لهم الفرصة سيتمددون خارج اليمن وسيعبرون الحدود، فمنهجهم الفكري لا يعترف بحدود الأوطان ويتحدث عن أمة واحدة، بل عن عالم واحد، ولا يوقف تمددهم إلا القتال والمواجهة الفكرية والسياسية.
الزيدية والهاشميون ضحايا
شاع مؤخراً بأن هناك انقساماً فكرياً موجوداً داخل أجنحة الحركة الحوثية، إلا أن البخيتي نفى ذلك، «لا توجد انقسامات فكرية داخل الحركة الحوثية، فالكل فيها مجمعون على ملازم حسين الحوثي كأساس ودستور فكري لهم، وعلى عبدالملك الحوثي كقائد ومفسر لهذه الملازم».
أما موقف كبار علماء الزيدية في اليمن من نشر الفكر «الخميني» الذي تتبناه الحركة الحوثية، فقد اعتبر البخيتي أن الزيدية والهاشميين ضحية من ضحايا الفكر الحوثي، فقد جلب عليهم الويلات، واستنزف شبابهم من الطائفة الزيدية أبناء الهاشميين، الآلاف من الضحايا والقتلى، ما سيؤثر على نسيجها واستمرار توسعها في المستقبل، كما جعلهم هدفاً للكثير من القوى المحلية والإقليمية والدولية، فالحوثيون حالة تطرف داخل المذهب الزيدي مشابهة – مع الفارق – لحالة تطرف «القاعدة» و«الإخوان» و«داعش» داخل المذاهب السنية.
«هراء»عنصري سلالي
بالحديث عن الحلول واستراتيجيات ناجعة لصد هجمات الفكر الخميني ومنعه من التوغل في شرايين الثقافة الدينية اليمنية، شدد علي البخيتي، على ضرورة فهم التركيبة الحوثية، مفيداً أن الحروب التي شنها نظام الرئيس السابق صالح والسجون والمعتقلات والتعذيب وامتهان كرامة الناس فيها ومحاصرة المذهب الزيدي المعتدل والهجوم على مناطق وجوده من تيارات الإخوان والسلفيين هو ما صنع الحركة الحوثية وقدمها كمدافع عن الزيدية والهاشميين ومنحها حاضنة شعبية قوية ومقاتلة، ومتى ما ساد السلام وعم الأمن والاستقرار وعادت الحياة والتنافس السياسي ستضعف الحركة ومشروعها، لأن غالبية الشعب اليمني حتى في المناطق الزيدية ضدها، ويعتبرون أفكارها مجرد خزعبلات وهراء عنصرياً سلالياً.
تعبئة مذهبية
استطاع الحوثيون منذ أكثر من 12 عاماً تجنيد آلاف الأطفال عبر «ملازم الحوثي» التي لعبت دوراً كبيراً في التعبئة المذهبية التي كانت تنشط في المساجد الزيدية، وتهدف إلى تمرير المذهب الاثني عشري في وعيهم، ونجحت بالفعل في تحويلهم إلى مفخخات بشرية باتت أجسادهم الآلات ترفع شعار الموت في جبهات الصراع والحروب. وفي هذا السياق، قال أحمد القرشي مدير منظمة سياج في اليمن: «ليست مشكلة اليمن في عقيدة الحوثي، أو المذهب الذي ينتمي إليه فالزيدية والشافعية والإسماعيلية موجودة في اليمن منذ مئات السنين، ولم يكن اليمني يضيق بالآخر المختلف معه مذهبياً حد الاقتتال، بل كان هناك صراع مصالح إقليمية ودولية ساحتها اليمن، ووقودها اليمنيون في الوقت الراهن وستمتد نيرانها إلى الجزيرة العربية برمتها ما لم يتم احتواؤها بالحوار والتفاهم وتفكيك بؤر الصراع الحقيقية ومعالجة أسبابه وآثاره.
إقليم شيعي في اليمن
كشف السياسي اليمني القيادي المنشق علي البخيتي، أسراراً خطيرة نقلها عبر صفحته على فيس بوك، متحدثاً عن تفاصيل الخطة الإيرانية لإنشاء إقليم طائفي في اليمن، تمهيداً لنقل فكرة ولاية الفقيه الخمينية، وغرسها في قلب «صنعاء وما حولها»، تحت ستار المذهب الزيدي. وبحسب البخيتي، فإن إيران وحزب الله أنشؤوا منذ عدة سنوات، مجلساً أسموه «المجلس الإسلامي الزيدي الأعلى»، والذي يتخذ من صنعاء مقراً له، وهو مجلس شبيه بـ«المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» في لبنان، وذلك بهدف اللعب على الوتر الطائفي في اليمن، وإضعاف الزيدية الأصلية لصالح الزيدية الجارودية المتأثرة بالاثني عشرية، والثورة الخمينية وولاية الفقيه.
وتتضمن الخطة الإيرانية عدة مسارات:
– الأول مسار الحرب، وذلك من خلال دعم الحوثيين بالسلاح والمال، والدعم السياسي والإعلامي، بهدف دعم صمودهم لاستنزاف المملكة العربية السعودية وقوات التحالف العربي.
– المسار الثاني يتمثل في الاستمرار بدعم فصائل جنوبية إعلامياً وسياسياً ومالياً، وهي الفصائل التي تحمل شعارات فك الارتباط، وحق تقرير المصير، والهوية الجنوبية.
– المسار الثالث يتلخص في تعزيز قدرات الحوثيين وتدريبهم والتعاون معهم من أجل نسج تحالفات سياسية في شمال الشمال ليكونوا الطرف الأقوى لحكم دولة الشمال السابقة في حال نجح تيار فك الارتباط في الجنوب في تنفيذ مشروعه المعلن.
– المسار الرابع للمخطط الإيراني – بحسب البخيتي يكمن في إعلان «الإقليم الإمامي»، أو «الإقليم الطائفي»، وهو المسار الأكثر خطورة، مشيراً إلى أن إيران قد قطعت شوطاً في هذا المسار من خلال مجموعة من الخطوات، أبرزها، دعم الحوثيين لتغيير الخارطة المجتمعية والتوازنات المذهبية في محافظات شمال الشمال «ذمار، صنعاء، عمران، حجة، المحويت، صعدة»، وأجزاء من بعض المحافظات الأخرى.
«ولي الله»و«قائد الثورة»
وتسعى إيران لإجراء بعض التعديلات على فكرة ولاية الفقيه، لتنسجم مع الإرث المذهبي الزيدي للمنطقة، مع بقاء المضمون، من ذلك استبدال مصطلحات «الولي الفقيه» و«مرشد الثورة الإسلامية»، بالمصطلحات التالية، «علم الأمة»، و«القرآن الناطق»، و«ولي الله»، و«قائد الثورة.
وحذر البخيتي من خطورة مشروع «الإقليم الطائفي»، على اليمن وعلى دول الجوار، كونه يؤسس لنظام تحاصص طائفي في اليمن شبيه بالنظام اللبناني، الأمر الذي سيحول اليمن إلى منطقة استقطاب إقليمية ودولية، مما يؤدي إلى عزل اليمن عن دوره العربي، وفرض سياسة «النأي بالنفس» عن قضاياه العربية، تماماً مثل لبنان، إضافة إلى أن إيران تسعى لتوظيف «الإقليم الشيعي المرتقب»، في معركتها الأخيرة مع المملكة العربية السعودية والإمارات ودول التحالف العربي.