سر هذه الحرب ولماذا هذا التحالف بين عفاش والحوثي, في المقال حقائق مخيفة ومرعبة كانت خافية على الكثير وقد كنا نحذر منها سابقا وكانت مطابخ عفاش والحوثي تدافع عنها بقوة واستماته عجيبة وهذه هي الاسباب:-
يتساءل كثيرون عن طبيعة الحرب الدائرة في اليمن هذه الأيام..
هل هي حرب مذهبية ــ طائفية؟
أم حرب مناطقية ــــ عرقية؟
أم حرب سياسية؟
أم هي خليط من ذلك كله؟
ويتساءل الناس: عن سر التحالف الذي جمع بين علي عبدالله صالح وحرسه الجمهوري، وبين عبدالملك الحوثي ومليشياته الإمامية؟
هل هو تحالف مذهبي؟
أم مناطقي؟
أم سياسي؟
أم هو خليط من ذلك كله؟
ويتساءل الناس: ما الذي يدفع قوات الحرس الجمهوري ومليشيات الحوثي إلى شن هذه الحرب الدموية على المحافظات الوسطى والجنوبية؟
وما الذي يجعلهم يصبون جام غضبهم وحقدهم على المدن اليمنية الخارجة عن الهضبة الشمالية؟
وما الذي يجعلهم يستميتون في حربٍ خاسرة؟
ولماذا يستهينون بحياة مقاتليهم كل هذه الاستهانة؟
ما السبب في كل ما يجري؟
ولكل ما يجري؟
هذه الأسئلة لن نستطيع الإجابة عنها ما لم نفك شفرة الحروب التي تشن منذ قرون من الهضبة الشمالية ــ المحسوبة جغرافياً على الزيدية ــ على كل أبناء اليمن خارج الهضبة..
نحن إذن بحاجة ماسة للعودة إلى التاريخ..إلى القرن الثالث الهجري حين قدم أول أئمة الزيدية الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي(284 ـــ 298هـ )من الحجاز حاملاً معه فكرة حصر الإمامة في البطنين(ذرية الحسن والحسين)، والهادي هو المؤسس للمذهب الهادوي الزيدي في اليمن، وقد خالف الإمام زيد في مسائل كثيرة أصولية وفرعية، ولعل أهمها مسألة حصر الإمامة في البطنين والتي لم يقل بها الإمام زيد رحمه الله، وقال بها الهادي وأصبحت أصلاً من أصول الهادوية، وأتباع الهادي يطلقون على أنفسهم مسمى:-
(الزيدية الهادوية).
ولو قال قائل:-
بأن الهادوية قد اختطفت المذهب الزيدي، وذهبت به بعيداً عن الإمام زيد لم يكن مجانباً للصواب.
والمتأمل في سيرة الهادي والذي قضى حياته في الحروب مع القبائل اليمنية يرى أنه كان يهدف من تأسيس المذهب إلى إيجاد جيش عقائدي يكون في خدمة الهاشمية السياسية.. وكان ذلك يقتضي أن يكون كل زيدي مقاتلاً في سبيل دولة السيد..لكن ومع مرور الوقت، وانتشار المذهب في الهضبة الشمالية، أصبح من العسير جعل كل أتباع المذهب مقاتلين..بل أصبح من الصعب جعل الأفكار السلالية العنصرية التي جاء بها الهادي محل قبول من كل أبناء الزيدية.. لقد ظهرت في إطار الزيدية مدارس وتوجهات أخرى، كان أبرزها(المطرفية) الذين تعرضوا لأقسى حملة إبادة على يد الإمام الطاغية عبدالله بن حمزة بسبب رفضهم لمقولة (حصر الإمامة في البطنين)وقولهم بالشورى، وأن الإمامة تصح في كل مسلم صالح تقي قادرٍ على النهوض بأعبائها..
البعض من ذوي النظر القاصر ينظر إلى أبناء الهضبة الشمالية المحسوبة جغرافياً على الزيدية على أنهم كتلة واحدة، وعلى رأي واحد في تأييد الهاشمية السياسية ومظالمها وجرائمها في حق أبناء اليمن، ونحن نعلم أن أبناء الهضبة الزيدية لم يسلموا من جرائم وطغيان الهاشمية السياسية، وليسوا كلهم يعتنقون الأفكار الكهنوتية السلالية المتدثرة بالمذهب الزيدي، بل منهم معارضون أحرار دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم.
نعم..لاشك أن هنالك تحالف وثيق قام بين الهاشمية السياسية وبين البعض من أبناء الهضبة الشمالية، وهو التحالف الذي سنطلق عليه مصطلح(الزيدوية)وسنحاول هنا الفصل بين(الزيدية)كمذهب عملت الهاشمية السياسية على استغلاله وتوظيفه لمآربها، وبين (الزيدوية)كحالة مستجيبة لذلك الاستغلال والتوظيف، بين الزيدية كواقع جغرافي واجتماعي وثقافي متنوع، وبين الزيدوية كفكرة عصبوية تؤمن بالعنف والاستحواذ..
إن الزيدوية في مسارها التاريخي لم تكن سوى حركة سياسية عنصرية استعلائية لا تؤمن بالتعايش مع الآخرين إلا أن يكونوا رعايا تابعين ومحكومين، ثم هي تشن الحروب عليهم في حال رفضهم للتبعية والتهميش.
والزيدوية بهذا المعنى لم يسلم من شرها حتى أبناء المذهب الزيدي المختلفين معها، فهم ـــ كغيرهم من أيناء اليمن ـــ ذاقوا الويلات من هذه الحركة الدموية المتعصبة. والتاريخ يحدثنا عن حروب كثيرة شنتها الزيدوية على مخالفيها داخل الهضبة!
تاريخياً استفادت الهاشمية السياسية من الزيدوية، في بسط حكمها، وترسيخ نفوذها، وكانت هناك علاقة من التخادم بين الطرفين على المستوى السياسي والمادي، ففي مقابل خدمات أبناء القبائل المتحالفين مع الهاشمية السياسية، وبذلهم لأرواحهم في سبيل اخضاع أبناء اليمن لحكم(السيد)كان(السيد)يصدر الفتاوى التي تحلل لأبناء تلك القبائل نهب وسلب أموال المخالفين في المذهب بحجة أنهم كفار تأويل.
إن القبائل اليمنية والتي هي في الأصل وارثة لحضارات يمنية عريقة، أرادت الهاشمية السياسية إغراقها في الجهل والتوحش الديني، وعملياً فلم يكن أبناء القبائل في الهضبة الشمالية في نظر(السيد)سوى كائنات دونية سخرها الله لخدمته، ووقوداً لمعاركه المقدسة في سبيل اخضاع الآخرين، والاستحواذ على السلطة والثروة.
وكم هو مؤسف أن قبائل الهضبة الشمالية والتي هي في الأساس قبائل زراعية عملت الزيدوية على تحويل مجاميع من أبنائها إلى عصابات همجية تمارس القتل واللصوصية باسم الله!
فلقد أقنع(السيد)من استطاع اقناعهم من أبناء الهضبة الشمالية أن ما يقومون به من قتل وسلب ونهب وترويع لأبناء المناطق الوسطى والسفلى من اليمن هو جهاد في سبيل الله ضد الشوافع الكفار!
كان (السيد) يتظاهر بالحذلقة وهو يصف الشافعية بأنهم(كفار تأويل)وكان الهدف من ذلك ترسيخ ثقافة القتل والنهب والسلب لدى أبناء القبائل في شمال الشمال، وهو ما ظهر جلياً في فتوى أحد أئمتهم ويدعى المتوكل إسماعيل الذي أصدر فتوى أسماها:-
(إرشاد السامع إلى جواز أخذ أموال الشوافع)!
ومن هذا المنطلق شنت الزيدوية الحروب على أبناء تهامة، وتعز، وإب، ويافع، ولحج، وعدن وغيرها من المناطق الخارجة عن الهضبة الزيدية.
والتاريخ هنا يحدثنا عن فظاعة الحروب الزيدوية..وهي فظائع قد لا يصدقها كثيرون.. العلامة الشوكاني يحدثنا عن قتل للنساء والأطفال وعن بقرٍ لبطون الحوامل)..
وأما العلامة المؤرخ زبارة فيحدثنا عن الأذان التي كانت تقطع طمعاً في الخرص(القرط)الذي عليها! وعن أذانٍ بيعت في صنعاء بأخراصها)!!
أما العلامة ابن الأمير الصنعاني فيحدثنا عن طوفان من الإجرام والتوحش كان يعصف بالمناطق الخارجة عن الهضبة):-
هل في القلوبِ بيومِ الحشرِ إيمانُ
وهل بما قالهُ الرحمنُ إيمانُ
وهل علمتم بأن اللهَ سائلُكم
عما قريبٍ وللأعمالِ ديانُ
يا ساكني السفحَ من صنعاءَ هل سفحت
لكم على ما جرى في الدينِ أجفانُ
عن(اللحية)هل وافاكمُ خبرٌ
تفيضُ منهُ من الأعيانِ أعيانُ
تجمعت نحوها من كلِ طائفةٍ
طوائفُ حاشدٍ منها وسفيانُ
وذو حسينٍ وقاضيها وقائدها
درب الصفا وقشنونٌ وجشمانُ
أسماءُ شرٍ وأفعالٌ مقبحةٌ
طوائفٌ مالهم يمُن وإيمانُ
فما يخافون من يوم المعاد ولا
عليهم لذوي السلطانُ سلطانُ
فكم أخافوا وما خافوا وكم نهبوا
وأخربوا فلهم في الأرضِ نيرانُ
في دولة الملك المنصور كم هلكت
بنادر ومخاليف وبلدانُ
الشرق والغرب منها والتهايم بل
والبحر قد خافهم في البحر حيتانُ
لا تنس(قعطبةَ)إن كنت ذاكرها
فقد أباح حماها قبل قحطانُ
كذا المعاقل من(دمتٍ)ومن(جبنٍ)
و(لحجٍ)قد طاف بها للحرب طوفانُ
والبندر البندر المشهور من(عدنٍ)
سارت بأخباره في الأرض ركبانُ
وهل نسي أحد(بيتُ الفقيه)وقد
صُكت بأخبار(يام)فيه أذانُ
كم من عزيزٍ أذلوه وكم جحفوا
مالاً وكم سلبت خودٌ وظبيانُ
تلك كانت هي أفعال مجاهدي الزيدوية، ولا غرابة أنهم كانوا مدمنين على البردقان(الشمة) والحشيشة والخمرة، وكانوا يفرضون الجزاءات المالية على الناس في سبيل الحصول عليها… هذا ما يذكره عنهم العلامة ابن الأمير الصنعاني بقوله):-
أتيتم بأصنافِ الضلالاتِ كلِها
وجئتم بأنواعِ الأمورِ المنَاكرِ
وأما الجزاءات التي كل ليلةٍ
تسمى سياراً وهي إحدى الفواقرِ
ففي(بردقانٍ)أُنفقت وحشيشةٍ
وخمرٍ لخمارٍ ولهوٍ لسامرِ
وهكذا لم تقدم الزيدوية شيئاً لأبناء الهضبة الشمالية، بل أفسدت عليهم دينهم ودنياهم وآخرتهم..
لقد غرست فيهم الاستعلاء الفارغ، والانتفاش الكاذب، وجعلتهم يحتقرون كل الأعمال الزراعية والمهن الحرفية والتجارية، وكان هذا مقصوداً لضمان مددٍ لا ينقطع من المقاتلين حرفتهم الوحيدة هي القتل والنهب والسلب في سبيل التمكين لدولة السيد!
قديماً قال ابن خلدون:-
(إن الأمم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها).
ويبدو أن هذه المقولة كانت مُدركة على نحوٍ سيء لدى الهاشمية السياسية، فحرصت على خلق بيئة التوحش، وعلى إدارة التوحش لتحقيقي مآربها!
ولأن الزيدوية فكرة قائمة على اخضاع الآخرين بقوة السلاح، فمنطقها هو منطق الغاب، فقد ارتد هذا المنطق على أبناء الهضبة الشمالية، فأصبحت الحروب جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، فحرموا بذلك من نعمة الأمن والاستقرار وهي نعمة من أعظم النعم، ولا يمكن أن تقوم حضارة إلا في ظلها…
كذلك دفعت الزيدوية معتنقي فكرتها إلى حروبٍ عدوانية دائمة ضد أبناء اليمن داخل وخارج الهضبة الشمالية، الأمر الذي أحدث شرخاً اجتماعياً خطيراً في جدار الوحدة الوطنية، فالممارسات الزيدوية جعلت أبناء الهضبة الشمالية مكروهين من سائر أبناء الشعب اليمني، وجعلت البعض يُحمل الزيدية بمفهومها الجغرافي كل أوزار وخطايا الزيدوية…
وعندما قامت ثورة الــ26من سبتمبر1962م رأى فيها أبناء اليمن بأغلبيتهم الساحقة انعتاقاً من أعتى فكرةٍ كهنوتية استبدادية دموية جثمت على صدورهم دهراً طويلاً، وبالفعل تم التخلص من الهاشمية السياسية جذر البلاء كله، ولكن لم يمكن حينها التخلص من الزيدوية، بل بقيت حاضرة بقوة في النظام الجمهوري!
نعم.. لقد بقيت الفكرة الزيدوية المتمثلة في الاستعلاء ورفض التعايش مع الآخرين إلا أن يكونوا رعايا تابعين ومحكومين للهضبة الشمالية، وبقي خيار شن الحروب مفتوحاً ضد كل يرفض التبعية والتهميش، وكان عهد علي عبدالله صالح هو عهد(الزيدوية)بامتياز، حتى أصبحت(الزيدوية)في عهده ثقافة لدى أبناء الهضبة في شمال الشمال، إلا من استنار منهم بنور العلم والمعرفة وتحرر من أغلال العصبية والجهل.
القيادات الزيدوية من أبناء الهضبة بدوا مؤمنين بالجمهورية التي تمنحهم السلطة وكل مزايا النفوذ والثروة..مشايخ القبائل الذين تعززت مكانتهم ونفوذهم خلال فترة حكم علي عبدالله صالح أصبحوا يحبون البقرة الحلوب التي تسمى(الجمهورية)!
أما الهاشمية السياسية فكانت تتميز من الغيظ، وتزداد حنقاً كلما رأت تلك المنافع والامتيازات السلطوية تصب في مصلحة أطراف خلقهم الله ليكونوا تابعين لها!
لكن الزيدوية التي كانت قد فكت ارتباطها بالهاشمية السياسية، وذاقت حلاوة الاستفراد والاستئثار بالسلطة لم تكن لتلفت إلى الهاشمية السياسية إلا باعتبارها جزءاً من الماضي، ويجب القضاء على أي محاولة لعودتها من جديد.. وكانت حروب صعدة الستة بين الزيدوية الجمهورية والحوثية الإمامية مؤشر على أن الصراع بين الطرفين قد بلغ منتهاه..أو هكذا كان يظهر.
وعندما جاءت ثورة2011م لتكتب الفصل الثاني في خلاص الشعب من الزيدوية المتقنعة بقناع الجمهورية، سارعت الزيدوية إلى التحالف مع الهاشمية السياسية، وتوحدت جهود الطرفين في خوض حرب زيدوية بنسختها الإمامية القديمة، وعادت جيوش المبردقين الذي تحدث عنهم ابن الأمير الصنعاني قبل نحو قرنين ونصف من الزمان لتخوض حروبها الجهادية ليس ضد الشافعية ــ وحدهم ـــ باعتبارهم كفار تأويل، ولكن ضد الجميع باعتبارهم دواعش!
وهي حروب يراد منها اخضاع أبناء اليمن الذين تمردوا على حكم الزيدوية ليعودوا من جديد تحت حكمها صاغرين..
وكانت صدمة لكل أبناء اليمن..فقد تبين لهم أن الزيدوية إنما قبلت بالجمهورية وتغنت بها فقط يوم أن كانت تحكم وتستحوذ على الثروات باسمها، ويوم أن حاولت الجمهورية الخروج من عباءة الزيدوية لتكون جمهورية كل أبناء اليمن، نفضت الزيدوية يديها من الجمهورية وذهبت تتحالف مع الملكيين الإماميين الرعاة الأصليين للزيدوية!
والمفارقة هنا أن ثورة26سبتمبر 1962م كانت قد نجحت ولأول مرة في إحداث انقسامٍ بين الزيدوية، فانقسموا إلى زيدوية إمامية، وزيدوية جمهورية، وأما ثورة2011م فهي قد وحدت ــ من حيث لم تحتسب ـــ بين الزيدوية الإمامية والزيدوية الجمهورية! أو هي كشفت القناع فقط!
وعادت الزيدوية قبيحةً وفجةً، كما كانت في كل عصورها..وجعلت اليمنيين يستذكرون ما كانوا قد نسوه، أو حاولوا أن ينسوه…
وبعد أن توحدت الزيدوية بجناحيها الإمامي والجمهوري، وأطاحت بالرئيس/عبدربه منصور هادي، وفرضت الإقامة الجبرية على الحكومة، وأعلنت رفضها لمخرجات مؤتمر الحوار الذي يؤسس لمواطنة متساوية، كانت في غاية النشوة، وهي تفتح فمها لابتلاع كل شيء، وفي تلك اللحظة تفاجأت بما لم يخطر بحسبانها، فقد تدخلت قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لتوقف عبث وبغي وطغيان الزيدوية، وكانت صدمة قوية للزيدوية، فهي قد اعتادت أن تشن حروبها على الرعايا الخارجين عن سلطانها حتى تعيدهم إلى بيت الطاعة صاغرين، فلماذا يتدخل التحالف العربي في شأن داخلي كهذا؟! كان هذا التساؤل من قيادات الزيدوية يعبر عن عقليتهم الطغيانية التي لا زالت تعيش في الماضي السحيق!
وبالرغم من غارات قوات التحالف الجوية، فقد أصرت الزيدوية على أن تخوض حربها الداخلية لتأديب(الرعايا الخارجين عن الطاعة)!!
البعض بدا مندهشاً ومستغرباً ومتسائلاً..
لماذا لا توقف المليشيات حربها على المدن اليمنية وتدعوا إلى توحيد الصف لمواجهة(العدوان الخارجي)؟
من يطرحون هذا السؤال يجهلون الزيدوية جملةً وتفصيلاً!
أما نحن فنعلم أن هذه الحرب الزيدوية ليست الأولى..ولكن لعلها تكون الأخيرة!
وذلك لمتغيرات ثلاث:-
ــــ المتغير الأول:-
وعي أبناء الهضبة الشمالية:-
حرصت الزيدوية بجناحيها الإمامي والجمهوري على تجهيل أبناء الهضبة الشمالية..فهم ينظرون إلى الهضبة على أنها خزان بشري تمدهم بما يحتاجون إليه من المقاتلين الجهلة الأشداء، وبجب أن تبقى كذلك.
ولم يكن شيء يؤرق الزيدوية أكثر من الوعي والثقافة والأحزاب السياسية التي اخترقت المحمية الزيدية، لاسيما حزب الإصلاح الذي اجتذب إلى صفوفه كثيرين من أبناء المناطق الزيدية، الأمر الذي دفع الزيدوية إلى إعلان الحرب على الإصلاح، حرب إبادة واستئصال لم تستثنِ حتى المساجد ومدارس تحفيظ القرآن!
تقمص عبدالملك الحوثي شخصية الإمام عبدالله بن حمزة الذي أباد المطرفية، وأعلن أن الإصلاح نبتة شيطانية يجب استئصالها!
الإصلاحيون المستهدفون هم زيدية كما نعلم، ومنهم كثيرون من الأسر الهاشمية، ولا ذنب لهم إلا أنهم ارتقوا بفكرهم فلم يعودوا يتعصبون للمذهب، ولا يقدسون السيد، ولا يؤمنون بخرافة البطنين، ولا بهيمنة الهضبة المقدسة.. باختصار لقد كفروا بالزيدوية الإمامية من قبل (في 1962)، وكفروا بالزيدوية الجمهورية من بعد(في2011م) فاجتمع عليهم حقد الزيدوية كلها..
لكن بذور الوعي التي بُذرت، والالاف من أبناء الهضبة الذين تعلموا وأصبحت لديهم ثقافة عالية، والذين يتزعمون اليوم المعارضة للزيدوية، ويضحون بالغالي والنفيس في سبيل تخليص اليمن من شرورها..الوعي الذي بدأ يتخلق لدى الجميع بخطورة الفكرة الزيدوية، وأنها لم تجلب لأبناء الهضبة في شمال الشمال، ولأبناء اليمن عموماً سوى الخراب والدمار..هذا الوعي سينمو وينتشر، وسيحول في المستقبل بين الزيدوية وبين شن المزيد من حروبها العبثية..
المتغير الثاني:-
شجاعة وبسالة أبناء اليمن خارج الهضبة في الدفاع عن أنفسهم:-
كما تفاجأت الزيدوية بعاصفة الحزم، تفاجأت أكثر بشجاعة وبسالة أبناء المناطق المستهدفة خارج الهضبة..الأستبسال الذي أبداه أبناء عدن وتعز ومأرب والضالع والبيضاء وشبوة ولحج وبقيت المحافظات المستهدفة بالغزو الزيدوي شكل صدمة قوية للعقلية والنفسية الزيدوية المتغطرسة..فلأول مرة في التاريخ يمس الزيدوية هذا القتل الذريع، وتلحق بها كل هذه الهزائم المنكرة..لقد لُقنت الزيدوية درساً قاسياً..لقد دفعت ثمن عدوانها.. أبناؤها لم يعودوا بالغنائم كما كان يعود أجدادهم بل عادوا جثثاً هامدة..وبعضهم حتى جثته لم تعود!
ونتيجة لذلك بدأت القبائل المخدوعة بالزيدوية في الهضبة الشمالية ترفض إرسال المزيد من أبنائها للقتال في تعز وعدن والبيضاء ومأرب والضالع…الخ
لقد كان قتال كفار التأويل في الماضي يجلب الأسلاب والغنائم، وأما قتال من يصفونهم بالدواعش هذه الأيام فلا يجلب سوى الموت… الموت ولا شيء غيره!
الدكتور عبد الملك المتوكل ــ وهو من المحسوبين على تيار الهاشمية السياسية ــ كان صريحاً وواضحاً وحصيفاً في قراءته لهذا المتغير حين قال:-
(إن أهل إب، وأهل تعز، وأهل الحديدة، والجنوبيين، لم يعودوا الرعية حق العادة السابقة.
اليمن لن يحكم بعد اليوم إلا بالديمقراطية فقط، فلابد من عدالةٍ اجتماعية للجميع، وإلا لن تستقر الأوضاع أبداً).
ولا ندري كم من الدماء يجب أن تسيل، وكم من الأرواح يجب أن تزهق، حتى تستوعب الزيدوية هذه الحقيقية!
المتغير الثالث:-
المتغير الإقليمي والدولي:-
اعتادت الزيدوية أن ترتكب الجرائم والفظائع في اليمن دون أن يسألها أو يحاسبها أحد..
وتأريخ الزيدوية مليء بالجرائم والفظائع.. تريدون مثالاً آخر..هاكم هذا المثال:-
في إحدى معاركه مع الدول الطاهرية تمكن الإمام المتوكل يحيى شرف الدين(ت965ه)من(أسر ألفين، أمر بقطع رأس ألف منهم، وأرسل بقية الأسرى الألف إلى صنعاء، وجعل كل أسير يحمل رأس قتيل، ثم إنه أمر جنوده الذين مع الأسرى أن يقطعوا رؤوس الأسرى)
والأمثلة كثيرة جداً..فالزيدوية ليست سوى سجل حافلٍ بالإجرام والفظاعة والوضاعة..ولم يكن أحد يحاسب أولئك المجرمين على جرائمهم..وهذه مسألة هامة:-
الزيدوية عبر تاريخها الطويل اعتادت أن تقتل..تدمر..تخرب.. تسلب..تنهب..دون أن تحاسب على جرائمها..
اليوم لم يعد هذا ممكناً، فقد انتهت عصور الظلام والوحشية، وكل جرائم الزيدوية أصبحت بمرأى ومسمع من العالم كله..اليوم المنظمات الحقوقية توثق كل جرائم الزيدوية، وتجهز ملفات لقيادات الإجرام الزيدوي لتقديمها للمحاكم الدولية..وهذا ملف مهم جداً ويجب الاشتغال عليه بقوة..
إن عاصفة الحزم هي رسالة قوية للزيدوية لكي تفيق من غيها، فاليمن لم يعد تلك المحمية الإمامية المعزولة عن العالم والتي تستطيع الزيدوية أن تفعل فيها ما تشاء بلا حسيب ولا رقيب ولا عقاب!
خلاصة القول:-
إن الحرب الدائرة الآن في اليمن ليست حرباً مذهبية بين الزيدية والشافعية، وليست حرباً مناطقية بين أبناء الهضبة الشمالية وأبناء المناطق الوسطى والجنوبية، ولكنها حرب بين الزيدوية من جهة، وبين بقية أبناء الشعب من جهة أخرى..هنالك من أبناء المناطق الزيدية من يخوض هذه الحرب ببسالة ضد الزيدوية في إقليم آزال وخارجه، وهنالك من أبناء المناطق الشافعية من يقاتل تحت تأثير العصبية الهاشمية أو الإغراءات المادية مع الزيدوية.. في جميع الأحوال الزيدوية ليست مذهباً.
ولا تمثل الزيدية، ولا تمثل أبناء الهضبة الشمالية، إنهاــ كما أسلفناــحركة عنصرية استعلائية تسعى نحو الاستحواذ على السلطة واخضاع الآخرين بقوة السلاح.
الحوثيون وعلي عبدالله صالح يخوضون اليوم آخر حروب الزيدوية..
يتقيأون عفن العصور..يفرغون حقدهم الأسود قتلاً وتدميراً وتخريباً..يقصفون الأحياء السكنية عشوائياً..يحاصرون المدن ويمنعون عنها واللهأسباب الحياة..يعتقلون الآلاف من المعارضين ويتخذونهم دروعاً بشرية..يخرجون كل قبحهم..لكنهم سيهزمون..ويدحرون.. وستلعنهم الأجيال القادمة جيلاً بعد جيل..ولن تتمكن الزيدوية من شن حروبٍ أخرى..إنها آخر حروبها القذرة!!!