يحل عيد الأضحى ضيفًا ثقيلًا على كاهل اليمنيين، الذين يرزحون تحت نيران حرب متواصلة منذ أكثر من عامين ونصف العام، فاليوم الذي كان يجلب الفرحة إلى منازلهم ووجوه أطفالهم، بات مناسبة لتذكيرهم بأوضاع أعجزت الكثيرين منهم عن شراء الأضحية، والاعتماد في العيد على الدواجن.
ورغم أنه العيد الثالث في ظل الحرب، القائمة منذ 26 مارس2015، إلا أنه الأول الذي اختفت ملامحه بشكل شبه تام؛ جراء اتساع رقعة الفقر بشكل غير مسبوق، وتوقف رواتب موظفي الدولة منذ أكثر من 10 أشهر.
ويحل عيد الأضحى، غدًا الجمعة، بينما تجد ملايين الأسر اليمنية نفسها على شفا مجاعة، فيما أصبحت طقوسه، التي كانوا يعيشونها من شراء أكثر من خروف للعيد ،وإعداد أصناف الكعك والحلويات، مجرد ذكريات.
وفضلًا عن تدهور الأوضاع في القطاعات كافة، ولا سيما القطاع الصحي، جعلت الحرب أكثر من 20 مليون يمني (من أصل حوالي 27.4 مليون نسمة) بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق الأمم المتحدة.
عزوف عن الأضاحي
طيلة الأيام السابقة على العيد عجت غالبية شوارع العاصمة صنعاء بتجمعات صغيرة للمواشي، كموسم سنوي اعتاد عليه تجار ومزارعون لبيع أكبر عدد من الماعز والخرفان، لكن السوق شهد ركودًا غير مسبوق.
وقال تجار في سوق “نقم” الشهير في صنعاء، إن هناك عزوفًا كبيرًا من قبل اليمنيين عن شراء خروف العيد؛ بسبب تدهور حالتهم الاقتصادية، وارتفاع الأسعار مقارنة بالأعوام الماضية.
وأرجع، خالد يحيي، وهو تاجر مواشي، سبب العزوف إلى “ارتفاع أسعار المواشي بشكل جنوني وغير مسبوق”.
وتابع يحيي “نشتري أغلب المواشي (أغنام وأبقار) من خارج البلاد، وخصوصًا من (دول) القرن الإفريقي.. نشتريها بالدولار الأمريكي، والعملة الأجنبية هنا تشهد ارتفاعًا كبيرًا مقابل تدهور العملة المحلية (الريال)”.
وأوضح أن “العجل الذي كان يتم شراؤه العام الماضي بنحو 400 دولار، أي حوالي 90 ألف ريال يمني، ارتفع هذا العام إلى قرابة 150 ألف ريال، مع تجاوز سعر الدولار الواحد 370 ريالًا”.
وإضافة إلى الماشية المستوردة، يمتلك اليمن ثروة حيوانية، خصوصًا في المناطق الزراعية الساحلية والصحراوية، التي تمتاز بلحومها اللذيذة، وغالبًا ما تباع بأسعار مضاعفة مقارنة بالماشية المستوردة.
ويتراوح سعر الخروف أو الماعز المحلي، من ذوي الأحجام المتوسطة، بين 50 و60 ألف ريال يمني، أي ما بين حوالي 135 دولارًا 162 دولارًا.
وخلافًا لتدهور قيمة العملة المحلية، اعتبر يحيي العوامي، وهو تاجر مواشي، أن سبب عزوف الناس عن شراء الأضاحي هو “تدهور حالتهم الاقتصادية، وتوقف الرواتب بشكل تام، وانعدام أي مصادر للدخل بالنسبة للكثيرين”.
دواجن في العيد
وتجبر الحرب والظروف الاقتصادية ملايين اليمنيين على تناول لحم الدواجن ،بدلًا من الخرفان في عيد الأضحى، فالدواجن في متناول أكبر شريحة من اليمنيين، فيما يلجأ البعض إلى شراء لحم الخروف بالكيلو غرام.
ويتراوح ثمن الدواجن في السوق اليمني بين 1480 و1850 ريالًا، (ما بين 4 و5 دولارات)، فيما يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الخروف 3000 ريال (حوالي 8 دولارات).
وقال محمد البعداني، وهو موظف حكومي، ويعمل في مجال الإغاثة، إن “الأضحية باتت لمن استطاع إليها سبيلًا، فملايين اليمنيين لا يستطيعون توفير قطعة الخبز، وليس قطعة لحم، وبالتالي لن يكونوا قادرين حتى على شراء الدواجن”.
وأضاف أنه “في المدن سيتجه الآلاف إلى شراء الدواجن الطازجة صبيحة العيد، ويعتبرونها أضحية، وهناك من سيشتري لحم المواشي بالكليوغرام، أما في الأرياف فالجميع يحرص على شراء أضحية العيد وهي صغيرة ثم تربيتها في منازلهم طيلة السنة”.
البعداني تابع أن “منظمات محلية ومراكز إغاثية خليجية ستوزع لحوم أضاحٍ على الأسر الفقيرة وأسر شهداء الحرب، وأعدت برامج لذلك طيلة الأسابيع الماضية، سواء عبر متطوعيها أو بالشراكة مع منظمات محلية، وهو ما قد يساهم في تخفيف معاناة الشرائح الأشد فقرًا خلال العيد”.
أزمة الكهرباء
وعادة يعمد اليمنيون عند شراء خروف كامل إلى ذبحه أمام منازلهم أو على سطوحها أو عند محلات الجزارين، ثم تقسيم لحومها في أكياس صغيرة، لتلبية احتياجاتهم طيلة ثلاثة أيام.
وأجبر انقطاع التيار الكهربائي عن غالبية المحافظات، ولاسيما الخاضعة لسيطرة مسلحي جماعة الحوثي والرئيس السابق، علي عبد الله صالح (1978-2012)، آلاف الأسر على التخلي عن تلك الطقوس.
وبدلًا من ذلك تشتري تلك الأسر ما يكفيها من لحوم الأضحية لمدة يوم واحد فقط؛ بسبب استحالة وجود طاقة كهربائية متواصلة لتشغيل الثلاجات المنزلية، التي ستعمل على حفظ اللحوم طازجة.
وإضافة إلى أوضاعهم الاقتصادية المتدهورة، يزيد آلام اليمنيين في العيد أنهم لا يرون في الأفق نهاية قريبة للحرب الدائرة بين القوات الحكومية، مدعومة بالتحالف العربي ،الذي تقوده السعودية، من جهة، وبين مسلحي تحالف الحوثي وصالح، المدعومين عسكريًا من إيران، من جهة ثانية، والذين يسيطرون بقوة السلاح على محافظات يمنية، بينها صنعاء منذ 21 سبتمبر 2014.