قال المدير التنفيذي للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ) عبدالرحمن برمان إن عدد ضحايا الألغام في اليمن قد تجاوز خمسين ألف ضحية على مدى أكثر من نصف قرن، حتى ما قبل الحرب الحالية، والتي قفزت فيها أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق.
واشار برمان في الندوة التي عقدها المركز الأمريكي للعدالة بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام، إلى أن مشكلة الألغام في اليمن ليست حديثة؛ بل تعود جذورها إلى ستينيات القرن الماضي، وما تلا تلك الفترة من صراعات وحروب داخلية، وأخرى بين شطري البلد قبل توحيدها في العام 1990، ثم بعد ذلك في حرب 1994، ثم حروب صعدة الستة، والحرب القائمة حاليا.
واستعرض برمان خلال الندوة بعض بيانات ومعلومات التقرير الصادر عن المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) حول الألغام في اليمن “الألغام: القاتل الأعمى”، والذي تم عمل عليه طاقم الرصد والتوثيق في المركز للحصول على بيانات وأرقام ومعلومات خلال الفترة من يوليو 2014 حتى فبراير 2022.
وتحدث المحامي والناشط الفلسطيني محمد عماد رؤية حول إمكانية المساءلة الجنائية لمرتكبي جرائم زراعة الألغام، موضحا أنه وفي ظل الإفلات من العقاب القائم حاليا، وبسبب انقسام القضاء في اليمن؛ فإن عملية المساءلة أمام القضاء المحلي وبالأدوات المحلية غير ممكنة في الوقت الحالي، إلا أنه أكد توفر ثلاثة شروط لإمكانية المساءلة الجنائية الدولية لمرتكبي جريمة زراعة الألغام في اليمن، وأولها هو حدوث الفعل الجنائي المسنود غلى الحوثي والمتهم بزراعة تلك الألغام، وثانيها هو تحقق الضرر على المدنيين والبنية التحتية، وهو ما توثقه التقارير والمعلومات الميدانية والمنظمات الحقوقية وشهادات الضحايا.
وذكر الناشط محمد عماد أن الشرط الثالث لإمكانية المساءلة الجنائية الدولية هو توفر العلاقة السببية أو الترابطية بين الفعل الإجرامي والنتيجة الإجرامية، مشدداً على أن الثلاثة الشروط توفرت، وأن الحوثيين، وإلى جانب تعمدهم زراعة الألغام بقصد إلحاق الضرر بالمدنيين؛ فقد تعمدوا أيضاً إغفال وضع أي إشارات تحذيرية لمواقع الألغام، وتهربوا من إبراز الخرائط أو الإفصاح عن المعلومات التي تمكن من تجنبها ونزعها، .
وتحدث رئيس منظمة سام للحقوق والحريات المحامي توفيق الحميدي عن زراعة الألغام في الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، مستعرضا الخلفية التاريخية ومضامين القانون الدولي لحماية المدنيين من الأعمال العسكرية وتجنيبهم آثارها، وصولا إلى تجريم زراعة الألغام واتفاقية أوتاوا لحظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، مؤكدا أن مجمل القانون الدولي الإنساني كان يهدف إلى تحديد قواعد الاشتباك وتجنيب المدنيين الإصابات المباشرة بالحرب، وإيجاد السبل والطرق اللازمة لحمايتهم عند الحروب والصراعات المسلحة.
وقال إن نظام علي عبدالله صالح كان قد أعلن بعد التوقيع على اتفاقية أوتاوا أنه قام بتدمير كامل مخزون الألغام الموجود لدى الجيش اليمني؛ إلا أن وصول جماعة الحوثي إلى مخازن الجيش كشف أنه لم يكن هناك التزاما بالاتفاقية، وأن الألغام كانت لا تزال متوفرة فيها، حيث استخدمتها الجماعة في حربها التي وصفها بالافتقار للشرعية والمشروعية.
ونوه إلى أن جماعة الحوثي تستند في ارتكابها لمختلف الجرائم إلى أنها ستبقى خارج المساءلة بسبب عدم اعتراف المجتمع الدولي بها، إلا أن ذلك غير صحيح حسبما قال، حيث أن القانون الدولي الإنساني أوجد نصوصاً لمساءلة ومحاسبة الجماعات المسلحة خارج الدولة على انتهاكاتها وجرائمها ضد حقوق الإنسان.
وكان المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) أطلق بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام تقريره الخاص بكارثة الألغام في اليمن والذي أسماه “الألغام…القاتل الأعمى”، يرصد فيه ويوثق حالات القتل والإصابة وتدمير الممتلكات الخاصة، بفعل الألغام التي انفردت جماعة أنصار الله الحوثيين، عن بقية أطراف النزاع، بزراعتها في (17) محافظة يمنية دارت فيها معارك الحرب، خلال الفترة من يونيو 2014، وحتى فبراير 2022.
وقال معدّو التقرير إن جماعة الحوثيين ارتكبت هذه الممارسات بمنهجية في كافة المواقع العسكرية التي تسيطر عليها، وفي المناطق والطرق التي تنسحب منها، وعملت على صناعة الألغام الفردية بخبرات محلية في مصانع أنشأتها مستخدمة معدات الجيش في المناطق التي سيطرت عليها، ووزعت تلك الألغام وخزنتها في كافة المناطق بالمخالفة للاتفاقيات الدولية التي مصادقة عليها اليمن، وأن زراعة الألغام تمت بطريقة عشوائية، ودونما ضرورة عسكرية في أغلب الأحيان.
وذكر التقرير أن لألغام تسببت بمقتل عدد (2526) من المدنيين، منهم (429) طفلا و(217) امرأة، وإصابة (3286) آخرين، منهم (723) طفلا و(220) امرأة، في (17) محافظة يمنية، وأن 75% من المصابين بالألغام تعرضوا للإعاقة الدائمة أو التشويه الملازم لهم طيلة حياتهم.
ووثق المركز الأمريكي للعدالة في تقريره تدمير (425) من وسائل النقل الخاصة المختلفة بشكل كلي و(163) بشكل جزئي بسبب الألغام الأرضية، ومقتل (33) من العاملين في مشروع مسام السعودي لنزع الألغام في اليمن منهم (5) خبراء أجانب وإصابة (40) آخرين.
كما وثق (ACJ) تدمير (334) مزرعة بشكل كلي، ونفوق (2158) من المواشي بسبب زراعة الحوثيين للألغام، واتهم جماعة الحوثيين بزراعة الألغام الفردية في الطرقات والمراعي والمنازل وآبار مياه الشرب.
وتوصل التقرير إلى عدد من النتائج الكارثية التي تسببت بها الألغام كإعاقة وصول الأطفال إلى المدارس، ومنع المدنيين من الوصول إلى المراعي والمزارع، وإجبار المدنيين في القرى والأرياف على النزوح القسري، ومنع وصول المساعدات الانسانية للفئات الضعيفة.