اعلنت المنظمة العربية لحقوق الإنسان اليوم السبت تقرير السنوي الثلاثين “حالة حقوق الإنسان في الوطن العربي” والذي يغطي الفترة من منتصف العام 2015 إلى نهاية ديسمبر 2016.
تناول التقرير بالعرض والتحليل تطورات حقوق الإنسان في المنطقة العربية في جوانبها السياسية والميدانية والتشريعية والممارسات والتوجهات، وذلك من خلال قسمين، يضم القسم الأول مقدمة تحليلية تفصيلية ترصد تطورات وتحولات مسار حقوق الإنسان في مجمل المنطقة، وتهتم بفحص تدهور حقوق الإنسان بصورة هائلة في سياق ميادين النزاعات المسلحة الداخلية والاحتلال الأجنبي للأراضي العربية، وتجري قراءة في مشهد الإرهاب وتطوراته وتحولاته والتوقعات المرتبطة بالأسئلة التي يطرحها تحدي الإرهاب وجهود مكافحته في المرحلة الراهنة.
واهتم التقرير في قسمه الأول بدراسة وتقييم التوجهات العامة التي حكمت التطورات خلال الفترة التي يغطيها التقرير، والتعبير عن القواسم المشتركة التي تجمع سياسات الحكومات والفاعلين السياسيين المتنوعين، وحجم تأثيراتها السلبية على وضعسة حقوق الإنسان في بلدان المنطقة فرادى ومجتمعة.
كماتناول القسم الثاني تقارير البلدان الي تشمل رصداً لحالة حقوق الإنسان في 21 بلداً عربياً، تشمل: الأردن – الإمارات – البحرين – تونس – الجزائر – جيبوتي – السعودية – السودان – سوريا – الصومال – العراق – سلطنة عُمان – فلسطين – قطر – الكويت – لبنان – ليبيا – مصر – المغرب – موريتانيا – اليمن.
وتضمن التقرير تقييم وضعية حقوق الإنسان في كل بلد من خلال رصد تطورات في مجال حماية الحقوق الأساسية (الحياة – الحرية والآمان الشخصي – المحاكمة العادلة – معاملة السجناء والمحتجزين)، وفي مجال حماية الحريات العامة (الرأي والتعبير – التجمع السلمي – تكوين الجمعيات – المشاركة في الشئون العامة)، مع التدليل على التقييمات والتوجهات بعرض بعض من الوقائع الموثقة الدالة على صحة التحليل.
ويعبر التقرير عن القلق الخاص بوضعية المدافعين عن حقوق الإنسان والذين أضحوا هدفاً رئيساً لمختلف الفاعلين السياسيين، وهذا القلق لا ينفصم عن التضييق على المجتمع المدني وتضييق المجال العام من خلال تقييد مجمل الحريات العامة والتحكم في هوامش الحركة.
ويري علاء شلبي امين عام المنظمه في مقدمه التقرير ان عام 2016 ناقض التوقعات التي حملها الربع الأخير من العام 2015، إذ لم يضع التدخل العسكري المباشر للقوى الكبرى في سوريا النازفة حدًا لإراقة الدماء، بل استحال المشهد لهيبًا فوق لهيب.
ولم يمثل اتفاق “الصخيرات” الموقع بين الفرقاء الليبيين برعاية أممية مقدمة لنهاية للفوضى التي ما لبثت أن تعمقت وضاعفت وتيرة التشرذم.
وتراجعت الآمال في أن يكون للقتال أو للمفاوضات دور في إنهاء مراسم تدمير ما تبقى من اليمن المتهالك.
وقال ان تمدد إرهاب “داعش” في العراق في بضعة أيام منتصف 2014، لم يكن بوسع حكومة العراق سوى التقدم ببطء في مواجهته، ولم يأت هذا التقدم البطيء بمعزل عن وتيرة جديدة من تفشي الجرائم المذهبية التي لم تقل في وحشيتها ولا في قسوتها عما ارتكبه التنظيم الإرهابي.وبعد عقود من نزاعات مسلحة أهلية مريرة بقي السودان والصومال يراوحان مكانهما، ولا يزال من غير الممكن حصر الضحايا فيهما ولا رصد الآثار المخيفة على مستقبل البلدين في ظل التخبط السياسي.
واوضح انه في كل من مصر وتونس اللتين نجيتا من عاصفة التلاعب الدولي والإقليمي بثورتيهما أدت تحديات الإرهاب المقرونة بالاشتراطات الاقتصادية الدولية إلى تراجع التطلعات، ولا تزال الطموحات الشعبية المدعمة بالاستحقاقات الدستورية بعيدة المنال.
وتوارت القضية الفلسطينية خلف كل هذا الضباب في مرحلة يتمتع فيها الاحتلال الإسرائيلي بغطاء توفره الاضطرابات الواسعة في الإقليم، والانشغال العربي العميق بالقضايا الذاتية في كل بلد، بالإضافة إلى غلبة الصراع المذهبي على فلسفة بعض نظم الحكم في المنطقة، ولم يعد للعمل الرسمي العربي تأثير يُذكر في الملف الفلسطيني سوى بالتصريحات ذات الطابع الروتيني، على نحو بات يُغري الإدارة الأمريكية الجديدة 2017 بإتمام مؤامرة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة.
واشار الي الفترة التي يتناولها التقريرشهدت تقدمًا ملحوظًا في مشاركة المرأة على الأصعدة السياسية بصفة خاصة، إلا أن هذا التقدم لا ينبيء بتوافر الإرادة السياسية الجادة بقدر ما يشي بالحاجة إلى دعم شعبي لنظم الحكم في مرحلة تحولات عاصفة.
وويقول امين عام المنظمه انه في ظل هذا الاضطراب الإقليمي الواسع والمعقد والمتراكب والمخاوف من الخرائط المتغيرة بين لحظة وأخرى لم يخل بلد عربي واحد من التضرر بالنزاعات وإفرازاتها أو على أقل تقدير بالإرهاب، فإن لم يكن البلد قد تعرض لجرائم الإرهاب بشكل ملموس، فقد تحرك أمنيًا وقضائيًا للوقاية منه، وفي غضون هذا التحرك لم تأل المؤسسات الأمنية جهدًا لخلط المعارضة السياسية بالإرهاب وربط الجمل القصيرة بالجرائم الإلكترونية.
ويهتم التقرير بالتحولات التي تشهدها خريطة التنظيمات الإرهابية الفاعلة في المنطقة، لما لها من أثر بالغ على تحولات الخرائط السياسية بين يوم وآخر، واستخدام تدابير مكافحتها كذريعة لتبرير خنق الحريات العامة بدلاً من تعزيز البُنى المجتمعية وتنمية مقومات الدولة المدنية للتغلب عليها.
وكما درجت العادة في المنطقة العربية كانت حقوق الإنسان -واقعًا وضمانات- الضحية الأسهل لاعتبارات حفظ الأمن والاستقرار ومزاعم دوران عجلة الاقتصاد ولو بأي وتيرة كانت، وكأن الدوائر الرسمية لم تع بعد دروس هذه الحقبة القاتمة.
ويري انه من أسوأ ما طبع الفترة التي يغطيها التقرير تقدم فئة الحقوقيين العرب إلى صفوف الفئات المستهدفة بالجرائم، فعلى تفاوت بين بلد وآخر كان الحقوقيون ضحايا للقتل والاختطاف والملاحقات الأمنية والمحاكمات والعقوبات السالبة للحريات وحملات التشويه والتعميم، وتضاعفت التوجهات نحو تقييد حرية الجمعيات بتعديلات تشريعية تسير عكس اتجاه حركة التاريخ.
وفات الحكومات العربية أن السؤال الذي تحتاج إلى أن تجيب عليه بداية إنما يتعلق بمدى اتساق تدابيرها السلبية بحق الحقوقيين وغيرهم مع التوجهات التي تعبر عنها لحماية الدولة الوطنية ومتطلبات الأمن والتنمية، ولم تتمهل لتفحص مدى استجابة التدابير المتخذة هذه لاحتياجاتها الواقعية في المواءمة بين وقف التدخلات الأجنبية غير الحميدة وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية، وهو التماسك الذي لا يتحقق سوى بتأمين حقوق المواطنة وضمان المساواة ونبذ التمييز وتأمين وسائل تحقيق العدالة والإنصاف وتنمية الشعور بالكرامة.
إن التذرع بالمخاوف من الإرهاب يفقد قيمته في اللحظة التي يتم التضييق فيها على المجتمع المدني وفي طليعته جماعات حقوق الإنسان، فالمجتمع المدني المتعافي لا يمكن أن يكون سوى مناصر لحقوق الإنسان، وهاهنا فقط يكون الطرف الأكثر حيوية وفاعلية في تنمية الوعي المدني ومحاصرة ظاهرة الإرهاب واقتلاعها من جذورها، وبدون المجتمع المدني المتعافي تبقى تدابير مكافحة الإرهاب دائرة في حلقة مفرغة، ويعجز الجميع عن الوصول لأي غايات تشاركية، وننتهي بفشل الأمة.
ويلاحظ واضعو التقرير أن الإشكالية التي باتت تواجه قطاع “المدافعين عن حقوق الإنسان” بصفة خاصة لم تعد تتعلق بمدى توافر المصادر ولا بصعوبات الوصول للمعلومات، لكنها أضحت تتجسد في غزارة المعلومات المقرونة بالحاجة إلى فك طلاسم وألغاز تضاربها، وهي إشكالية تتنامى في ظل حالة الاستقطاب السياسي والاحتقان الاجتماعي المتزايد والتمترس في خنادق المواقف المسبقة، ومعها يضيع المنطق، وتتوه الحقائق، وتسود الانطباعات.