هى لحظة انكسار عامة على مستوى الأمة، وعلينا جعلها لحظة عابرة بأسرع ما يمكن عبر إعادة الاعتبار لأنفسنا قبل كل شىء.
لن انساق نحو لحظة خيبة الأمل العامة التى تسيطر على كل اقطارنا، وأحاول أن أنجو من موجة الاكتئاب العابر للبلدان العربية، الذى نلمسه فى كل حديث عام، ولكن أيضا يجب ألا نبيع الوهم فى الوقت نفسه.
نعم نحن نعيش مرحلة اضطراب واسع فى كل شيء، ابتداء من اقتصادات هشة، إلى صراعات دامية أحيت معها موروثا من الخلاف المدمر الذى لا يقبله عقل ولا يقره منطق، وسيجد مؤرخ هذه الحقبة عن الأمة العربية عجب العجاب ليكتبه للأجيال القادمة، تشبه ما نقرؤه عن لحظات انهيارات عدة مرت فيها هذه الأمة ثم فاقت ثانية.
نعم نحن نحيا كأمة عربية زمنا تنهار فيه كل الأشياء، ونعانى حصارا عالميا يريد أن ( يوصم) العربى بكل سمات التخلف والقبح والإرهاب.
وصار مجرد أن تذِّكر بعروبتك أو حتى بانتماء وطنى لبلدك مثاراً للسخرية، بل والشعور بالخزى عند البعض.
وهناك حالة تكريس للعدمية، والسخرية من كل ماله علاقة بالأوطان ولغتها وتاريخها!.
أنا مؤمن بأن ذاك عارض مؤقت سيزول وسيبقى عصب الانتماء لهذه الأرض الممتدة من الماء إلى الماء، حاضرا ومتجاوزا كل هذا التشظى.
فمازال هذا الوجدان منتميا لهذه الجغرافيا. بكل تنوعها الدينى والثقافى والجغرافيا والأعراق.
فها نحن نكتب ونقرأ بلغة مازالت تبعث الطرب فى وسط شعوب ممتدة من مضيق جبل طارق إلى مضيق باب المندب!. واسمع أغنية يرددها سكان اثنين وعشرين بلداً يضاف لهم شعوب حية أخرى، لم نلتفت إليها بعد من تشاد إلى إريتريا.
هذا البعد الحضارى الإنسانى للأمة، الذى تجاوز العرق والانتماءات الضيقة إلى رحاب أوسع، رغم كل الصعوبات والإحباطات وتوالى خيبات الأمل مازال بُعدا مستمرا بالألق.
لفت نظرى كيف يجاهد الإيطاليون لصون لغتهم فى محيط يموج بلغات كاسحة من حولهم سواء إنجليزية وإسبانية أو عربية، وكيف لغة ألبرتومورافيا تبقى محصورة فى بلد البيتزا الجميل والمدهش.
فايطاليا مثل تركيا أو إيران دول تدرك ألا أحد يتحدث لغتها غير محيطها الوطنى، ولو ترك أمر نشر لغة أخرى متاحا لصارت مكتسحة.
لذا ستجدها أكثر بلدان العالم حرصا على ترجمة كل شيء إلى لغتهم الأصلية، وذلك أوجد لديهم حركة ترجمة فذة، وهو أمر يستحق التقدير.
وأمر ينطبق على دول شرق أوروبا مثلا، بعكس أمتنا التى تشرذم حالها وتمزقت أوصالها، ولم تعمل على إيجاد سبل وصل بينها، وفتح نوافذ العصر بثقة واقتدار.
وها نحن نرى اللغة تضيع فى غربة عجيبة بين جيل يودعها وآخر لا يعرف كيف يستقبلها!.
والمثير للدهشة أنه رغم التمزق الممنهج لا تزال رقما صعبا.
وبعيدا عن إعادة النظر بمشروعات النضال السياسى للقومية العربية، من تجربة أحزاب بغداد ودمشق وتنظيم القاهرة، فى خمسينيات وستينيات القرن المنصرم.
واقع الحال يؤكد ألا مخرج لهذه الرقعة من الأرض نحو النهوض وخلق الاستقرار غير إحياء تضامن إقليمى ، صار ضرورة فى وجه تكتلات عابرة تتهافت نحو المنطقة، ولابد من إيجاد آليات تعاون وفتح حدود مغلقة لا معنى لإغلاقها. ووضع تجربة الجامعة العربية تحت مشرط البحث، ومجهر التجديد للخروج من غيبوبة صراع الدول الأعضاء.
ولن يكون ذلك ممكنا دون إعادة الاعتبار للثقافة ، وجعل المعرفة ركيزة للتنمية، والعمل على الأمر ليس وهما ولا نوعا من الحلم البعيد، (رغم أنه من حقنا أن نحلم )، ولكنها تغيرات الواقع التى تفرض نفسها وتطرح حقيقة واضحة، أن غياب مشروع لوقف انزلاق الأمة نحو التمزق، هو السبب، وضرورة إحياء مشروع تضامن واسع يراعى تطورات العصر ويستفيد من خيبات التجارب السابقة يبقى هو الحل.
وأن أى بلد عربى يعيد النظر فى جعل أولوياته فى أن يرتب وضعه لابد له أن يلتفت حوله ونحو محيطه القريب، وسيجد أنه أجدى له من الذهاب بعيدا أو خلق نزاعات لا معنى لها.
والأمر ببساطة أن الالتفات إلى المحيط العربى والإقليمى، يصنع من كل بلد عربى رقما وازنا قابلا للنمو فلماذا يفر أهل الدار من منزلهم!؟ ذاك سؤال حزين ليس فيه سذاجة.
ويبقى فى نظرى أن هذا الذعر من مناقشة أى تقارب عربى ممكن، هو حالة انكسار مؤقتة آن لها أن تنتهى.
ومن منطق المصالح المشتركة وتعاظم الأرباح وليس من منظور رومانسى حالم.
الكاتب سفير اليمن في المغرب
نقلا عن الاهرام القاهريه