يبدو -للوهلة الأولى- أن هناك فرقًا شاسعًا في مدينة عدن العاصمة المؤقتة لليمن، خلال شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري 2017، وبين ذات الشهر من العام السابق 2016 لاسيما في الجانب الأمني وتطبيع الحياة الاجتماعية في هذه المدينة الساحلية جنوب البلاد.
وخرجت عدن من حرب هي الأقسى والأشد على مرّ تاريخها، حيث كان غزو ميليشيات الحوثي وصالح لها في مارس/آذار من العام 2015 وسيطرتها على أهم مناطقها طيلة ثلاثة أشهر، لهما بالغ الأثر في بنيتها التحتية التي تدمرت بشكل كبير، فضلاً عن الحالة النفسية السيئة التي اجتاحت وجدان أهلها وما تسببت فيه تلك الحرب من عمليات نزوح جماعية رافقها العديد من الانتهاكات بين قتل واختطاف وتشريد وترويع.
ولأن عدن كانت المحافظة الأولى باليمن التي تم تحريرها بشكل كامل من ميليشيات الحوثي وصالح، أخذت هذه المدينة نصيب الأسد من الجرائم والانتهاكات التي مارستها تلك الميليشيات وخلاياها النائمة أثناء فترة احتلالهم لها، وحتى ما بعد إعلان تحريرها في يوليو/تموز 2015.
لم يكن تحرير عدن كافيًا لإعادة الأمن والاستقرار لها، لاسيما أنها سقطت بيد تلك الميليشيات في بادئ الأمر من خلال عناصر موالية لها متواجدة في عدن منذ سنوات خاصة في تلك المعسكرات المنتشرة داخل مديريات المدينة التي تنتمي لقطاعات عسكرية وأمنية جميعها موالية للمخلوع صالح التي منها انطلقت شرارة الانقلاب في عدن.
حرب ثانية
واجهت عدن منذ ما بعد إعلان تحريرها، حرباً أخرى لا تقل قوة عن سابقتها، إن لم تكن أشد خطراً، كونها لم تكن معلنة أو تدور من خلال مواجهات عسكرية، بل تمثلت في عمليات اصطياد وقتل لمعظم كوادر وقيادات الجيش والأمن والمقاومة الجنوبية، نفذتها عناصر مسلحة قالت إنها تنتمي لتنظيمات متشددة مثل القاعدة وداعش، في الوقت الذي تؤكد قوات الأمن أنها ليست إلا أدوات موالية للمخلوع صالح والحوثيين.
وشهدت المدينة أشهراً عصيبة منذ ذلك الوقت، وفقدت الكثير من رجالها وقياداتها، فضلاً عن العمليات الانتحارية والتفجيرات التي تطال مؤسسات عسكرية وأمنية ومقرّ الحكومة اليمنية.
وكان من أبرز تلك العمليات في تلك الفترة التفجير الذي طال مقرّ الحكومة المؤقت في فندق القصر غرب عدن، وما تلاه من عملية اغتيال طالت محافظ عدن السابق اللواء جعفر محمد سعد في حي التواهي، وعقب ذلك التفجير الذي استهدف البوابة الخارجية لمنطقة معاشيق حيث قصر الرئاسة فضلاً عن عمليات تفجير استهدفت حواجز أمنية ومعسكرات لمجندين.
يناير 2016
وكان شهر يناير/كانون الثاني من العام 2016 الأكثر دموية، حيث أكدت تقارير منظمات المجتمع المدني في عدن أن ذلك الشهر شهد أكثر من 30 عملية اغتيال ونحو 4 عمليات تفجير بسيارات مفخخة إحداها استهدفت حاجزًا أمنيًا خارجيًا للقصر الرئاسي بعدن القديمة، وسقط في هذا الشهر ما يقرب من 60 قتيلاً و40 مصابا، فضلاً عن تعرض محافظ المدينة ومدير أمنها لمحاولات اغتيال عديدة.
وفي هذه الأثناء، لم يكن لقوات الأمن تواجد عدا بعض الحواجز الأمنية التي يديرها بعض من شباب المقاومة الجنوبية غير المؤهلين تأهيلاً كافياً لإدارة أمن المدينة، وهو القطاع الأمني المهم الذي بدأ اللواء شلال شائع بمسك زمامه ووضع لبناته الأساسية في أواخر شهور العام 2015.
وأعلنت وقتها قوات الأمن والسلطات المحلية فرضاً لحظر التجوال في المدينة مساءً، فيما دشنت عمليات مداهمات وتفتيش واعتقال لبعض من المشتبه فيهم بتنفيذ عمليات إرهابية، وشددت من إجراءاتها بحسب الإمكانات الشحيحة المتاحة لها، علاوة على ذلك فإن معظم المؤسسات والقطاعات الحيوية في عدن خلال تلك الفترة كانت مغلقة ومنع إعادة فتحها مسلحون كانوا يتواجدون فيها.
دعم التحالف
لم تتوانَ دول التحالف العربي -لاسيما السعودية والإمارات- عن تقديم الدعم اللازم للأجهزة الامنية في عدن في إطار الدعم المستمر لتطبيع الحياة في المحافظات المحررة، واستمرت بتقديم كافة أنواع الأسلحة والعتاد والمركبات فضلاً عن تدريب المئات من شباب المقاومة في معسكرات داخلية وأخرى خارجية تمهيداً لدمجهم في قوام أجهزة الأمن والجيش الوطني.
واستمرت الحالة الأمنية بالتحسن رويداً رويداً في عدن، لكن ذلك لم يُوقف تلك الجماعات المسلحة بشكل نهائي، حيث يقول الناطق الرسمي لشرطة عدن عبدالرحمن النقيب لـ”إرم نيوز” إن الجماعات الإرهابية وعناصرها التي تم القبض عليها وبعد التحقيق معها اتضح أن أحزاب وجماعات مرتبطة بالإنقلابيين تغذيها وتدعمها بشكل مستمر، مشيراً إلى أن قوات الأمن تبذل كل جهدها لتقويض عمل تلك الجماعات وحصارها حتى يتم اقتلاع جذورها.
وأوضح النقيب أن قيادة إدارة أمن عدن بقيادة اللواء شلال شائع تمكنت من القبض على أكثر من 350 عنصرًا من تلك الجماعات الإرهابية خلال العام 2016، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية اليوم باتت تشكل حالة أفضل بكثير مقارنة بالأشهر الماضية.
وعن عام 2017، قال النقيب إن هناك خططا أمنية معدَّة مسبقاً لتثبيت الأمن في المدينة، وبالفعل بدأ العمل بها، حيث تمكنت قوات الأمن من إحباط الكثير من العمليات الإرهابية منذ مطلع العام الجاري، فضلاً عن عمليات اعتقال ومداهمات تمت لأبرز تلك العناصر لعل أهمها اعتقال المسؤول الأول عن تجنيد انتحاريي داعش قبل أيام.
إلى ذلك، قال اللواء شلال شائع يوم الأربعاء إن الاجهزة الأمنية أحبطت الكثير من العمليات الإرهابية خلال الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن قوات الأمن في تعافٍ مستمر بفضل من الله تعالى ودعم قوات التحالف العربي.
يناير 2017
ومقارنة بشهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري 2017، مع ذات الشهر من العام السابق، نجد أن عمليات التفجير والاغتيالات انخفضت كثيراً ويمكن القول إنها تلاشت، وهو الأمر الذي أكده رئيس اللجنة الأمنية لمكتب الأمن والسلامة التابع للأمم المتحدة في اليمن جوهانز جاكويس حيث قال إن الأمور باتت أفضل بكثير في عدن وتُشعر بالاطمئنان، مشيراً إلى أن ذلك سيعزز فرص استئناف نشاط مكاتب المنظمات الدولية من عدن.
ورغم أن بداية عام 2017، شهدت تحسناً ملحوظاً في العديد من الجوانب في مدينة عدن، مقارنة بمطلع العام السابق، فإن ذلك لا يعبّر بالتأكيد عن انتهاء المخاطر المحدقة بالمدينة، لاسيما أن الحرب ما زالت مستمرة في محافظات يمنية أخرى ورأس الأفعى ما زال يتحرك.