على لسان إحدى الأمهات ومن داخل المحكمة، رابطة أمهات المختطفين تنفرد بنشر وقائع جلسة محاكمات 36 مختطفا من أبنائها، في المحاكمات الهزلية ضد المختطفين.
لست الوحيدة التي كانت تقف في طابور التفتيش الدقيق، على بوابة قاعة المحكمة الجزائية في جلستها الأولى لمحاكمة أبنائنا المختطفين، التفتيش الذي لم يراع كبر سني وانحناء ظهري، فكنت حريصة جدا ألا يغضب مني حراسها فيمنعونني الدخول ولقاء صغيري ولو لم أكن أعرف على أية حال سألقاه؟
ورغم قطع الشارع على مسافة تتجاوز الكيلومتر بأنواع المدرعات والأطقم العسكرية، كان القلق والفظاظة والشدة غالبة على وجوه وتصرفات من يفتشون، وكنت أهمس طوال الوقت بآية الكرسي في خشوع حتى يُكتب لي التوفيق لدخول القاعة دون عراقيل. وما أن وطِأت قدميّ داخلها حتى ذهبتُ أقلب بصري في المكان، الذي بدا لي موحشاً فأنا لم أدخله يوماً في حياتي، واليوم على عجزي أمدّ يديّ المليئتين بالتجاعيد لتفتحا لي مكاناً بين الأمهات والزوجات على كراسي قاعة المحكمة!
“لقد رأيته إنه هناك عند تلك الشباك” قلتها لأم تجاورني، وبقينا نتناوب الإطلالة على وجوه أبنائنا فتنير الحياة أمامنا من كل جوانبها ونرى القفص الذي ازدحموا فيه فتظلم الدنيا بكل أنوارها.
تزاحمت الأمهات رغبة في الصف الأول بقرب الشباك، فشيء من رائحة أبنائنا يضمن لنا التنفس بفضل الله وسط ضيق الظلم وسمومه.
أشَرتُ إلى ولدي الحبيب بكفيّ أحييه وكأنه المجد في عليائه، فردّ التحية ملوحاً لي بيدين هزيلتين راسماً ابتسامة حب رائقة احتضنت روحي، فجلست على الكرسي أرقبه لا أشيح بصري عنه ومشاعري فرحة برؤيته، قلقة على مصيره!
اقترب أحد رفقائه، صغير السن، داخل ذلك القفص البغيض، والذي بدا لي كيساً أسوداً مظلماً في جنباته ٣٦ جوهراً لامعاً يبرق حتى يذهب بالألباب، اقترب الشاب الغض وظل يلوح في سعادة ويقوم في طرافة بحركات مضحكة، فالتفتُّ خلفي لأرى من يحدث؟ فرأيت سيدة لا تقل في عمرها عني كانت ترسل بعض ضحكاتها المنخفضة أمام ظرافة صغيرها الشاب ثم تهمس فتقول: ابني مازال صغيراً، لا أعرف لماذا اختطفوه؟ ولماذا كل هذه المحاكمة الظالمة؟ إنه يحاول أن يشعرني بالاطمئنان عليه. وهل تطمئن الأم على صغيرها وهو بعيد عنها بين سلاسل وزنازين!
دخل المحامون فشعرت بالارتياح، فهم صوت الحجة والقانون. ودلف إثرهم، إلى القاعة، القاضي، الذي عرفت لاحقا ان اسمه “عبده راجح”، معلناً بدء الجلسة في حضور لافتٍ للإعلام التابع للحوثي وصالح، الذي حضر ليحكم لا ليوثق، يحكم بكل قبح قبل أن تحكم المحكمة،ويسمّي أبناءنا بمسميات هم منها أبرياء!! لقد تجاوزوا كل قوانين الأرض وشرائع السماء بإصدار حكم سابق غير مبني على أي دليل بتجريم الأنقياء؛ فأغرقوا البلاد بالأحقاد وقلوب الأمهات بالحزن والألم.