سجل سعر صرف الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي مستويات قياسية جديدة هي الأدنى منذ عقود داخل “السوق السوداء”، مع تفاقم أزمة توفره في البنوك ومحال الصرافة في السوق المحلية.
وبلغ سعر صرف الدولار الأمريكي في “السوق السوداء”، اليوم الاثنين، 356 ريالا في صنعاء، و360 ريالا في العاصمة المؤقتة عدن، بينما هو مستقر في السوق الرسمية عند 250 ريالا.
يأتي التراجع داخل السوق السوداء خلال أسبوعين فقط، بعد تماسك نوعي للريال اليمني على مدى الأشهر الماضية، منذ استقراره عند 300 إلى 310 ريالات مقابل الدولار، منتصف العام الماضي، عقب عملية هبوط متكررة من آن إلى آخر.
وسجل سعر صرف الريال السعودي مقابل اليمني مستويات قياسية أيضا، إذ وصل سعر الريال السعودي إلى 97 ريالا يمنيا، متجاوزا السعر السابق الذي استقر عليه لنحو 5 أشهر، والذي تراوح بين 77 إلى 82 ريالا.
ولم تلبث أسعار الصرف تهوي، حتى صعدت أسعار السلع الأساسية في الأسواق المحلية بنسب متفاوتة في اليمن، الذي يعيش سكانه بالحد الأدنى منذ بدء الثورة في البلد العربي عام 2011.
“عادل علي”، وهو موظف حكومي، امتنع عن شراء حليب لطفلته الصغيرة، بعد صعود ثمنه بنسبة 25 بالمائة، وقال: “نحن بلا رواتب أصلا منذ خمسة أشهر، ولدينا أعمال خاصة برواتب متدنية، هذا الراتب الآن أصبح لا يكفيك لإطعام أسرتك”.
وترتبط أسعار السلع في السوق المحلية بأسعار الصرف، لأن غالبيتها يتم استيراده من الخارج بالدولار الأمريكي، وبيعه محليا بالريال اليمني، ويتحمل المستهلك النهائي فروق أسعار الصرف.
وتسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2014 بين القوات الحكومية والمقاومة الشعبية الموالية لها من جهة، ومسلحي جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، من جهة أخرى، في أوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة، ووجد مئات آلاف اليمنيين أنفسهم مهددين بالجوع.
وناشدت الأمم المتحدة الدول المانحة لتوفير 1.2 مليار دولار لتقديم مساعدات لـ12 مليون يمني خلال العام الجاري، محذرة من أن البديل هو الوقوع في مجاعة كبيرة.
وقال عبد العزيز محمد، وهو أحد الصرافين، إن سعر البيع والشراء للعملة الصعبة يشهد تخبطا كبيرا، مشددا على أن “تجار العملة هم من يعبثون بسعر الصرف، وإن العملية مرتبطة بهم بشكل رئيسي”.
وأضاف: “نتفاجأ أنهم يرفعون السعر، وفي اليوم التالي ينخفض بنحو 20 إلى 30 ريالا مقابل الدولار الواحد، وفجأة يختفي الدولار من السوق، وأحيانا يتوفر بصورة كبيرة”.
فيما رأى الصحفي والمحلل الاقتصادي، فاروق الكمالي، أنه “من الطبيعي تراجع قيمة الريال في ظل الحرب وتوقف حركة الاقتصاد واستنزاف الاحتياطي النقدي في الخارج”.
وأضاف الكمالي أنه “طوال السنوات الماضية كان سعر الصرف يعيش وهم الاستقرار لأسباب سياسية، وليس لعوامل العرض والطلب، والتراجع الأخير يعود إلى غياب دور البنك المركزي في السيطرة على سوق الصرف، الذي أصبح بيد المضاربين يتحكمون به في عمليات لا تستند إلى مؤشرات اقتصادية وإنما لاستغلال تطورات معينة”.
لكن آخرين عزوا التراجع في قيمة العملة المحلية إلى معالجة الحكومة لأزمة السيولة المالية بطبعها 400 مليار ريال تساوي نحو 1.6 مليار دولار في روسيا، وضخ كمية كبيرة من الريالات في السوق.
ويقدّر طارق عبد الرشيد ملهي، أستاذ المصارف والبنوك في المعهد الوطني للعلوم الإدارية والمصرفية، أن “ضخ السيولة في السوق كان مخططا له من جانب الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن، بهدف ضرب المخزون المالي لجماعة الحوثيين، التي نهبت أكثر من 4 مليارات دولار من البنك المركزي، بينها عملة محلية”.
وأوضح ملهي أن “هناك أكثر من تريليون ريال يمني اختفت من السوق، وتم تخزينها في المخابئ والبيوت، ما تسبب في أزمة سيولة، حتى أن البنك المركزي أخرج قبل أشهر عملة محلية تالفة لصرف الرواتب”.
واعتبر أن “هذه الخطوة ستكون بالنسبة للمواطن اليمني العادي قاصمة للظهر، لكنها بالنسبة للحكومة أنسب الحلول.. أتوقع استمرار هبوط الريال بشكل أكبر في حال أُخرجت تلك الأموال المختفية إلى السوق من جديد”.
ويضع مدير البنك المركزي في عدن، خليل شيباني، حلولا تسعى إليها الحكومة، منها التواصل مع بعض الدول والمؤسسات النقدية، لمنح اليمن مساعدات مالية أو ودائع.
وكان الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، بحث، في زيارته للدوحة، مع أمير قطر، تميم بن حمد، الأسبوع الماضي، إمكانية وضع وديعة مالية قطرية في البنك المركزي اليمني.
وقال شيباني إن “انهيار قيمة الريال يعود بدرجة كبيرة إلى المضاربين تجار العملات، حيث يتم رفع سعر الدولار بمجرد وصول السيولة التي طُبعت في روسيا، وقبل أن تُضخ في السوق، فضلا عن النهب الذي طال الاحتياطي النقدي للبنك المركزي من قِبل جماعة الحوثيين”.