عاد التصعيد العسكري إلى واجهة التطورات في اليمن، وهذه المرة، يبدو أن جماعة «أنصار الله» الحوثيين، اختارت وجهتها، برًا إلى الحدود السعودية، التي لا يزال مسلحو الجماعة وحلفاؤهم يحققون فيها الاختراقات على الرغم من مرور ما يزيد عن عامين من الحرب الدائرة، وبحرًا باتجاه البحر الأحمر، الذي أوصل فيه الحوثيون رسالة إلى القوات الإماراتية المسيطرة على الجزء الجنوبي من الساحل الغربي لليمن، عبر «قارب مفخخ»، مُسيّر عن بُعد.
وأكدت مصادر محلية في محافظة صعدة شمالي اليمن، في تصريحات صحفية، وأخرى تابعة للحوثيين، أن مسلحي الجماعة دشنوا، منذ أيام، موجة تصعيد جديدة في المناطق الحدودية، شملت تكثيف القصف المدفعي والصاروخي «الكاتيوشا في الغالب»، على المواقع الحدودية السعودية، إلى جانب محاولات زحفٍ باتجاه المواقع العسكرية والقرى السعودية القريبة من الحدود، والقيام بعمليات قنص للجنود السعوديين، الذين أعلنت مصادر الجماعة وحلفاؤها مقتل العديد منهم خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.
وأوضحت المصادر، أن الهجمات ومحاولات التقدّم من قبل الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، كانت في الغالب على الحدود مع منطقتي جيزان ونجران، بالإضافة إلى مواقع حدودية سيطرت عليها قوات يمنية موالية للتحالف العربي تقدّمت، منذ أشهر، من جهة السعودية في الحدود مع منطقة عسير. وأعلن الحوثيون السيطرة على معسكر الجابري في قطاع جيزان، ومواقع أخرى في منطقة نجران الحدودية.
في المقابل، أكدت مصادر سعودية متفرقة تصعيد الحوثيين بهجمات حدودية، لكنها تحدثت عن التصدي لها ومقتل العشرات من مسلحي الجماعة. ونفذ التحالف سلسلة من الغارات الجوية في المناطق الحدودية وفي محافظة صعدة معقل الحوثيين على وجه خاص. فيما أعلن المتحدث باسم الجيش الموالي للحوثيين، لقمان شرف، أن العمليات العسكرية في جيزان ونجران (السعوديتين) “تسير وفقاً للأهداف الاستراتيجية من أجل الحسم العسكري وحرمان العدو من تحقيق أهدافه في احتلال مواقع يمنية وقصر خطوط الإمداد”، وفق تعبيره، مضيفاً في تصريحات لوكالة الأنباء اليمنية التي تسيطر عليها الجماعة، أن «خسائر الجيش السعودي في هذه المعارك بشريًا وماديًا كانت كبيرة، ولم يكن يتوقعها، ولم يعد يمتلك عنصر المفاجأة فيها على الرغم من المساندة الجوية».
وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يُصعّد فيها الحوثيون حدوديًا ويسيطرون على مواقع عسكرية قريبة من الحدود، يضطرون من الانسحاب من بعضها لاحقًا، إلا أن التصعيد في هذا التوقيت، وبعد نحو عامين ونصف عام على بدء عمليات التحالف في اليمن، يُعد مؤشرًا هامًا على استمرار الحوثيين بتهديد حدود السعودية وعدم نجاح الأخيرة بمنعه بعد آلاف الضربات الجوية، مع عدم إهمال وجود خسائر كبيرة يتكبّدها الحوثيون بمواجهات الحدود، لغياب عامل التوازن في القوة وعدم امتلاك الحوثيين للغطاء الجوي الذي يحميهم من الضربات الجوية. في وقتٍ تُعدّ فيه التضاريس الجبلية الوعرة لحدود محافظة صعدة مع السعودية، من أبرز العوامل التي تصب في خدمة الحوثيين وتقلل خسائرهم خلال المواجهات.
الجدير بالذكر، أن مناطق الحدود السعودية اليمنية كانت أبرز العوامل التي دفعت بالوضع إلى حرب الرياض مع الحوثيين، إذ يسيطر هؤلاء على محافظة صعدة اليمنية ومحيطها الذي يرتبط حدودياً مع نجران وجيزان وعسير من الجانب السعودي، ومنذ مايو 2015، وبعد أقل من شهرين على بدء عمليات التحالف، تحوّلت المناطق الحدودية إلى ساحة مواجهات وضربات جوية مكثفة استُخدمت فيها الآلاف من القذائف المدفعية والصاروخية.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية «واس» في مارس الماضي، أطلق الحوثيون وحلفاؤهم من الموالين لصالح، إلى ذلك الحين ما يقرب من 40 ألف قذيفة بين قذائف مدفعية وصواريخ. وينظر الحوثيون إلى الحدود بوصفها الساحة التي يستطيعون من خلالها إلحاق خسائر مباشرة وإيصال رسائل رد باتجاه السعودية.
من جهة أخرى، لم يقتصر تصعيد الحوثيين على الحدود السعودية، بل توجّهوا بحرًا، بتنفيذ “عملية نوعية” بواسطة قارب مفخخ، أعلنت الجماعة وحلفاؤها، أنها استهدفت بارجة حربية إماراتية، في ميناء المخا غرب محافظة تعز، وتحدثوا عن مقتل 12 إماراتياً وجرح 23 آخرين جراء التفجير، في مقابل إعلان التحالف عن أن القارب اصطدم بالرصيف البحري، وأنه لم ينتج عنه أي خسائر.
وتسيطر القوات الإماراتية على أبرز الجزر والمواقع الاستراتيجية اليمنية بما فيها مضيق باب المندب، حيث الممر الدولي، بالإضافة إلى جزر حنيش الكبرى والصغرى وزُقر وميون وغيرها من الجزر، قبل أن تتمكن في الأشهر الأخيرة من بسط السيطرة على أجزاء من الساحل الغربي لتعز، بما فيها ميناء ومدينة المخا، الذي استهدفه الهجوم.
وعقب ساعات من عملية ميناء المخا التي جرت، يوم السبت الماضي، أصدرت القوات البحرية، التابعة للحوثيين بيانًا حذرت فيه من تحويل البحر إلى مسرح مواجهات كون ذلك ليس في مصلحة الجميع”، بالإضافة إلى التحذير من «استمرار الحصار ومنع السفن من الدخول إلى ميناء الحديدة»، ومن المساس بالصيادين اليمنيين، سواء في باب المندب أو في المخاء أو الخوخة أو الجزر أو أي مكان.
ويمثّل تصعيد الحوثيين في الحدود والسواحل، وما رافقه من تهديد لافت في خطاب الجماعة، تطوراً لافتاً له أبعاده المحلية والإقليمية، إذ جاء بعد أن أعلنت قوات التحالف والقوات اليمنية المتحالفة معه السيطرة على معسكر خالد، أحد أبرز معسكرات الجيش اليمني في الساحل الغربي، بعد مواجهات متقطعة حول المعسكر امتدت أشهراً ونفذ خلالها التحالف مئات الضربات الجوية..
كذلك تأتي التطورات الأخيرة عقب وصول الأزمة بين شريكي الانقلاب، إلى مستوى غير مسبوق، إذ هاجم الحوثيون مبادرة سياسية أطلقها البرلمان المحسوب على صالح.
وفي السياق، أطلق المتحدث باسم الجيش الموالي للحوثيين، شرف لقمان، منذ أيام، تصريحًا مثيرًا للجدل، تحدث فيه عن أن إحدى الرسائل المرتبطة بالتصعيد الصاروخي تجاه السعودية، موجّهة للأطراف السياسية التي تقدّم المبادرات، في إشارة إلى البرلمان المحسوب على صالح. ومع ذلك، يبقى هذا العامل ضعيفاً نسبياً، فيما يبدو التبرير الذي يقدّمه الحوثيون لتحركاتهم، هو الأهم، وهو أن التصعيد يقابل تصعيد التحالف. ولا تغيب عن تفسيرات التصعيد، قراءة الحوثيين للتطورات الإقليمية على صعيد الأزمة الخليجية والتغييرات السياسية الداخلية في الجانب السعودي، بالإضافة إلى الحوادث الأخيرة، التي تُوصف من بعضهم، باستفزازات إيرانية لواشنطن، بما فيها القيام بتجربة صاروخية بالستية.
وتبقى العوامل المحلية المرتبطة بتصعيد التحالف وتقدّمه في معسكر خالد، وبدرجة ثانية، الخلافات بين الشريكين، هي المؤشر الأقوى في التصعيد الأخير.