عشرات الآلاف من الأطفال في اليمن وأد الفقر أحلامهم مبكراً، وسلبهم طفولتهم وسنوات أعمارهم وتعليمهم أيضاً، ودفعهم العوز إلى أسواق العمل التي لا ترحم أجسادهم الغضة، بعضهم يجوب الشوارع لبيع بضائع رخيصة ذات مردود مالي محدود، وآخرون اقتحموا مهناً شاقة وخطيرة تمتهن طفولتهم وتعرضهم لمخاطر كبيرة.
صخر وأخته شموخ أخوان يبيعان البيض المسلوق أمام سوق نقم في صنعاء، تفصلهما عن بعض عدة أمتار. بابتسامة بريئة ونظرات حادة كانت شموخ ذات التسعة أعوام من العمر ترفع يدها اليمنى بإحدى البيضات لتلفت نظر المارة لبضاعتها. وبين حين وآخر يقترب أحدهم ليشتري بيضة، فتقدم له شموخ طبق الملح والفلفل الحار وهي مبتسمة، وكأنها تشعر بسعادة غامرة لأنها نجحت في مهمتها بتصريف حبة من طبق البيض الممتلئ.
شموخ التي كانت تراقب بنظراتها حركات الناس، وترتدي ملابس نظيفة ومرتبة، تقول إنها لا تشعر بالخوف وهي تقوم ببيع البيض أمام ذلك السوق المكتظ بالمتسوقين، وتضيف: «أخي يحرسني»، وتمد يدها نحوه لترشدنا إليه.
إنه صخر (11 عاماً) الأخ الأكبر لشموخ، الذي بدا عكس شقيقته، خجولاً وملابسه رثة، والحزن يكسو وجهه الشاحب، ورداً على سؤال عن سبب الحزن الظاهر على وجهه، يقول صخر: «لو وجدت شيئاً يفرح سأفرح».
إجابة صخر اختزلت الوضع المأساوي الذي يعيشه أطفال اليمن بعبارة بسيطة وعفوية.
لا توجد مساحة للفرح، فهو يقضي كل يومه في بيع البيض، وحتى لو أكمل صخر بيع طبق البيض بالكامل، فإنه كما يقول: «يأخذ ما تبقى من بيض لدى شقيقته شموخ ليقوم ببيعه، ويأمرها بالعودة إلى المنزل قبل حلول الظلام».
صخر وشموخ يعملان بعائد بسيط يتراوح بين 600 و700 ريال في اليوم نحو (2 دولار)، لكنهما يوفران لقمة عيش متواضعة لأسرتهما، يقول صخر: «لو لم نعمل فسوف ننام في الشارع، فوالدي المريض لا يستطيع توفير إيجار المنزل الذي نسكنه، ولا ما نأكل».
أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن الدكتور سيف محسن يرى أن الفقر وصعوبة المعيشة يجبران الأسر على دفع أبنائها إلى سوق العمل، بينما تحمل أخصائية علم الاجتماع بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بصنعاء الدكتورة نجاة صديق الحرب الدائرة في اليمن مسؤولية ما آل إليه حال الطفولة، وترى أن استمرارها وتوسع دائرتها ينذران بكارثة كبيرة ستصيب الأجيال القادمة.
معاناة الأطفال لا تقتصر على الانخراط في سوق العمل فحسب، ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» فإن 9,6 مليون طفل يمني يمثلون (80 %) من إجمالي عدد الأطفال بحاجة إلى مساعدة إنسانية للبقاء أحياء، و1,8 مليون طفل مصاب بسوء التغذية العام، وأكثر من مليوني طفل خارج المدرسة من هؤلاء أكثر من 1.5مليون كانوا خارج المدارس قبل هذا الصراع، بحسب المتحدث باسم «يونيسف» في اليمن محمد الأسعدي.
وقال الأسعدي إن «يونيسف» مكنت قرابة 1,7 مليون طفل من مواصلة التعليم، منهم 17,000 طفل خارج المدرسة، من خلال إنشاء مساحات تعلم مؤقتة.