دق الهجوم الحوثي على سفينة إماراتية في الجنوب، ناقوس الخطر والذي لم يكن الكثير ينتبه إليه، حيث تفتح الميليشيات الانقلابية للحوثيين والمخلوع صالح من خلاله جبهات جديدة للحرب، لتشتيت جهود التحالف العربي، وتهدد من خلاله الملاحة الدولية، وهو الأمر الذي جاء عقب الإجراءات التي اتخذها الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، من نقل البنك المركزي إلى عدن، واستبعاد هيمنة الحوثيين على عائدات الدولة، والتي كانت تستخدمها لتمويل شراء الأسلحة.
غير أن التحول المفاجئ لنقل الصراع من البر إلى البحر يدل على تغير طرأ على نمط قتال الحوثيين، أملاً في قياس رد الفعل العربي والدولي، والرغبة في توسيع دائرة المعركة لتشمل البحر، والضغط على المجتمع الدولي والخليجي لنيل اعتراف رسمي بهم وبانقلابهم.
وكانت قيادة قوات التحالف العربي أنقذت، السبت الماضي، ركاباً مدنيين بعد استهداف مسلحين تابعين لجماعة الحوثي سفينة مدنية تابعة للبحرية الإماراتية، كانت في رحلاتها المعتادة من وإلى مدينة عدن لنقل المساعدات الطبية والإغاثية، وإجلاء الجرحى والمصابين المدنيين لاستكمال علاجهم خارج اليمن.
الهجوم الحوثي على السفينة المدنية الإماراتية كان بمثابة مؤشر خطير لتوجه حوثي جديد عبر قيامه بأعمال إرهابية بدأت باستهداف السفن المدنية والإغاثية، والتحرش بالقوات القريبة المتمركزة بالقرب من مضيق باب المندب.
وانتابت العاملين في الملاحة البحرية الدولية تخوفات عديدة من أن ينعكس الهجوم الحوثي سلباً على حركة الملاحة في مضيق باب المندب، خاصةً أن أكثر من 21 ألف ناقلة تمرّ سنوياً عبره، في تبادل تجاري بين آسيا ودول العالم.
ومن جانبه، أشار التحالف العربي إلى أن مليشيا الحوثي بهذا الهجوم تكشف عن توجه جديد لتنفيذ عمليات إرهابية باستهداف الملاحة الدولية المدنية، والسفن الإغاثية العابرة من خلال المضيق، خاصةً أن الهجوم الحوثي على السفينة الإماراتية جاء مع حلول الذكرى الأولى لاستعادة قوات الجيش اليمني الشرعي مضيق باب المندب بمساندة التحالف العربي، مطلع أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وهناك رسائل يريد الحوثيون إرسالها إلى العالم باستهدافهم السفينة والمضيق، وهي أن القوات اليمنية الشرعية والتحالف العربي عجزا عن حماية الخط الملاحي الدولي منذ أن استردوه في أكتوبر الماضي، الأمر الذي يثير تخوفات حول احتمال تهديد الحوثيين لمضيق باب المندب مرة أخرى، كرد فعل على قرار هادي، وهو ما دل عليه تصريح لأحد القيادات الحوثية من استهداف اقتصاد الخليج والعالم، في إشارة إلى باب المندب، عقب صدور قرار نقل البنك المركزي.
ومما يهدد الملاحة البحرية هو استمرار سيطرة الحوثيين على الساحل الجنوبي اليمني من الخوخة إلى المخا، عبر 15 كيلومتراً، ما يشكل خطراً على الملاحة البحرية، ويدعم تصريحات الحوثيين المستمرة بتحويل الساحة إلى معركة اقتصادية مع المجتمع الدولي. وفي سياق تلميحه إلى تورط إيران في تمويلها للحوثيين في اليمن، قال الرئيس اليمني هادي، سابقاً: إن “من يمتلك مفاتيح باب المندب وهرمز لا يحتاج إلى قنبلة نووية”.
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإنه يمر في مضيق باب المندب 3.3 ملايين برميل نفط يومياً، ما يدل على أهمية المضيق بالنسبة إلى الدول الكبرى ودول الجوار، وضرورة تأمينه، وهو ما بدا جلياً في وجود القوات العسكرية متعددة الجنسيات في السواحل القريبة من اليمن؛ بداعي تأمين خطوط الملاحة الدولية من عمليات القرصنة وضربات التنظيمات الإرهابية. صحيفة الفاينانشال تايمز البريطانية قالت: “إن توسع الحوثيين الشيعة وامتداد وجودهم غرباً بالقرب من مضيق باب المندب الذي يعد مدخلاً إلى البحر الأحمر يمثل تهديداً محتملاً لنحو 8% من التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي”.
وبرغم أهمية المضيق، ومراقبة المجتمع الدولي لتجاوزات الحوثي السافرة بدعم إيراني واضح ومعلن، إلا أن تلك الدول لم تمارس دوراً سياسياً ولا أمنياً ولا عسكرياً لحل جذري لإنهاء أزمة اليمن. الخارجية الأمريكية أصدرت بياناً، الاثنين 3 سبتمبر/أيلول الجاري، أدانت فيه بشدة اعتداء مليشيا الحوثي على السفينة الإماراتية في باب المندب قبالة السواحل اليمنية، حيث أعلن المتحدث باسم الوزارة، جون كيربي، أن واشنطن تأخذ الاعتداء الحوثي على السفينة الإماراتية على محمل الجد، وأنها ملتزمة بحماية حركة الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، مطالباً “مليشيات الحوثي وصالح الكف فوراً عن مثل هذه الاعتداءات على السفن الملاحية في الممر الدولي”.
وهناك تفسيرات أخرى تشير إلى أن الهجوم على السفينة الإماراتية من قبل زوارق سريعة يحمل بصمة إيرانية؛ باعتبارها الحليف الوثيق للحوثيين، والمزود الرئيس لهم بالأسلحة، وما يعزز هذا التفسير أن الفترة الماضية شهدت نشاطاً مكثفاً للزوارق السريعة الإيرانية بالقرب من باب المندب، ووصل بها الأمر إلى التحرش بالبوارج والسفن الأمريكية. ومنذ 26 مارس 2015، يشن التحالف العربي بقيادة السعودية عمليات عسكرية في اليمن ضد الحوثيين، وذلك استجابة لطلب الرئيس، عبد ربه منصور هادي، بالتدخل عسكرياً لـ”حماية اليمن وشعبه من عدوان المليشيات الحوثية”، في محاولة لمنع سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح على كامل اليمن، بعد سيطرتهم على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014.