وضاح الجليل
إن لم تمر على حواجز التفتيش فلن تعرف معنى الحرب الأهلية كما ينبغي أن تفعل، فهناك تفهم الحرب أكثر من أي مكان آخر، وتعرف ماذا يحمل الميليشاويون لأجلك أكثر من تصوراتك وقناعاتك السابقة.
في نقطة تفتيش في رداع يصعد فرد مليشاوي إلى الحافلة المتجهة من صنعاء إلى سيئون، يتأمل الملامح والملابس، يركز نظره واهتمامه أكثر على من يرتدون البنطلونات والمعاوز، ثم يبدأ تفتيش الهويات، وهنا يكون على من ينتمي إلى محافظة تعز الاستعداد لأي إجراء.
يتوقف الميليشاوي أمام شاب لم يتجاوز العشرين من العمر يرتدي معوزاً إلى ما تحت ركبتيه بقليل، وجاكت تغيرت ألوانه كثيراً، ويطوي شالاً ممزق الأطراف حول عنقه ويلوك في فمه وريقات القات بهدوء وطمأنينة. يسأل الميليشاوي الشاب عن وجهته، فيرد أنه يتجه إلى سيئون للعمل، يعاود الميليشاوي سؤال الشاب عن عمله، يجيبه الشاب بأنه يعمل في البناء، في “التَلْيِيس” تحديداً، فيمد الميليشاوي يده ويتحسس ركبة الشاب، ثمّ يمسك يده ويتفحصها بعينيه وأصابعه، ويرفعها أمام الركاب، ويسألهم: هل هذه يد “مُلَيِّس”؟ّ. يرتبك الشاب وييقول: أول مرة أشتغل في التلييس، فيضيف المليشاوي ساخراً: سمعتم؟!. نعم هذي أول مرة يشتغل مُلَيِّس. يأخذ منه بطاقته، ويضعها في جيبه، ويأمره بالنزول، ويواصل هو التفتيش.
يحتجز الميليشاوي في حزامه مجموعات هويات لمجموعة من ركاب الحافلة جميعهم من تعز، وجميعهم شباب يرتدون البنطلونات والمعاوز، ينزل من الباص وهو يردد: “اللي أخذت بطائقهم ينزلوا”، ينزل أولئك الشباب، فيأمر فرد آخر في النقطة سائق الحافلة بالتحرك، تتحرك الحافلة، ويركض خلفها الشباب المحتجزون لأن متعلقاتهم ما زالت عليها، وهي عبارة عن أكياس بلاستيكية تحتوي ملابسهم عوضاً عن الحقائب. يخبط الشباب على جوانب الحافلة بأيديهم فيتوقف السائق دون أن يفتح لهم، ويبرز رأسه من النافذة ليتأكد إن كان أفراد النقطة سيسمحون له بإتاحة الفرصة للشباب المحتجزين للصعود لأخذ أغراضهم، وحين يجد الإذن يفتح الباب لهم، فيصعدون يلتقطون أشيائهم، وعلى وجوههم الحسرات والألم.
ما الذي سيحدث لهم بعد ذلك؟!. لا يعلم الشاهد شيئاً، سيكون من حسن حظهم طبعاً لو أن النقطة لم تحتجزهم أو تنقلهم إلى المعتقل، أما الشاهد، وهو من تعز أيضاً، فقد كان عرضة للاشتباه أيضاً، لكنه يحمل وثائق سفر خارج البلاد، وتقارير طبية لصديقه الذي يرافقه، وجميعها صادرة عن جهات رسمية، ربما هي التي سهّلت عبوره.
يجتهد الكتبة في توصيف الحرب ولوم الضحية والتحريض ضده، يكتب الكثير منهم عن شاب ميليشاوي احتجزته السلطات الرسمية في مأرب بسبب علاقاته ونشاطاته الميليشاوية، لكن إنسانيتهم لا ترى هؤلاء الشباب الذين يتم التنكيل بهم في نقاط التفتيش الانقلابية وهم في طريقهم للبحث عن أرزاقهم.