سبتمبر نت
أوصل اهله، جثمان نجله الاكبر القسام، الذي توفي بإحدى مشافي العاصمة صنعاء، بمرض تجلط الدم، الى امام معتقله بمحافظة ذمار، على أمل، ان يتمكن، من إلقاء نظرة الوداع الاخير عليه.
انتظر المشيعون قرابة الساعتين، امام سجن كلية المجتمع في ذمار، علَّ المليشيا الانقلابية، تسمح للمختطف لديها، المحامي والناشط الحقوقي منصور الزيلعي، بزيارة ولده القسام، الذي عجزت اسرته، عن توفير مبلغ 75الف ريال قيمة ابرة “ترياق” الخاصة بتجلط الدم، كي تنقذ حياته من الموت.
غادر المشيعون خائبين، متجهين صوب منطقة الراهدة جنوبي شرقي محافظة تعز، مسقط رأس القسام، ليواروه الثرى، تاركين الاب المكلوم الذي يعتصره الالم على فلذة كبده، خلف قضبان سجن المليشيا دون ان يتمكن من رؤيته للمرة الاخيرة.
غاص المختطف الزيلعي في دمعه، وتوحد مع الامه، الذي تقطع روحه في هذه اللحظة، “ليس انهيارا او ضعفا، بل اب يبكي فراق ولده، الذي لم يتمكن حتى من رؤيته، فقد كانت وفاته كالصاعقة” قال المختطف الزيلعي.
خمسة وعشرون شهرا، والناشط الحقوقي منصور الزيلعي، لا يزال خلف قضبان الانقلابيين، حيث اختطفوه من منزله، في مدينة الراهدة، دون أي مبررات او ذنب ارتكبه.
ويظل ملف المختطفين، والمخفيين قسرا، في سجون عصابات الانقلاب، العلنية والسرية، مطمورا بكثير من الغموض، والتهرب من التعاطي معه بجدية، رغم مناشدات الاهالي، والمنظمات الدولية، وقرارات مجلس الامن، في حين يستثمره الطرف الانقلابي، ويوظفه لتمرير الكثير من اجنداته.
تنقل الزيلعي خلال فترة اختطافه، التي تجاوزت السنتين، بين اكثر من اربعة سجون، بداية اقتادته المليشيا، الى سجنها في مدينة الحوبان السكنية، شرقي مدينة تعز، او ما تعرف بـ “مدينة الصالح”، والتي حولتها الى سجن، يضم المئات من الاسرى والمختطفين، من تعز والمناطق المجاورة لها.
كغيره من المختطفين، الذين لفقت والصقت بهم، العصابة الانقلابية، كثيرا من التهم، اقلها الخيانة الوطنية والعمالة، تعرض الزيلعي، الى ابشع واقسى انواع التعذيب، النفسي والجسدي، الذي بلغ به من شدته، في احايين كثيرة، حد الاغماء غير مرة في اليوم الواحد.
من سجنها في الحوبان، نقلت المليشيا الزيلعي، الى العاصمة صنعاء، ووضعته في دار الرئاسة، اكثر الاماكن عرضة للغارات الجوية، التي تشنها مقاتلات التحالف العربي، فكادت احدى الغارات أن تودي بحياته، وكان هذا نوع من التعذيب النفسي الذي تعرض له، وغيره مختطفين كثر، وراح ضحيتها، اثنين من الزملاء، في ذمار، هما العيزري وقابل.
بهذه البشاعة والاجرام، تعاملت المليشيا الانقلابية، مع كثيرين ممن تفترض انهم خصوما لها، بعد ان اختطفتهم، اما على خلفيات مواقفهم الرافضة لجرائمها وانقلابها، او بسبب معلومات ووشايات كاذبه.
بعد سجن دار الرئاسة في صنعاء، نقلت المليشيا الانقلابية المحامي الزيلعي، الى محافظة ذمار، واودعته في كلية المجتمع، التي حولتها كغيرها من المنشآت التعليمية والحكومية، إلى معتقلات وثكنات عسكرية.
في ذمار لم يكن حظه اوفر، وكما في سجونها السابقة، استمرت المليشيا بتعذيب الزيلعي، محاولة انتزاع منه اعترافات في تهم لا ناقة له فيها ولا جمل، وماز هذا السجن عن سابقيه بضيقه، وانعدام التهوية ودخول الشمس اليه. ويكتظ سجن كلية المجتمع بذمار، بأكثر من 120 شخصا، بما فيهم الحالات النفسية، وعددا من المصابين يعتقد انهم من مصابي الحرب الاسرى، بعظهم تعفنت جراحهم، دون ان يلقوا ادنى رعاية صحية.
الزيلعي واحد من الاف الضحايا لهذه الحرب المجنونة، التي شنها تحالف الانقلاب “صالح والحوثي”، ووزعت اليمنيين على جملة من الانتهاكات، فإلى جانب المختطفين، ثمة الاف القتلى وضعفهم جرحى، وعشرات الالاف مشردين ومهجرين، وملايين قابعين بين فكي الجوع والاوبئة.
في مسيرة المعاناة هذه، ومنذ اعتقاله فقدت اسرة الزيلعي، كل ما كان تمتلكه من اموال، كانت تضعها في مصاف الفئة الميسورة، لتغطية تكاليف متابعةِ قضيتِه، حتى وصل بها الحال، ان تقف عاجزة امام توفير 75الف ريال تنقذ بها نجله الاكبر.