تحقيق / أماني باخريبه :
تقع الجمهورية اليمنية ضمن قائمة الدول الأشد فقرا في العالم اذ لا يتجاوز متوسط دخل الفرد في اليمن الـ 800 دولار سنويا بينما يتجاوز متوسط دخل الفرد السنوي في دولة الإمارات العربية المتحدة 26 الف دولار سنويا حسب احصائيات العام 2016م، وقد شهد اليمن في العقود الثلاثة الاخيرة صراعات سياسية عده تطور بعضها الى صراع عسكري وجميعها ولدت ازمات اقتصادية متعاقبة بدا تأثيرها واضحا على المواطن الذي يعد الضحية الأولى والأكثر تضررا في جميع تلك الصراعات. كل تلك الأزمات الاقتصادية السابقة كانت تتم لها معالجات جزئية تخفف الحمل قليلا عن المواطن.. لكنه ما إن يتعافى من أزمة حتى يدخل في أخرى .. إلى أن وصل الوضع الى المشكلة الأكثر تعقيدا وهي توقف صرف مرتبات موظفي الدولة والمتقاعدين في القطاعين المدني والعسكري، وكذا توقف معاشات الضمان الاجتماعي الذي كانت تصرفه الحكومة بالتنسيق مع البنك الدولي وصندوق الرعاية الاجتماعية وتستهدف به الأسر الأشد فقرا وذوي الدخل المحدود وذلك لتحسين دخلهم والتخفيف من معاناتهم، ففي نهاية العام 2014 توقف صرف مرتبات موظفي الدولة ومعاشات الضمان الاجتماعي، أما بالنسبة للمتقاعدين فلم يتوقف صرف معاشاتهم إلا أنه يتم تأخيرها.. فبعد أن كان منتظما صار كل شهرين وفي مواعيد غير منتظمة. وحيث أن المشكلة كبيرة ومتشعبة ولامجال هنا لتناول جوانبها كلها فقد حاولنا في هذا التحقيق تناول جانبين مهمين هما معاشات المتقاعدين ومعاشات الضمان الاجتماعي.. كون أفراد هاتين الفئتين – في الغالب – لم يعودوا قادرين على العمل والبحث عن فرص كسب جديدة تؤمن لهم حياتهم وحياة من يعولون.
الوضع قبل المشكلة:
يبلغ عدد من يتقاضون معاشات التقاعد المسجلين في سجلات الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات 87 الف متقاعد من موظفي القطاعين المدني والعسكري، وذلك حسب اخر احصائية أصدرتها الهيئة عام 2012م ونشرتها في موقعها الرسمي. وحيث أن كل متقاعد يعول أسرة، ومتوسط عدد أفراد الأسرة الصغيرة في اليمن 7.2 شخصا بحسب احصائيات الجهاز المركزي للإحصاء.. فإن عدد المستفيدين من معاش التقاعد 626,400 شخصا.
كما يبلغ عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي مليون وخمسمائة الف حالة، هذا ما صرح به لنا الاخ نبيل محمد القباطي المنسق الفني لمشاريع البنك الدولي في صندوق الرعاية الاجتماعي. والحالة الواحدة ليست دائما شخصا واحدا وإنما يتراوح عدد المستفيدين من الحالة الواحدة ما بين شخص واحد إلى 6 أشخاص وذلك بحسب عدد أفراد كل أسرة، وهذا ما أكده لنا أيضا أحد المستفيدين، وإذا افترضنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة المستحقة 3 أشخاص فإن عدد الاشخاص المستفيدين من معاشات الضمان الاجتماعي في اليمن يصل الى أربعة مليون وخمسمائة ألف شخص. (مليون وخمسمائة الف حالة x 3 أشخاص لكل حالة ). الجدول التالي يوضح المبالغ الشهرية المستحقة لكل حالة:
بحسب نبيل القباطي فإن صندوق الرعاية الاجتماعية الذي أنشئ في عام 1996م من قبل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل – يعد أكبر برنامج من حيث التحويلات النقدية في اليمن.
وتبرز أهدافه الرئيسية في الآتي:
(1) حماية الأفراد الذين يعانون من الفقر المزمن.
(2) الاستجابة الفورية لحالات أزمات الغذاء.
(3) الاستجابة الفورية لأي صدمات يمكن ان تنشأ في المستقبل.
وعن آلية الصرف يقول القباطي: “يتم صرف مستحقات الضمان الاجتماعي أربع مرات في العام، في كل مرة قيمة أقساط ثلاثة اشهر”. وبالتالي – وبحسب الجدول الموضح أعلاه – فإن قيمة القسط الذي يتم صرفه في فترة الثلاثة الأشهر يتراوح ما بين 12 الف ريال للأسرة (عدد أفراد الأسرة شخص واحد) و 18 الف ريال للأسرة (عدد أفراد الأسرة ستة أشخاص) وذلك اعتمادا على عدد افراد الأسرة.
*البحث في المشكلة واسبابها :-
قمنا بالبحث عن اسباب تأخير معاشات التقاعد واستطعنا تلخيص الاسباب في التالي:
– الحرب الدائرة في اليمن منذ سنتين.
– وجود إدارتين للدولة كل منهما يسيطر على مساحة جغرافية من البلد.
– وجود بنكين مركزيين وعدم تحصيل موارد الدولة الى بنك مركزي واحد.
– انخفاض واردات الدولة بسبب الحرب الدائرة، حيث توقفت معظم صادرات النفط والغاز الى الخارج.
ومن خلال متابعتنا لاحظنا أن بعض المصادر الإعلامية التابعة لأحد الطرفين تدعي أن الطرف الآخر قام بسحب مبلغ عشرين مليار ريال من صندوق التقاعد. إلا أننا لا يمكن أن نعتمد هذا سببا حقيقيا كونه ورد في وسائل الإعلام فقط ولم يتم تأكيده من مصدر رسمي معتمد.
وعن سبب توقف معاشات الضمان الاجتماعي قمنا بالاستفسار من الاخ نبيل القباطي، فاخبرنا ان قرار مجلس ادارة البنك الدولي الصادر في 11 أبريل 2015، والذي ينص على تعليق كافة انشطته في الجمهورية اليمنية ابتداء من هذا التاريخ وحتى اجل مسمى، ادى الى تعثر صرف المساعدات الشهرية للربع الاول(يناير-مارس) من العام 2015 لما يقارب 1,506,017 (مليون وخمسمئة وستة الف وسبعة عشر) مستفيد لصندوق الرعاية الاجتماعية بمبلغ اجمالي 23,178,375,000 (ثلاثة وعشرون مليار ومائة وثمانية وسبعون مليون وثلاثمئة وخمسة وسبعون ريال يمني) والذي كان من المفترض بالصندوق تغطيته من موازنة المشروع الطارئ للتعافي من الأزمة الممول من البنك الدولي بمنحه رقم D012 RY-P133811، ايضا” ادى استمرار الحرب الى تعذر المساعدات الشهرية للربع الثاني والثالث والرابع من العام نفسه 2015م. أي ان اجمالي المبلغ المتعثر صرفه للمستفيدين للفترةيناير- ديسمبر 2015م اثنان وتسعون مليار وسبعمائة وثلاثة عشر مليون وخمسمائة ريال ، ايضا ادى استمر الحرب في العام 2016م الى تعذر صرف المساعدات الشهرية للربغ الاول والثاني والثالث والرابع (يناير – ديسمبر) من العام 2016 لما يقارب 1,506,017 (مليون وخمسمئة وستة الف وسبعة عشر) مستفيد ، واجمالا” فأن اجمالي المساعدات المتعثرة لصندوق الرعاية الاجتماعية للفترة من يناير 2015م وحتى مارس 2016م بلغ 741,708,000 دولار (سبعمائة وواحد واربعون مليون وسبعمائة وثمانية الف دولار امريكي)
* النتائج التي ظهرت
بسبب هذه المشكلة ظهرت مشاكل عدة سنذكرها بألسنة اصحابها:
– عبدالجبار علي حسن يسكن في احد احياء العاصمة صنعاء وبحسب ما اخبرنا فقد بدأ يستلم معاش من الضمان الاجتماعي منذ العام 2012 واستمرت حتى نهاية العام 2014، يقول عبدالجبار “كنت استلم في نهاية كل شهر 12 الف ريال وكانت تساعدني كثير. كنت اشتري بها المواد الغذائية. وكنت اشتغل طول الشهر عشان اوفر حق الايجار والماء. طبعا انا اشتغل شاقي. بعض الايام اشتغل وبعض الايام لا ، عندما توقف الضمان الاجتماعي واجهت مشاكل كثيره وفي بعض الايام ما كناش نحصل ما نأكل. السنه الاوله زوجتي احتاجت عملية لأجل الولادة وماكنش معي شي، واضطريت اتدين من اهل قريتي مصاريف للعملية والى الان ما قد سددتهم، كمان تدينت مبالغ اخرى من اجل المصاريف، معاشات الضمان كانت تساعدني كثير في شراء المواد الغذائية الضرورية، الان احصل مساعدات من منظمات الإغاثة ويساعدوني بعض اقاربي”.
– واثناء تجاولنا في الحي الذي يسكن فيه عبدالجبار تحدث الينا السكان أن هناك احد قاطني الحي بعد ان توقفت معاشات الضمان الاجتماعي طلق زوجته وتخلى عنها هي اولاده ، والان يتساعد سكان الحي في مساعدة الزوجة واولادها الثلاثة. كما اكتشفنا وجود حالات اسر فقيره جدا ليس لديها مصدر دخل ثابت وبحاجة الى المساعدة الا انه لم يتم ادرجها ضمن الحالات المستحقة للضمان الاجتماعي مثل حالة الحاج ( م.ص ) الذي يعيش مع بناته الثلاث على الصدقة والمساعدات الفردية من ابناء الحي.
ولأن مستحقي الضمان الاجتماعي هم من الأسر الأشد فقرا فقد أجريت لهم بعض المعالجات البسيطة كإعطاء الاولية لمستفيدي الضمان الاجتماعي اثناء توزيع مواد الاغاثة من منظمات الامم المتحدة الا انها لم تكن كافي للتعافي –ولو جزئيا- من المشكلة
– من خلال النزول الميداني اكتشفنا ان المتقاعدين اقل ضررا من المستفيدين من الضمان الاجتماعي كون آخر معاش تقاعدي تم صرفه كان في شهر نوفمبر 2016، لكن مشكلة المتقاعدين تكمن في تأخير الصرف حيث يتم الصرف كل شهرين او اكثر بينما بعض الاسر عليها التزامات ضرورية كل شهر ومن هذه الاسر اسرة الحاج ( ع . ش ) الذي يعيش مع زوجته في حي هائل بأمانة العاصمة وهو يعاني من مرض السكر ويحتاج الى شراء علاج السكر شهريا، كان يعمل في وزارة المياه وتقاعد قبل عشر سنوات،، بسبب تأخر معاش التقاعد احدى الاشهر لم يستطع شراء العلاج فتطورت حالته المرضية واضطر الى طلب المساعدة من سكان الحي عن طريق امام المسجد وقد تم التبرع له بقيمة العلاج. حالة الحاج ( ع . ش ) مثلها حالات كثيره ومعظمهم من كبار السن الذين يعانون من امراض مزمنة وبحاجة مستمرة الى العلاج.
– سلطان سعيد فارع – 66 عاما – يسكن بالإيجار في حي الدائري بأمانة العاصمة تقاعد في العام 2011، حيث كان يعمل محاميا في البنك اليمني للأنشاء و التعمير شرح لنا معاناته في ظل تأخر صرف معاش التقاعد اذ تعرض لعدة مشاكل كان ابرزها تهديد صاحب البيت له بإخراجه من المنزل لأنه لم يسدد الايجار لثلاثة اشهر، حيث اتى مالك المنزل اليه واحتدم النقاش بينهما في الحي فتدخل سكان الحي وطلبوا من المالك اعطاءه مهله اخرى وهو لا يدري هل سيستطيع الالتزام بالتسديد خلال المهلة المحددة كونه لا يدري متى سيتم صرف معاشاته التقاعدية المتأخرة.
الحلول المقترحة والتوصيات:
– استمرار توفير المعونات من المواد الغذائية شهريا” التي تسد رمق العيش .. وزيادة الكميات تدريجيا حتى تغطي اغلب الحالات المحتاجة.
– عمل مشاريع صغيره لكل اسره بالتعاون مع التجار مثل توفير مكائن للخياطة للنساء للعمل بهذا المجال كعمل بديل للحصول على الاحتياج اليومي للأسرة.
– تنظيم تحصيل ايرادات الاستثمارات التي تم تخصيصها للهيئة العامة للتأمينات والمعاشات والاستفادة منها.