بلال الطيب:
«حجة» أرادها الطُغاة سجناً، فحولها الأحرار إلى مُتنفس لـ «الحرية»، من خلفِ أسوارها تسللت أفكـارهم، ومن تحت ثَراها أزهرت أماني من قضـوا نحبهم، جيء بهم مـن «كُـل اليمن»، فصاروا أخوة في التُراب والمَصيـر، «زرانيق» تهامة كـانوا الأكثر عـدداً وتضحية، وفي مقبرة ما تزال تَحْمل اسمهم، ترقد أروح «800» من أبطالهم بسـلام، وفي «حجة» كمـا في «تهامة» أذلـوا سجانيهم وقاتليهم، وعلمـونـا مَعنى أن يكـون المَـرء سَيـد نَـفسـه.
بعد حرب مُتقطعة أستمرت لـ «7» سنوات، بينه وبين «الأدارسة»، تمكن الإمام يحيى من السيطرة على تهامة، باستثناء أراضي قبيلة «الزرانيق»، المُمتدة من «الحديدة حتى زبيد»، نشوة النصر جعلت حوالي «1000» مقاتل جلهم من «خولان» يقتـربون من تلك الأرض المحظورة، بقيادة حسين بن عامر، متناسين أن الأتـراك أنفسهم لم يستطيعوا إخضاع تلك القبيلة المُشاكسة؛ وكانوا يغضون الطرف عنها، ويصبغون على كبرائها بهدايا الصداقة، فكيف بجيش حافٍ مُنهك؛ وميزانية ضئيلة؛ وكانت النتيجة قـتـلهم جميعاً، وقتل قائدهم، في يوم عيد الأضحى «1926».
المدونات الرسمية المتوكلية أغفلت ذكر تفاصيل هذه الحادثة، واسم قائدها؛ وذلك خوفاً من تجسيم خطورة «الزرانيق»، وحتى لا ينتشر الرعب بين القادة والأنصار، وكذلك فعل المؤرخ «الواسعي»، أشار إلى ذلك القائد بوصفه السيد الفاضل، ولم يتعمق في التفاصيل أكثر، أما سيف الإسلام أحمد، فقد رثى القائد الصريع بقصيدة طويلة، ولم يذكر هو الآخر اسمه، وطغى على رثائه تجسيم التمرد، وتشبيهه بتجمع الأحزاب، وتحريض الناس للجهاد، قائلاً في مطلعها:
الله أكبـر فـادح جـلل
أصاب أهل الهدى من جوره الخطل
الله أكبر هـذا الفرق قد جمعت
أحزابه وأتت كالنار تشتعل
وجـود الأئمة الزيود في تهامة مَثَلَّ شوكة في خاصرة «الزرانيق»، ولأنهم شرفاء ألفوا الحُرية، أعزاء لا يرضون الـذُل، استعـدوا لمعركة التحرير جيـداً، وحين صاروا قادرين على المُواجهة، بعد أن بلغت قواتهم المُدربة حـوالي «10,000» مقاتل، ما يقارب «10%» من إجمالي سكان القبيلة آنذاك، أعلنوها ثـورة شاملة منتصف العـام «1928»، قـامـوا في البدء بعدة عمليات هجومية على الثكنات الإمامية القريبة، نهبوا عتاد عسكري ومؤن تكفيهم لمدة أطول، وقطعـوا خطوط المواصلات، أمـام هذا الإرباك المفاجئ لم يَجـد الإمام يحيى المشغول بتثبيت دعائم ملكه سوى ولده سيف الإسلام أحمد، أمير حجة، ورجل المهمات الصعبة، لإخمـاد هذه الثـورة، وتأديب من أشعلـوا فتيلها.
ما أن يُخضعـوا قبيلة إلا ويَـرمون بها أُخرى؛ ديدن الأئمة الزيود على مَـدى تاريخهم، وحين استعصت عليهم «حاشد»، أوقعوا الفتنة بين قبائلها، ثم أنقضوا عليها، «سَلبَوا، ودَمرَوا، وقـَتَلوا، وهَجرْوا» وألزموا مواطنيها بـ «أحكام الشريعة، وتوريث النساء»؛ حد وصف المؤرخ «الجرافي»، مات بعض مشايخ حاشد في «سجن غمدان»، فاضطر الإمام يحيى أن يُفرج عمن تبقى، مكتفياً بأخـذ أبنائهم كـ «رهائن»، ليأتي ابنه أحمد ويقود رعـايـا حاشد «المهزومين» صـوب تهـامـة، ضمن جيش كبير جُهز لكسر شـوكة «الزرانيق».
قسم السيف أحمد تلك القوات التي تجاوز عددها الـ «10,000» مقاتل إلى فـريقين، فريق تسلل من جبال ريمة، وأخر توغل من أطراف زبيد، على وقع «زوامل» الحرب الشنيعة، نذكر منها:
سادتي أنتم نجوم الأرض دايم
من سعادتكم نزلنا التهايم
نرضي الله والإمام
وبعـد معارك ضارية لم يجني السيف أحمد من أولئك «المَهزومين» سـوى الهزائم المتـتـاليـة.
من اللحظة الأولى، أذلت قبيلة «الزرانيق» محترفي الحرف، وبمجرد أن احتدمت المواجهات، انسحب مقاتلي قبيلة «حجور»، وقيل قبل ذلك، الأمر الذي أغضب السيف أحمد، فهجاها بقصيدة طويلة، نذكر منها:
كلما رمت أن تجود حجور
بان خسـرانها وآل الدبـور
قـدمـوا أولا بجحفـل جيش
ليـس يـأتي بـوصفـه التعبير
ثـم فـروا فـرار قـل و ذل
و تناهـوا عـن الجميل فغوروا
في حوار صحفي أجري معه ونُشر قبل وفاته، قال الإمام أحمد كلاماً كثيراً عن «الزرانيق»، الاسم الكابوس الذي ظل يورقه طول حياته، وقد وصفها بالقبيلة «العاتية» وأبطالها بـ «الخناذيذ»، وهم حسب حديثه خرجوا عن طاعة أبيه، وقطعوا الطرق، وانتهكوا الحقوق، وأخذوا الإتاوات، وأغاروا على مدن تهامة ومراكزها، لا يخافون سلطان، ولا يردعهم رادع.
وأضاف: «عاثوا، أفسدوا، وكثر تعديهم على المراكز الإمامية، واستشرت أطماعهم، واشتطت مطالبهم، واعتقدوا أن أي قوة لن تقوى عليهم، لذلك كان من الأنجح الفتك بهم، والقضاء على شرهم، قضاء حاسماً، خصوصاً بعد أن استهانوا بالوزير أولاً ـ يقصد عبدالله الوزير ـ وبالبدر ثانياً ـ يقصد أخاه الذي مات غرقاً ـ أثناء نيابتهما عن الإمام بالحديدة، فعلق الإمام يحيى بقوله: ولا أدري من يرجى لأخذنا للثأر، قلت: أنا لها يا مولاي، أنا الذي بصارمك البتار أكفيك أمرها، وأفتك بها، كما فتكت بغيرها».
ثم يمضي الإمام أحمد في ذلك الحوار الطويل، متحدثاً بزهو عن ماضيه الأسود، وخططه العسكرية، شارحاً تفاصيل المواجهات الأولى، ورغم اعتزازه بنفسه، أشاد ببطولة مقاومي «الزرانيق»، وفي ذلك قال: «والتقينا معهم وجهاً لوجه، ودارت أعنف المعارك حتى كادوا أن يستولوا على المدفع السريع، ولكننا صديناهم واسترجعناه من بين أيديهم بالسلاح الأبيض، وهذا كله صورته في إحدى قصائدي»:
ولما رأيت الجيش قد فل حده
وقد رجع الأعقاب بعد التقدم
ونادي باسمي المستجير من الردى
لإدراكه والشر في الناس ينتمي
وقد تركوا ذاك السريع بمهمة
وحيداً عن الجيش الخميس العرمرم
كررت بطرف يسبق الطرف عده
جواداً كريم الأصل غير منعم
فجالدت أعداء الإله بجمعهم
وكانوا أحاطوا كالسوار بمعصم
ودافعت عن ذاك السريع فحزته
وقد كان للأعداء أكبر مغنم
تهامة البسيطة المتواضعة، أنجبت أبطال «الزرانيق» الأفذاذ، أحفاد «زرنق بن الوليد بن زكريا»، وصولاً إلى «عك بن عدنان»، كانت قبيلتهم تسمى في الجاهلية «أزد شنوءة» ولم تعرف باسمها الخالد إلا في القرن السابع الهجري، ماضيهم مُشبع بروح المقاومة، وهم «أهل البلد» خَبـروا السهل وأجـادوا ترويضه، فيما «الغازي الغريب» القادم من أعالي الجبال، جاء بـ «انتفاشة كاذبة»، يعتقد أن السهل سهلاً؛ وأن أهل السفح سواء، فكان صيداً ثمينا لعدة كمائن مُتقنة وناجحة، وحين حصر الضحايا أدرك «عَبيـد الفَيـد» أنهم اُقتيدوا إلى مَتـاهـة مُـوحشة، الخروج منها كما الدخول؛ كلفهم الكثير، والأسـوأ أنها جعلت سمعة قائدهم المِقدام في الحضيض.
لحظات عصيبة عاشها سيف الإسلام أحمد، وهـو الذي لم يُهزم في معركة قط، و«المُستبد» الذي لم يركن حتى لاستشارة أقرب مُعاونيه، وبعد أخـذ ورد بينه وبين نفسه، لم يَجـد سوى البحر كـ «خيار» مُكلف ومُنقذ لـ «غروره»، فمن هناك يأتي الدعم «الإنجليزي» كما يعتقد، وإلى هناك تسلل بقواته، وأحتل ميناء «غليفقة» العتيق، الذي أهمل «الزرانيق» تحصينه، وصادر جميع سفنهم ومراكب صيدهم، ورغم أن جميع الجهات صارت تحت تصرفه، إلا أنه مُني بهزائم مُتلاحقة، ومن الجهات الأربع؛ وخسر الكثير من المعدات؛ وصارت أحراش تهامة مَقبرة لـ «غروره» ولأجساد عساكره.
قال المؤرخ عبد الرحمن طيب بعكر في كتابه «كيف غنت تهامة» أن دعم «الإنجليز» لـ «الزرانيق» لا يستنقص من أبطالها، ولا يعني أنهم عملاء، معتبراً تمسح «الإنجليز» بذلك، للضغط على الإمام يحيى حينها، كي يتخلى عن «الضالع، والشعيب، وجبل جحاف» في الجنوب، مع العلم أن «الزرانيق» أنفسهم سبق وقاموا بثورة ضد الانجليز، وكانوا سبب خروجهم من تهامة «21مارس1921»، وغير بعيد قال «تشرشل»: «لا يضرنا الاستعانة ولو بالشيطان»، والغريق في النهاية لا تهمه جنسية من ينقذه.
عام مَضى دون أن يحقق سيف الاسلام أحمد أي انتصار، وهو «المُتكبر» العنيد لم يستسلم لليأس، أطلق صيحته الشهيرة «الجاح» ـ اسم وادٍ هناك ـ مستنجدا بأمير تعز آنذاك علي الوزير، وخاطبه: «يا جمال الدين هل من غارة»، وهي قصيدة «أحمدية» طويلة، شبهَ بها مقاتلي «الزرانيق» بـ «الجن» لكثرة فتكهم بعساكره.
صاح أن الجاح أضنى فؤادي
وأبكي جفني بألوان السهاد
صاح أن الجاح مصدق الفعالِ
يعرف الأشوس منا في القتال
تعلم الأيام من أشجعنا
وترى الأمضى سرى تلك الليالي
كلما أعملت في القوم الردى
طلعوا كالجن من بين الرمالِ
بعد أن أعيته الحيلة، قرر سيف الاسلام أحمد أن يستشير معاونيه، ليبرز هنا مُقدم في الجيش اسمه يحيى إسماعيل الردمي، وضع خطة عسكرية مُتكاملة، وتعهد بتحقيـق النصر في غضون أيام، إذا سلمت له دَفـة القيـادة؛ وافـق «القائد» على مضض، وأكتفى بمراقبة سير المعارك كـ «قائد أعلى» بلا قيادة.
تحقق النصر على يد «الردمي»، وفي «أكتوبر1929» سقطت تحصينات مدينة «بيت الفقيه» حاضرة «الزرانيق»، حيث الولي «ابن العجيل» بخل بـ «ام كرامه»؛ هدموا قبته؛ ثم أطلق لعساكر الإمام المتوحشة حرية «القتل، والتدمير، والنهب، والحرق» ولمدة أسبـوع كامل، بعد ذلك خضعت قبيلة «الزرانيق» بقسميها «الشامي» و«اليماني» لحكم الأئمة الزيـود، وما كان لها أن تخضع، لولا الحصار المُطبق الذي استمر لشهور، والتكتيكات العسكرية التي فاجأهم بها «الردمي» قـائـد تلك الهزِيمة.
في كتابه «إمام اليمن» قال محمد أحمد الشامي عن أبطال «الزرانيق» أنهم قوم حرب وبطولة، وان قتالهم عن أرضهم كان كقتال الأسود الضواري، وأن نيران بنادقهم كانت تنصب على جبهات العساكر بلا توقف، «الشامي» نقل تفاصيل المعركة الأخيرة بصورة مغايرة لما ذكرناه أنفاً، قائلاً: «استمر الصراع رهيباً فضيعاً مطبقاً، واستطاع السيف أحمد أن يتخذ له عيوناً في بيت الفقيه، وجاءته الإمدادات تلو الإمدادات، وبعد معركة طحون رجع كل الفريقين إلى معسكره».
في تلك الليلة وصلت أخبار من بيت الفقيه بـ «أن خسائر الزرانيق في النفوس والعتاد فادحة، وأن قواهم المعنوية محطمة»، قرر السيف أحمد حينها الهجوم، ونجح عساكره باقتحام المدينة، وفي ذلك قال «الشامي»: «وكان قضاءً مبرماً، وانتصاراً ساحقاً، على قبيلة لم تعرف الهزيمة منذ أمد بعيد».
أسماء كثيرة لقادة عظام لمعت في تلك «الملحمة»، بعد أن قادوها ببسالة، ولعل أبرزهم الشيخ «الزرنوقي» أحمد فتيني جنيد، قائد تلك الثورة الأبرز، الذي روي عنه أنه كان يمضغ القات قبل إحدى المعارك، وبدلاً من أن يتحرك للمواجهة، طلب من المرافق التابع له أن يُعمر «نارجيلة التنمباك» المنصوبة بدلاً عن المدفع، قائلاً: «عمر وطنبش»، وقد انسحب في الأخير بأهله وبعض قومه إلى العربية السعودية، وتوفى هناك.
وكذلك موقف الشهيد شلاع جروب، الذي تم أسره ووضعه على فوهة إحدى المدافع، فركل المدفع بقدمه، وقال مخاطباً السيف أحمد: «مدفع.. مدفع الراحتين ودينا»؛ وكانت نهايته في «حجة»، وأيضاً عاقل عزلة «التينم» غرب «بيت الفقيه»، عندما أرسل السيف أحمد إليه مندوباً ينصحه بالاستسلام، كان جوابه: «إذا كان الله ملك أحمد أرضنا فلن نملكه أرواحنا وفينا عرق ينبض».
طبائع «المُستبد» لا ترحم من يَـتـعـدى على «خصوصياتها»، و«الردمي» المسكين لم يُـدرك ذلك إلا متأخراً؛ أعتقد أنه «تَجمَلْ» عند سيده، فإذا به يدخل بوابه الجحود والنكران من أوسع الأبـواب؛ و«القائد الأعلى» أبى إلا أن يدخل بوابة التاريخ وحيداً منفرداً، وتلقب بـ «أحمد يا جناه» الذي لا يُـقـهـر.
«جزاء سنمار» كان نصيب «الردمي» المُخدوع؛ الذي تجسدت مكافأة نهاية خدمته باتهامه بمعاقرة الخَمر؛ جيء به وجراحه لم تكـد تندمل، وطلي جسده بالزيت والقطران المَغلي، وربط فـوق إحدى المدافع، وقناني الخمر الفارغة تتدلى من فوق عُنقه؛ ولإكمال فصول المسرحية تم جلده مئة جلدة أمام جماهير الحديدة الغفيرة، ثم تُرك مَصلـوبـاً لأيـام تحت هجير أشعة الشمس الحارقـة.
سادية متوحشة أفرزتها عُقـدة انتقامية لـ «طاغية مُستبد»، ماضيه أسـود حتى في قتل أقرب الناس إليه، فكيف بـ «غريب ساذج» أتى ينافسه لـذة القيادة؛ وزهـو الانتصـار؛ وبالمقابـل كانت إفرازات تلك العُقـدة مُقززة وأكثر نتـانـة ضد أولئك الذين جابهوا الطغيان، وأذلـوا كبريـائـه، وكان نصيب أبناء قبيلة «الزرانيق» الأحـرار من ذلك ما يفـوق حد الوصف، ولكي يضمن «الطاغية» عدم تَمَـردهم على «حقه الإلهي» مـرةً أخـرى، أدخل حوالي «800» من مقاتليهم الأشـداء مَذلة الأسر، وجحيم سُجون «حجة» المُظلمة، التي لا تُطـاق.
«حجة» سجنُ وسجـان وعـذاب مُقيـم، «شاري البَـرق من تهامة» ما زال يولد الحنين لـ «الحرية» و«الانعتاق»، «وطائر أم غرب ذي وجهت سنا ام تهايم» مرسال شوق لا يُصغي لـ «الأنيين» و«الصراخ».
في لحظة صمت كئيبة يتذكر هؤلاء الأبطال كيف جيء بهم إلى هذا المنفى المُوحش، في رحلة استمرت أسبوعاً كاملاً، تحت هجير الظهيرة، وبرد الشتاء القارس، الذي لم يرحم صدورهم العارية، فيما «المَغالق» الخشبية تكبل أيديهم وتجعل سيـرهم ثقيلاً فوق أرض وعرة، وجبال خشنة لم يـألفوهـا، وفـوق رقابهم تتلوي حِبـالٌ غليظـة، ترفع من حشرجات صدورهم، وتكاد تقطع أنفاسهم، ولا أروع من تشبيه الشاعر «الفضول» للمشهد الذي كرره «الطاغية» أحمد أكثر من مرة، في فصول تاريخه الأسود:
سيروا فما الأغلال في أعناقكم
إلا لمجدكم العظيم شعارا
سيروا ويكفيكم فخارا أنكم
في وجه طاغية الورى ثوارا
كانت الرحلة طـويـلـة وشـاقـة، وكان سجن «نافع» الذي بناه الأتراك ضاراً وأكثـر وحشة، وأعظم قسوة، لم تحنوا «حجة» على أبطال «الزرانيق» قَـط، كـ «أوراق الخريف» تَساقطـوا فيها الـواحد تلو الآخر، وقيل نجا من ذلك الموت المُحقق «13» شخصاً، وقيل لم ينجوا أحد؛ وخلاصة المأساة: لم يجد هؤلاء الأبطال سوى أديم «حجة» المتماسك كي يدفنوا أوجاعهم فيها وإلى الأبد.
ذهب «أبطال الزرانيق» شامخين، وتركوا لـ «عُشاق الحرية» قصص بطولية نادرة، حق أن تُحفظ وتـدون بماء الذهب، والتاريخ الحقيقي لا يكتبه المنتصرون بـ «السيف والطغيان»، بل يدونه المنتصرين لـ «الكرامة والإنسان».