أصدرت ميليشيا الحوثي في صنعاء يوم 25 نوفمبر حكما من محكمتها قضى بإعدام 91 سياسيا وإعلاميا يمنيا( أنا بينهم). لا قيمة قانونية للحكم وفي الميزان الاخلاقي فهذه ميزة لأنه من الطبيعي أن تكون في المكان النقيض لأي جماعة عنصرية أو حكم مليشيا فاشية.
أما على الصعيد الواقعي فمليشيا الحوثي تقتل اليمنيين كل يوم ولا يوجد بيت بعد ست سنوات من الدمار ليس فيه حزن مقيم وخراب عظيم بسبب هذه الميليشيا.
والهدف من هذا الحكم هو الاستيلاء على أموال الناس وهذه أيضا نهبوها
ولكن أردت مناقشة الأمر بشكل اشمل لأهمية ما يجري فالحكم يؤكد على حقيقة جماعة الحوثي الأكثر عنصرية ومناطقية من كل جماعات التطرف في اليمن ولإثارة التساؤل هنا في دائرة من محللين دوليين واعلاميين ترى مواراتها لهذه الجماعة بل ودعم مسارها إما صراحة أو لؤما ترى بذلك بأنه حكمة ووسطية ومعها أي القلة الداعمة وسطاء دوليين لا أدري كيف سيفسرون لنا الآن وللعالم إستمرار جنون وتطرف مليشيا منفلتة وأنها يمكن أن تقبل ( حوار السلام ) .
إن ما يجري هو إنهيار كامل تتعرض له اليمن بسبب انقلاب جماعة سيطرت على مراكز القرار وتمارس منهج فاشي مخيف وقمع ممنهج يعزز من تشظي اليمن على كل المستويات بحيث لا يمكننا استرجاع سلامة هذا الوطن لعقود.
إن ذلك يؤكد أن التعاطي الرخو دوليا مع جماعة إرهابية هو مباركة لاستمرار منهج لا يمكن التعاطي معه دبلوماسيا فقط ليزول ويحل السلام.
علينا أن نذكر ماذا لو كان تعامل العالم مع صعود النازية والفاشية في أوروبا بنفس منطق المحللين الدوليين الحاليين لقضية اليمن ؟
وكيف سيكون الوضع لو أصرينا على ضرورة التعاطي مع دولة داعش في العراق وسورية بمنطق الدبلوماسية وإشراكهم في توقيع بيان مشترك لتقاسم الحكم؟
والأمر ليس فيه أي تهويل ( ولا غرض شخصي ) هي رؤية موضوعية يتجاهلها كثير من ممثلي المجتمع الدولي عن عمد أو قلة معرفة ولكن الخطر يتزايد.
فقد تُركت جماعة الحوثي ولا تزال لتنمو وتتضخم ليس فقط عسكريا ولكن أيضا عقائديا ومنهاج يلهم كل جماعة متطرفة.
واستخفاف العالم والإقليم بما يحدث في مناطق سيطرة الحوثي يثير الحزن والقلق معا ويذكرنا بما كانت عليه مباركة العالم لظهور التطرف العربي الأفغاني حتى طالبان اوتيار القاعدة الذي تعامل معه المجتمع الدولي في أوله باستخفاف بل و حماية وتعاطف أحيانا عبر تقديم الملاذ لكثير من قادته حيث كان إلتزام التيار المتطرف بضرب المخالفين له من أهل بلده ثم أهل ملته فقط وتطور الأمر ليصبح إرهابا دوليا عانت منه المجتمعات الدولية التي والته بالدعم أو بالصمت المبارك له.
وها نحن نصنع مفرخة جديدة باليمن ينظر لها بعض المحللين الدوليين باستهانة ويرون خطرها فقط على جزء من الجغرافية اليمنية وأنها ستكون مليشيا مطيعة ومتعاونة ويكررون نفس خطأ تعاملهم مع القاعدة وداعش.
إن اليمن اليوم هو مختبر آخر لوجه جديد من التطرف والإرهاب أكثر تطورا وحنكة بل وأكثر تماسكا من تجربة القاعدة وداعش.
وقليل من المنطق يظهر ملامح التطور والخطر فقبل سبع سنوات كنا ومعنا المجتمع الدولي نبحث عن مظالم محافظة في أقصى اليمن إسمها صعدة ومن حقها الحصول على فرص بالتنمية ثم صارت مليشيا تريد الشراكة في كل الحكم ثم اختطفت الدولة وأنهت مؤسساتها.
والآن أيضا صرنا نتحدث عن حركة مسلحة تريد تحرير الجزيرة العربية وتعلن ( فكرة المسيرة القرآنية ) التي تتجاوز ولاية اليمن إلى خلافة متطرفة تقارع الكفر في كل مكان
ولاحظوا التركيز اليومي في إظهار مليشيا الحوثي بأنها ضمن ما يسمى محور المقاومة ( لإسرائيل وأمريكا ) وليس مجرد جماعة متمردة على الحكومة اليمنية.
وهذا أمر يتعاظم كل يوم ويكسب مؤيدين وأنصار على مستوى المنطقة وليس اليمن فقط.
ولهذا عندما أصدرت جماعة الحوثي بصنعاء في الأشهر الماضية أحكام على الرئيس ترامب وعشرات من قادة العالم والمنطقة العربية أخذها البعض بكثير من الاستخفاف والتندر ولازال أيضا!
وتردد بسخرية كيف لجماعة الحوثي المعزولة في جبال اليمن أن تهدد هؤلاء القادة ودولهم؟
ويتناسى هؤلاء عن قلة معرفة كيف فعلت التنظيمات المتطرفة في صنع الإرهاب عبر الفتاوى والأحكام
ومدى تعاظم الفكرة لدى التابعين المؤمنين الذين يصنعون تنظيماتهم بعد ذلك ويحاكمون الغير ويدمروا كل معارض لهم ومثل حركات التطرف على مستوى العالم تنتشر التنظيمات عبر الأفراد المؤمنين القادرين على الإيذاء ليس بالضرورة تحت مظلة تنظيمية واحدة بل ينجح الإرهاب متى غدى فكرة منتشرة.
فالقاعدة قيادتها إنتهت بكهوف افغانستان الأكثر تعقيدا من اليمن ولكن فكرتها تزدهر في كل مكان
بما فيها دول أوروبا أو أمريكا وفي أوساط أبعد ما تكون عن البسطاء الأميين إلى طلبة علم في جامعات ومدارس دولية.
إنها رياح السموم التي لا تتوقف عند حد متى أنطلقت من قمقمها ويساعدها أن تظهر في أول خطواتها بمظهر الضعيف ثم يسهم في ازدهارها ان تجد من يروج لنقاء معدنها وعدم الخوف منها لأنها صاحبة مظلومية محددة تريد النيل من محيطها الصغير الذي هو هنا ( أجزاء اليمن المقاومة لها) ثم يفيق العالم على كابوس جديد من الإرهاب.
وبهذا الخصوص الأمر باليمن صار جليا وليس ضربا من التخمين ( ولو كره المحللون الدوليون) حيث تسير جماعة الحوثي بخطى متسارعة لتكون المختبر الأهم لتخريج أفواج المقاتلين الصغار الذين سيحكمون الكوكب وينجزون المسيرة القرآنية حسب زعمهم وأنصارهم لن يكونوا يمنيين فقط ولا ساحتهم اليمن لوحدها بل أكبر من محيط الجزيرة العربية وخليجها.
هذا ما يجري الآن في اليمن ولو
تُرك أكثر لعبث يتفاقم كل يوم وتتعاظم أخطاره وأبرزها تعزيز خطاب الكراهية والمنطق العنصري الذي يرى كل الآخرين مشروع جثث يدوس عليها ليحكم المنطقة فإن العالم يصنع بصمته كارثة تتجاوز يمن السلام والحكمة.
نعم هو مشروع يمكن هزيمته الآن إذا غيرنا استراتيجية المواجهة وحدثت اليقظة الدولية وقبلها يقظة المنطقة من خطر ما يتفاعل باليمن من انهيار تداعياته ستطال الكل.
سينهزم المشروع إذا حدثت هذه اليقظة الدولية في التعاطي بقوة مع خطورة مشروع الميليشيا الحوثية باليمن ووقفه ومع إستمرار اليمنيين بمقاومتهم وإنهاء صراعهم وإلتفافهم حول مشروع الدولة المدنية الديمقراطية بكل بسالة .
___
* سفير اليمن في المغرب
نقلا عن جريده الاهرام القاهريه