بلغ التصعيد على جبهات القتال في اليمن ذروته خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يناير الجاري، فبدا أن الحسم العسكري هو الخيار الأوفر حظاً، مع تضاؤل جهود المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، لاسيما عقب اجتماعات مطوّلة عقدها مع الجانب الحكومي في عدن دون نتائج، وتعثر وصوله إلى صنعاء بسبب اشتراط الحوثيين رفع الحصار عن مطار صنعاء أمام الطيران المدني قبل أي مفاوضات .
وكما أعلنت قبل أسابيع أن 2017 سيكون” عام النصر” فيما تبقى من جبهات القتال، استطاعت قوات الحكومة الشرعية أن تحرز منذ مطلع العام الجاري مكاسب نوعية على الأرض، وتتحول من موقع الدفاع وتبادل القصف المدفعي الذي كانت تتمركز فيه خلال الأشهر الماضية من العام المنصرم، إلى موقع الهجوم والمبادرة.
نقلة نوعية للقوات الحكومية
تمكنت القوات الحكومية، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من 2017، من تضييق الخناق على ميليشيات الحوثيين والقوات الموالية لصالح، وإحراز مكاسب على أكثر من جبهة، خاصة في جبهتي”تعز”، جنوب غربي البلاد، وفي جبهة”نهم”، شرقي العاصمة صنعاء.
وأرجع المتحدث الرسمي لقوات الشرعية، العميد عبده مجلي، تحول الجيش والمقاومة من العمليات الدفاعية إلى الهجوم، إلى التقدم الحاصل في الميادين على أكثر من جبهة، خاصة في المواقع الحساسة في مشارف صنعاء، ومعاقل الحوثيين في محافظة صعدة، شمالي البلاد، وهي عوامل ساهمت برفع معنويات الجيش، بالإضافة إلى الدعم اللوجيستي من قبل قوات التحالف العربي.
وقال مجلي خلال تصريحات صحفية: “فترة الإعداد السابقة في 2016 لا يمكن إغفالها، فالأشياء تراكمية والتغيرات الحاصلة تأتي بناء على ما تم تجهيزه خلال الأشهر الماضية، لكننا الآن أصبحنا أكثر قربًا من معاقل وبؤر الميليشيات”.
وأضاف:” القوات المسلحة أصبحت الآن مهنية واحترافية مع التدريب وتولّد لديها التدريب الاحترافي بعد ما يزيد على عام ونصف من المعارك، فضلًا عن إعداد خطط جديدة وتطوير الخطط القديمة بما يتناسب مع متطلبات المعارك”.
واعتبر مجلي، أن خسارة الحوثيين وقوات صالح للكثير من القادة على الجبهات وانهيار ما تبقى لديهم من الحاضنة الاجتماعية بسبب تزايد خسائرهم وفسادهم بعد إيقافهم لرواتب الموظفين لمدة 4 أشهر، كلها شكلت أسبابا أخرى لتقهقرهم على الأرض.
وأردف: ” في العام الماضي كنا نتحدث عن محافظات جنوبية، والآن نحن نتحدث عن معاقل الحوثيين، والجيش الوطني وصل إلى سوق البقع في مديرية البقع بمحافظة صعدة، وسيطر على جبال مندبة في مديرية باقم ولم تعد تفصله عن مركز مديرية باقم سوى 7 كيلومترات.
جبهة “نهم”
طيلة النصف الأخير من العام 2016، شكلت “مديرية”نهم”، شرقي العاصمة صنعاء، أكثر الجبهات استنزافًا للحوثيين وقوات صالح، ومع كل تقدم للقوات الحكومية، كان تحالف الحرب الداخلية يدفع بالمئات من المقاتلين، والذين يذهبون ضحايا للمعارك والغارات الجوية التي لم تتوقف.
وخلال اليومين الماضيين، أحرزت القوات الحكومية مكاسب نوعية تمثلت في تحرير عشرات من المواقع والتلال الجبلية الاستراتيجية، أبرزها: جبل”دوَه”و “جبل التوحيد” و”حيد الذهب”و”تلة الغفران”، و”جبل حلبان”.
وبحسب المتحدث باسم قوات الشرعية، عبده مجلي، فإنه بالسيطرة على التلال الجبلية تم تحرير عدد من المواقع من جبهة الميمنة وقطع إمداد الحوثيين من محافظة الجوف إلى صنعاء ومن مديرية أرحب، وكذلك تحقيق السيطرة على منطقة”ضبوعة” و”مفرق قطيين”، والتحكم في الطرق الفرعية داخل مديرية نهم، وكذلك الاقتراب من “أرحب”، آخر المديريات التي تفصل الجيش الوطني عن مطار صنعاء الدولي، وتبعد نحو 30 كيلومترًا.
وقال مجلي:” سيتم فتح جبهات جديدة لدخول صنعاء من أماكن مختلفة لم يكن يتوقعها الحوثيون وذلك بما تتطلبه المعركة وبحسب الخطط المرسومة من قبل قيادة الجيش.
وأضاف:” خلال العمليات الأخيرة في نهم، سنضمن الاقتراب الكبير من تخوم صنعاء، وفي سواحل تعز، سنقوم بتأمين الخط الملاحي الدولي في مضيق باب المندب وتقديم الدعم اللوجيستي لتحرير محافظتي تعز والحديدة.
جبهة تعز
في جبهة محافظة “تعز”، ومع نهاية الأسبوع الثاني من عمليات”الرمح الذهبي”، تمكنت القوات الحكومية الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، من تحقيق مكاسب نوعية في الشريط الساحلي، حيث تمكنت القوات القادمة من محافظة عدن، من تحرير مديرية ذوباب والتقدم إلى ما بعد بلدة ” الجديد” في أطراف مديرية”ذوباب”، فيما تواصل قوات أخرى التضييق على الحوثيين في مركز مديرية الوازعية الساحلية.
وقال فدرين طه، الناطق باسم مقاومة الصبيحة المشاركة في المعارك إن الاشتباكات انتقلت مساء الخميس، إلى سواحل منطقة”واحجة”شمالي منطقة”الجديد” على مقربة من مدينة المخا ومينائها التاريخي.
وذكر طه، أن كتيبة “سلمان الحزم” (تأسست عقب تحرير عدن نسبة إلى العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز الذي أطلق عاصفة الحزم)، هي من وصلت إلى منطقة” واحجة”، وأن أقل من 10 كيلومترات باتت تفصل القوات الحكومية عن مدينة المخاء.
وأضاف: ” مديرية ذوباب تم تحريرها بالكامل وتضم معسكرات ومستشفى ميدانيًا، وخلال الساعات القادمة سنكون في المخا”.
وفيما كشف عن مشاركة لطائرات الأباتشي التابعة للتحالف في تمشيط السواحل وكذلك البوارج الحربية، قال”طه”، إنه لم يعد هناك تواجد للحوثيين وقوات صالح في ذوباب كجيش منظم، بل يخوضون حرب عصاب عبر عشرات القناصة المتمركزين في التلال الجبلية لمعسكر العُمري، شرقي ذوباب، بالإضافة إلى اعتمادهم على الألغام.
وفي مديرية “الوازعية”، قال أحد القادة الميدانيين، إن التقدم العسكري يسير ببطء خوفًا من ألغام زرعها الحوثيون وقوات صالح في المنطقة الصحراوية.
وفي مديرية” مقبنة”، غربي مدينة تعز، تتواصل المعارك بشدة بين القوات الحكومية والحوثيين والتي تهدف إلى قطع خط الإمداد الحوثي من مدينة تعز، باتجاه الساحل الغربي بالمخا، وسط استماتة كبيرة من قبل ميليشيات الحوثيين.
حصار تعز ينحسر
يفرض الحوثيون وقوات صالح حصارًا خانقًا على مدينة تعز منذ أكثر من 20 شهرًا، باستثناء منفذ فرعي يربط المدينة بمحافظة عدن، جنوبي البلاد، لكن المعارك الأخيرة في طريقها لفض الحصار خاصة من الساحل الغربي.
ويرى الكاتب الصحفي، رشاد الشرعبي، أن اشتعال 4 جبهات للمعارك غرب تعز وشريطها الساحلي، يهدف بدرجة رئيسة إلى فك الحصار عن مدينة تعز المستمر منذ عامين، وإيقاف عمليات تهريب الأسلحة من خارج اليمن عبر منافذ التهريب والتي لدى الحوثيين خبرة كبيرة فيها وتأمين الملاحة الدولية في باب المندب بعد الاعتداءات التي تعرضت لها العديد من السفن والبوارج في البحر الاحمر.
وقال الشرعبي: ” بالسيطرة على ميناء المخاء سيكون من السهل إيصال البضائع والسلع والمعونات إلى تعز المحاصرة والمحافظات المحيطة بها وربما إلى العاصمة صنعاء في ظل إغلاق ميناء الحديدة.”